ارشيف من :آراء وتحليلات

تركيا و’إسرائيل’: نحو تحالف استراتيجي جديد !

تركيا و’إسرائيل’: نحو تحالف استراتيجي جديد !

مع مرور الوقت تتكشف طبيعة العلاقات التركية – الاسرائيلية، وتظهر جديتها وخطورتها  إلى العلن شيئاً فشيئاً. معروف أن العلاقات الإسرائيلية - التركية تدھورت منذ تراجع دور العسكر في الحياة السياسية التركية، وتنامي دور "حزب العدالة والتنمية" برئاسة أردوغان. لكن الأمور بلغت ذروتھا وصولاً إلى القطيعة بعد اقتحام عسكريين إسرائيليين سفينة "مرمرة" وقتلھم حوالي 10 نشطاء أتراك، وإصابة عشرات، كانوا ضمن حملة لكسر الحصار على غزة قبل خمسة أعوام. وفشلت مساع مختلفة لوسطاء، بينھم أميركيون، في تحقيق المصالحة حتى بعد اعتذار رئيس الحكومة الإسرائيلية لتركيا. وتدھورت العلاقات بين تركيا وإسرائيل من مستوى "الحليف الثاني في أھميته بعد الولايات المتحدة" إلى مستوى تمثيل مصالح، ومن دون سفراء.

 

لكن مؤخراً، كشفت وسائل إعلام إسرائيلية عن لقاء تم في سويسرا بين الرئيس المقبل لجھاز المخابرات الخارجية (الموساد) يوسي كوھين ومبعوث رئيس الحكومة الإسرائيلية الخاص للاتصالات مع تركيا يوسف تشيخنوفر، وبين نائب وزير الخارجية التركي فريدون سينيرلي أوغلو، لفحص سبل تطبيع العلاقات بعد أكثر من خمس سنوات من تأزمھا في أعقاب اعتداء سلاح البحرية الإسرائيلية على أسطول الحرية التركي الذي كان في طريقه إلى ميناء غزة.

وقد تفاهم الجانبان على عدة نقاط أهمها:

- تودع إسرائيل مبلغ 20 مليون دولار في صندوق خاص لتعويض عائلات الأتراك الذين قتلوا وأصيبوا في الاعتداء.
- توقف تركيا كل الشكاوى المقدمة ضد ضباط وجنود شاركوا في الاعتداء. وذلك من خلال تشريع قانون خاص يحول دون تقديم دعاوى في المستقبل.
- استئناف العلاقات الديبلوماسية الكاملة بين البلدين، وإعادة السفيرين إلى تل أبيب وأنقرة.
- عدم السماح للقيادي البارز في حركة حماس صالح العاروري الذي كان يقيم في تركيا بدخولھا بداعي تفعيله إرھابيين ضد إسرائيل.
- تم التفاھم على أنه بعد التوصل إلى اتفاق نھائي، تدرس الدولتان فرص التعاون في مجال الغاز الطبيعي.

وهناك موضوع آخر وهو الأبرز، لكنه ما زال قيد المفاوضات يتعلق بالمطلب التركي من إسرائيل برفع الحصار عن قطاع غزة، وإسرائيل ترفض قطعاً بحث الموضوع. حيث يقول مسؤولون اسرائيليون:" الكرة في الملعب التركي. فنحن اعتذرنا ونحن مستعدون لدفع الأموال. وينبغي عدم إزعاجنا بالحديث عن رفع الحصار عن غزة".

تركيا و’إسرائيل’: نحو تحالف استراتيجي جديد !

ومع الإعلان عن ھذه التفاھمات، بدأ اليمين المتطرف في إسرائيل يھاجم نتنياھو، إذ قال رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان، إن ھذه التفاھمات تشكل خطرا استراتيجيا على إسرائيل، واعتبرھا "خطوة صبيانية متسرعة"، موضحا أن استئناف العلاقات مع تركيا يعتبر خطأ فادحا على الصعيد الاستراتيجي." وأضاف:" لقد أقمنا خلال السنوات الخمس الماضية علاقات وطيدة على أعلى المستويات مع اليونان وقبرص ومصر، التي تقيم علاقات سيئة مع تركيا. فلا يعقل أن نبيعھا مع أول غمزة من إردوغان، الذي لا يخفي أبدا عداءه لإسرائيل".

