ارشيف من :آراء وتحليلات
مجلس الامن..الرديف لفشل القوة العسكرية
بعد انهيار الاتحاد السوڤياتي وتفتيته الى دويلات اتبعت بعض الدول خصوصا الولايات المتحدة الامريكية سياسة الكاوبوي او البلطجة وساد العالم ما سمي بشريعة الغاب التي تستند الى القوة العسكرية وتزوير الحقائق عبر اعلام ممسوك وموجه وهادف لتنفيذ رغبات واطماع امريكا بثروات العالم، وخاصة ثروات بلادنا العربية الغنية بالنفط والغاز..
حينها اتبعت امريكا سياسة التزوير والترهيب والتخويف مدعية ان الامن والاستقرار العالمي اصبح مهدداً من عوامل عدة وانها اي الولايات المتحده باتت المنقذ الوحيد للامن والسلم العالمي منتهزة تأييد الدول التي تدور في فلكها وتشاركها نفس السياسة من دون النظر او الاخذ بعين الاعتبار اي دور للشرعية الدولية الناظمة للعلاقات بين الدول..
اجتياح امريكا للعراق بقيادتها لحلف يتماهى مع سياستها دون طرح القضية على مجلس الامن جاء في ذروة الضعف الروسي كمؤشر فاضح على امتهان كرامة العالم باسره ورسالة بأن الولايات المتحده اصبحت القطب الاوحد الذي يدير العالم وعلى الاخرين التسليم بهذا الامر..
اجتياح العراق جاء بناءً على كذبة امريكية تفيد ان العراق يمتلك اسلحة دمار شامل تهدد الامن العالمي، ولاحقاً انكشف الكذب الامريكي من الداخل واعترف كولن باول وزير الخارجية الامريكية ابان الاجتياح الامريكي للعراق بانه كذب على العالم في مجلس الامن..
الكذب الامريكي على العالم لم يتوقف عند اجتياح العراق بل ذهبت الولايات المتحدة ابعد من ذلك لتبدأ بالترويج عبر اعلامها واعلام الدول العربية التي تسبح بفلكها اضافة للاعلام الاسرائيلي أن ايران قاب قوسين او ادنى من انتاج القنبلة النووية، ولا ننسى ظهور رئيس وزراء العدو الاسرائيلي نتنياهو على منبر الامم المتحده حاملا لوحة رسم عليها مراحل اقتراب ايران من انتاج السلاح النووي شارحاً بالكذب والتلفيق مدى الخطورة التي باتت تواجه العالم.
وكان يوكيو امانو مدير الوكالة الدولية للطاقة النووية الذي زار طهران مؤخرا وجال على المفاعلات النوويه الايرانية قد كتب تقريراً موثقاً خلاصته خلو ايران من اي نشاطات لانتاج القنبلة النووية. ان مثل هذا التقرير الموثق يكشف والبدليل القاطع المزاعم الامريكية الاسرائيلية وحتى لبعض الدول العربية مدى الكذب والتلفيق الذي يمارس لغسل عقول المجتمعات..
ان الكذب لاستعمال القوة بات المادة الاساسية المتبعة لتحقيق مصالح الدول وتغطية جرائمها مع شعوب العالم وشعب منطقتنا العربية على وجه الخصوص.. ان سياسة التلفيق والكذب المتبعة بهدف تأمين المصالح شجع الدول المدعومة من امريكا في المنطقة لتلعب نفس الدور الامريكي وهنا نذكر دور تركيا والسعودية في المنطقة.
تركيا دخلت الى العراق رافضة الانسحاب من الاراضي العراقية بحجة الحفاظ على الامن او تدريب بعض المكونات دون اذن او موافقة مجلس الامن وهذا الامر يعتبر بمثابةاستباحة للقوانين الدولية وتعدٍ على سيادة الاوطان مستفيدة من الدعم الامريكي لتركيا اردوغان.
