ارشيف من :آراء وتحليلات

سمير القنطار عاشق فلسطين

سمير القنطار عاشق فلسطين

عاشق فلسطين وصف لائق ينفذ إلى حقيقة الاسم والرسم ويضيء الظاهر ويكشف الباطن، ويحيط بكل المعاني التي يمكن أن تتوفر في الموصوف إحاطة دلالية على مستوى الصورة ومصداقها.. سمير القنطار عاشق فلسطين، وصف أطلقه  الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، في لحظة وجد عالية قدّمها في تأبين عميد الأسرى الشهيد السعيد عاشق فلسطين.

الوصف يكشف حقيقة تحمل كل خصائص البرهان، صادقة إلى درجة اليقين، بينة إلى حدّ الوضوح صريحة إلى حد البداهة. إن سيرة وحياة سمير القنطار الشخصية والجهادية لسيرة عاشق، أحب فلسطين وهو فتى، وعشق الفتيان فيه من التضحية والإيثار والشجاعة والإقدام والكرم والإخلاص ما يجعل منه مثلاً في العشق، وقد ذهب في ذلك كلّه إلى حدود الفناء في الحبيب من خلال إقدامه وإخوان له، فتيان في عمره على النزول على شواطىء فلسطين، بعدما عبروا البحر، وخاضوا غماره، ليدركوا مبتغاهم في قتال العدو استشهد منهم من استشهد ووقع سمير القنطار جريحاً في أسر العدو ليمضي في سجون فلسطين ثلاثين عاماً، حصلت فيها حروب وتسويات وسقط شهداء عديدون، ووقع آخرون في الأسر، أفرج عنهم في عمليات تبادل للأسرى، اختلفت أمزجة وتغيرت أحزاب، وبدّلت مواقع وتبدلت أفكار، أزمنة صعبة عبرت كما تعبر جبال تحسبها جامدة وهي تمر مرّ السحاب، ولكن العاشق الأسير، لم يبدل في أحوال عشقه وظلّ وفياً على العهد، صامداً محتسباً قوياً، شجاعاً، عاملاً صامتاً، ناطقاً، يعدّ السنين ويصنع الأمل في الحرية والانتصار.

سمير القنطار عاشق فلسطين

لم يكن سمير في سجنه بعيداً عما يجري من حوله. لقد فرض بقوّة شخصيته، وطريقة مواجهته أساليب سجانه أن يتحول إلى رمز نضالي للحرية في الأسر. ومن موقع رمز الحرية وعميد الأسرة، كان يتابع ما يجري من حوله من أحداث، وكان يفرض على سجانه لحظات حريته ويفتح بنضاله العربي العالم الخارجي ونوافذ التواصل معه، حتى أضحى رمزاً للنضال من أجل الحريّة وكأنما وضع عدوه في الحصار وفتح كوّة الحرية في الجدار. كان يحاصر حصاره، ويأسر سجّانه ويطلّ على العالم من شرفة الشعور بالأمل والإحساس بالحرية، وأنها آتية ذات يوم، على صهوة فرسان عاشقين مثله، يفتحون الطريق إلى القدس.

لقد كتبت مرةً، أن واحدة من خصائص حرب تموز أنها حرب من أجل حرية، وكان سمير قنطار صورة مصداقية تعبر عن قدرة الإنسان على اجتراح المعجزات...
خرج سمير قنطار من السجن، ولا أعرف أي إلهام نطق على لسانه جملة كثيفة المعاني إلى درجة أنك تحسبها صادرة عن مصدر إلهامي صريح: ما خرجت من فلسطين إلاّ لأعود إليها.

هذا لسان العاشق ونطقه، وصدقه وإلهامه، وسيره وسلوكه إلى درجة لا يحس الإنسان معها أن ثمة سرًا ولد مع هذا الفتى من جبال لبنان، ليقطع البحر إلى أرض فلسطين ويعود منها مقاتلاً في سبيل حريتها على تخوم الجولان وهضاب جبل الشيخ، إنه فتى البرازخ المقدسة، بين الجولان والجليل وجبل عامل.

لو كان سمير قنطار رجلاً عادياً لأمضى سنوات حريته بعد الأسر كما يمضي الرجال العاديون حياتهم العادية في الأزمنة المعتادة. لكن سمير قنطار حينما اختار حزب الله عقيدة للجهاد، أكمل طريق عشقه وكأنما يمضي بخطوات ثابتةٍ إلى مقصده الأسنى: الشهادة والفناء في الحبيب الأزلي. عاشق فلسطين مهر عروسه الشهادة وهذا ما فعله سمير قنطار باختيار حرّ وإرادة شجاعة ومعرفة واثقة، وبصيرة نافذة.

أعرف أصدقاء مشتركين حدثوني عنه في لحظات إنسه مع الذات والآخر. لحظات تكشف أكثر ما تكشف حقيقة الإنسان الباطنيّة، وهي محل نطقه حين لا يفصح صمته للذين لا يحسنون معرفة العلاقة بين الصمت والنطق، في لحظة تجلياته الصادقة. كيف كان سمير قنطار ينتظر شهادته، وكيف كان نشاطه وإقدامه وحماسه، وقدرته على العطاء والعمل تكشف أنه يسرع الخطى إلى الحبيب الأعلى. وسأقرأ ما كتبه في قصته وأجمع ما سمعته من رفاقه الأقربين في لحظاته الخاصة، لحظات الأنس مع الذات والآخر، لأتبين ما تحمله هذه النفس العاشقة، وهذه الحياة الأسطورة المجتمعة في رجلٍ من جبل لبنان قاتل في فلسطين، واستشهد في دمشق - الشام، وكانت عينه تراقب من أعالي الجولان طريق العبور إلى القدس وينشد:


أنا الواثق من العشق
أكتب أغانيّ
على دفترٍ من رقائق روحي
وحب الشام
وبغداد تنام على ضفة
دجلة ولا تأبه للظالمين
أدور على من يرشدني
إلى قرطبة لألقى ابن رشد
يخط فصل المقال
أنا الواثق من العشق
أعود إلى القدس،
من أعالي الجليل وأحمل
خشباً من أرز لبنان
لأبني مكان سجني
وطناً، للحرية وللإنسان..

2015-12-30