ورأى مراقبون أن أنقرة بدلت من سياستھا العدائية لتل أبيب في أعقاب التطورات الأخيرة في المنطقة، خصوصاً في سوريا والعراق، إزاء اتساع النفوذ الإيراني ودخول روسيا القتال في سوريا، وما أعقب ذلك من إسقاط روسيا طائرة تركية. كل ذلك، فضلاً عن رغبة أنقرة في استيراد الغاز الطبيعي من إسرائيل وعدم إخلاء الساحة لليونان وقبرص للاستفادة من الغاز.

العلاقات بين تركيا وإسرائيل لم تتوقف، وھي علاقات استراتيجية بكل معنى الكلمة، مھما ظھر أنھا ليست كذلك أحياناً، فعلى الصعيد الاقتصادي لم تتوقف السفن التركية عن الوصول إلى موانئ إسرائيل لبيع النفط المھرب من مناطق سيطرة "داعش" ومن إقليم كردستان في العراق. واستمرت العلاقات الأمنية والاستخباراتية والعسكرية بين الدولتين، ولم تتأثر بإلغاء اتفاق من ھنا ومناورة عسكرية مشتركة من ھناك، وھي أمور تفصيلية وھامشية أمام جوھر المنظومة الأمنية والعسكرية المشتركة بينھما والمرتبطة بالمرجعية الغربية  الأطلسية والأميركية تحديداً.

ومن الواضح أن الغرب عموما والأميركيين خصوصا كانوا يأملون تعاونا أكبر بين تركيا وإسرائيل في كل ما يتعلق بسوريا، خصوصا بعد أن دخل الدب الروسي إلى الحلبة بقوة كبيرة فأحرج الجميع. ولذلك فإن مغازلة إسرائيل لروسيا كانت في الأغلب تجنبا لخلاف أكثر ضررا في ضوء ميوعة الموقف الغربي من ھذا التدخل. وإذا كان ھذا يعني شيئا فإن إسرائيل قد تكون تحاول الاقتراب من تركيا، وبالعكس، بسبب روسيا.

هذا التقارب التركي- الاسرائيلي، شكل عنصر مفاجأة لحركة حماس فكان محور محادثات أجراھا رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس وزرائه أحمد داود أوغلو في خلال زيارة قام بھا مشعل على  رأس وفد رفيع المستوى واستمرت ثلاثة أيام وتخللتھا لقاءات موسعة...
وكان الرد متوقعاً ومخيباً لتوقعات حماس، حيث سمع وفدھا وعودا بتخفيف الحصار عن غزة ولم يسمع وعودا برفع الحصار. والتخفيف يعني زيادة التسھيلات على المعابر الإسرائيلية مع غزة فقط .

أما القيادي في الحركة صالح العاروري، الذي حاولت وسائل إعلام تركية وفلسطينية نفي أن يكون خروجه شرطاً إسرائيلياً ستنفذه أنقرة على مضض، فإنه فعلياً صار خارج الأراضي التركية، كما تقول مصادر سياسية فلسطينية، مضيفة أن العاروري (المتھم إسرائيلياً بتسيير عمليات في الضفة من الخارج)، موجود منذ أسبوعين في العاصمة  القطرية الدوحة، وقد يتجه إلى بيروت. لأن الأتراك نصحوا حماس بألا يعود العاروري إلى إسطنبول لأنھم لا يستطيعون ضمان أمنه في ظل تھديدات حول حياته، ولم يوضح الأتراك مصدرھا، لكن مصدرھا شكوى إسرائيلية وصلت إلى أدراج "حلف الأطلسي".

تركيا ما زالت تلعب بالورقة العربية عامة، والمسألة الفلسطينية خاصة وتبيع فيها وتشتري حسب سعر مزيداتها في بورصة السياسة الاسرائيلية الأمريكية، ووفق ما يخدم مصالحها في المنطقة العربية، وبعض العرب لم يتعلموا بعد انهم لعبة بأيديهم ......التاريخ يعيد نفسه، فهل قرأنا نحن التاريخ لنتعظ؟؟؟؟

ومن خفايا العلاقات الإسرائيلية التركية التي لم يكشف عنها بوضوح رغم أهميتها وخطورتها : إسرائيل تدعم قيام دولة كردية في سوريا والعراق وهذا ما يزعج تركيا . وتركيا تسعى الى تسويق اتفاق مشبوه في غزة لكنه ما زال متعثرا بين حماس وإسرائيل . كيف سيستمر التحالف الاستراتيجي بين انقرة وتل ابيب رغم التحديات الفلسطينية والكردية ؟ هذا ما سوف يظهر في المرحلة المقبلة .

2015-12-29