اما دور السعودية الفاضح بتدخلها في الازمة السورية واستعمال نفوذها المالي وممارسة الضغط المدعوم من امريكا لطرد سوريا من الجامعه العربية وزعزعة الامن فيها عبر دعمها للمسلحين بالمال والسلاح والعمل للاطاحة برأس الدولة ممثلا بالرئيس بشار الاسد، فيعتبر اعتداء صارخا وفاضحا على السيادة السورية ودوراً سلبياً ومؤججاللصراع القائم في سوريا خارقة بذلك نظم العلاقات الدولية بين الدول التي تحرم تدخل دولة بشؤون دول اخرى.
شيء ما تغير في مشهد العلاقات بين الدول الكبرى خصوصا تلك التي توصف بانها دائمة العضويه في الامم المتحدة والمؤثرة على مستوى القرار الدولي واضحت لغة القوة وتأمين المصالح عبر الاعلام الموجه هي اللغة التي تتحكم بنظم العلاقات الدولية بين الدول، والامثلة كثيرة نذكر منها:
العدو الاسرائيلي احتل فلسطين 1948 واحتل القدس والجولان 1967 بدون شرعة دولية
العدو الاسرائيلي اجتاح لبنان مرات عدة من عام 1978 إلى عام 1982 وصولا الى العام 2006 .
لكن الاحتلال لم يرتدع الا عندما تمت مواجهته بالقوة العسكرية للمقاومة ما دفعه لاعلان فشل القوه العسكرية بتحقيق المبتغى واللجوء الى مجلس الامن لاستصدار قرار اممي مُلزم تحت رقم 1701 في العام 2006.
السعوديه تدخلت عسكريا باليمن 2015 واستعملت القوة العسكرية المفرطة بحجة ضمان الامن الاستراتيجي للسعودية دون العودة لمجلس الامن مستندة بذلك الى طلب من قبل السلطة الشرعية اليمنية على الرغم من اختلاف تفسير من هو شرعي من عدمه في اليمن وبعد فشل العمل العسكري تم اللجوء لمجلس الامن لاستصدار قرار تحت رقم 2216 ليكون الغطاء المطلوب.
روسيا اجتاحت جورجيا في العام 2008 وضمت منطقة اوسيتيا اليها بحجة حماية الامن القومي الروسي دون العودة لمجلس الامن.
روسيا ايضا وعلى اثر انقسام اوكرانيا في العام 2014 تدخلت بالقوه العسكرية دون العوده لمجلس الامن معلنة عن ضم جزر القرم بحجة الامن القومي الروسي واستعادة هِبةنيكيتا خروتشيف التاريخية من اوكرنيا..
إذن، القوة صارت لغة العالم..روسيا اخذت قرارا استراتيجيا بالتدخل عسكريا في سوريا الحليف الوحيد في الشرق الاوسط مستندة الى طلب من السلطات الشرعية السورية متمثلة بالحكومه السورية الرسمية فاتحة بذلك عهدا جديدا بالعلاقات الدولية مفاده من يمتلك القوة يمتلك القرار وبذلك صارت روسيا شريكا اساسيا بالقرار الدولي..
مارتن ديمسي رئيس هيئة الاركان المشتركة للقوات الامريكية وبعد دخول روسيا بالقوة العسكرية الى جانب الشرعية السورية قال: "يجب علينا الاعتراف بالفشل في سوريا".
لم يأت الاتفاق في مجلس الامن على القرارين 2253 و 2254 بشأن الازمة السورية الا لاعلان فشل خيار القوة وممارسة الكذب والتلفيق ضد سوريا الدولة ليكشف زيف ما يسمى الالتزام بالقرارات الدولية التي تنظم العلاقات بين الدول لتصبح الامم المتحده الرديف الذي تلجأ اليه الدول لتحتمي بقراراتها وتغطي فشلها باستعمال القوة العسكرية في لعبة الامم والمصالح ...
ها هم رموز ما يسمى بالمعارضة السورية يصرخون ليعلنوا (لقد تم توريطنا)...ها هي سامنثا باور مندوبة الولايات المتحدة الامريكية في الامم المتحده تنقل رسائل الود من الادارة الامريكية للنظام السوري عبر مندوب سوريا في مجلس الامن بشار الجعفري..
متى يفهم العرب ان القوة هي اللغة الوحيدة التي يفهمها العدو الاسرائيلي وهي السبيل الوحيد الذي يعيد الينا فلسطين والجولان؟
*مستشار وباحث في الشؤون الإقليمية