ارشيف من :نقاط على الحروف
إنه زمن الاعلام المسموم
عجبي من اعلام يروّج لمشهد شاب تركي واقفاً على جسر البوسفور ينوي الانتحار وفي اللحظه التي كان الشاب ينوي فيها القفز من الجسر (صودف) مرور موكب الرئيس التركي رجب اردوغان آمراً رجاله بالتوقف والعمل على ثني الشاب عن الانتحار..
(صودف ايضاً) وجود كاميرات واعلام مكثف صوّر عملية اقناع الشاب بعدم القفز لأن الرئيس اردوغان ينتظره في السيارة الرئاسية (لتلبية حاجات الشاب وتنفيذ مطلبه)
- اللافت في الامر، وجود الاعلام بكثافة
- عدم تكليف اردوغان نفسه بالنزول من السيارة الرئاسية والبقاء فيها جالسا يراقب المشهد ويجيب على هاتفه الخاص
- سرعة اقتناع الشاب بعدم القفز للانتحار فور علمه ان رجب اردوغان في السيارة الرئاسية ينتظره..
- الاتيان بالشاب الذي كان ينوي الانتحار الى السيارة الرئاسية التي بقي فيها اردوغان جالسا دون ان يكلّف نفسه عناء النزول منها مكتفيا بفتح بابها ليُقْدِم الشاب على استبدال الانتحار بتقبيل يد رجب اردوغان والايحاء بأن الاخير اعطى اوامره لرجاله بتنفيذ طلبات الشاب الذي كان ينوي القفز في مياه مضيق البوسفور بهدف الانتحار..
ان الاسفاف في التعاطي الاعلامي من اجل تبييض صفحة رجب اردوغان واظهاره بأنه الذي يخاف على ارواح الناس وانه مرهف الاحساس والانسانية هو تهريج واستخفاف بادراك الناس. كما ان ترويج الاعلام لهذا الفيلم هو بمثابة جرم تزييف وتحريف اعلامي لا بل انه الجريمه الاعلامية بحد ذاتها..
هل نسي هذا الاعلام مئات الاف الضحايا من الابرياء والمدنيين الذين سقطوا بسبب جرائم اردوغان وحقده وحلمه في اعادة امجاد السلطنة العثمانية في كل من سوريا وليبيا والعراق ومصر، من خلال دعم اردوغان شخصيا عملية تسليح المنظمات الارهابيةه وعلى رأسها داعش وتنظيم الاخوان؟
هل نسي هذا الاعلام دور اردوغان السيئ والمتآمر على شعب وقيادة سوريا ناهيك عن اشراف اردوغان شخصيا على عملية تفكيك وسرقة العصر الموصوفة لمصانع حلب الشهباء بهدف تدمير اقتصاد سوريا العروبة؟
هل نسي هذا الاعلام استعمال المطارات التركية وبناء مراكز الايواء والدعم اللوجستي والعسكري وفتح الحدود المشتركة مع سوريا لتهريب الارهابيين الى الداخل السوري والتعامل المباشر مع تنظيم داعش بهدف القتل وتدمير الاثار وطمس الحضارة ومحو التاريخ وتهجير وتفتيت المجتمع السوري؟
هل نسي هذا الاعلام دور حكومة اردوغان التركية في مساندة ومساعدة تنظيم داعش باجتياح واحتلال اكثر من 40 بالمئة من ارض العراق والمساهمة بتهجير وتطهير المناطق العراقية من العرقيات والاثنيات وتفكيك نسيج المجتمع العراقي؟؟
هل نسي هذا الاعلام سرقة رجب اردوغان وعائلته للنفط السوري والعراقي وبيعه بسعرٍ بخس في السوق السوداء من اجل تحقيق كسب مادي شخصي وتمويل داعش؟؟
ان الاعلام الذي يُمارَس على شعبنا هو اشد فتكا ودمارا وتخريبا من الحرب العسكرية الدائرة في بلادنا العربية واقول بكل امانة ان بعض الاعلام المرئي فتك بمجتمعنا العربي ونجح في تفتيت وتشتيت بنيتنا الاجتماعية لدرجة ان حجم تأثير هذا الاعلام الفتاك بات واضحا على مجتمعنا وعلى طريقة نمط تفكيرنا وان مفعول هذا الاعلام المرئي المفبرك المُبيّض لجرائم العصر هو اكثر بكثير من مفعول القنبلة النووية بحد ذاتها، ولا غلو في القول، ان الاثر السيئ الذي يصيب مجتمعاتنا بحرف الحقائق جراء ممارسة عملية تبييض الاعلام هو اشد فتكاً من تبييض الاموال..
في زمن هذا الاعلام المُدمِّر، صار الاعلام المرئي الوسيلة الوحيدة الممكنة لقلب وتبييض الصورة فيصبح المجرم القاتل المكشوف امره والمتآمر على بلادنا وشعبنا العربي، منقذا لحياة الناس وضنينا بحمايتهم وحامل لواء الديمقراطية ومخلّصا للمجتمع من البطش والظلم الذي يمارسه المجرم نفسه بحق شعبه...
تؤتي هذه الوسيله أُكُلُها فقط بمجرد اللجوء الى عرض بعض الاعلام المرئي لافلام مصوّرة مترافقة مع بث تقارير مدسوسة مدروسة ملفّقة ومتفق عليها مسبقاً بهدف تلميع وتبييض صورة المجرم نفسه.
اما المناضل الذي ناضل وكافح واعتُقِل وعُذّب في سجون العدو الاسرائيلي ما يقارب الثلاثة عقود وبقي شامخا راسخا وسُمّي بعميد الاسرى مدافعاً عن شعب فلسطين ووهب حياته من اجل تحرير فلسطين اسمى وانبل قضية في التاريخ واستشهد بغارة اسرائيلية بسبب كفاحه ونضاله من اجل تحرير الجولان العربي من الاحتلال، فنرى انه وفي زمن ممارسة بعض الاعلام المرئي المسموم المدسوس عملية بث تقارير كاذبة ومضللة بهدف تشويه صورة المناضل القائد البطل الذي استشهد دفاعا عن الحق العربي فيصبح شبيحا وقاتلا للاطفال والمدنيين..
اضحى تبييض الاعلام الموجه مادة مسمومة دسمه لتزوير الحقائق الجلية بتخريب عقول الناس وغسلها بالسم وتغيير نمط تفكيرنا لمفاهيم الانسانية وتعطيل صحوة الضمير ومحو الوجدان والفكر من الانسان من خلال الاصرار على تشويه سيرة وصورة شهيد بطل نقيّ في نضاله كبير في مواقفه وشجاع في مواجهته للعدو الاسرائيلي سمير الشهداء اسمه سمير القنطار..
لقد بتنا في زمن الاعلام غاسل العقول بالسم..
*مستشار وباحث في الشؤون الإقليمية