ارشيف من :آراء وتحليلات
بعد فشل رهاناتهم.. ’اسرائيل’ في انتظار الرد
لم يكن الالتزام الذي أعلنه الامين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، في خطابه الاخير، حول حتمية الرد على العدو الإسرائيلي مجرد تكرار لالتزام ادلى به قبل ايام. بل شكل ايضا رداً مدروساً وهادفاً على سلسلة رسائل وتهديدات إسرائيلية خابت معه كل رهاناتهم وتقديراتهم.
بعد الكلمة المتلفزة التي القاها سماحة الامين العام لحزب الله، في اعقاب اغتيال العدو الإسرائيلي للشهيد سمير القنطار مع رفاق له في جرمانا بالقرب من دمشق، توالت مجموعة من الرسائل الإسرائيلية. منها ما صدر عن المؤسسة العسكرية عبر وسائل الاعلام يحذر فيها حزب الله من الرد على اغتيال الشهيد القنطار، وأن ذلك سيؤدي إلى رد إسرائيلي مضاد قد يؤدي إلى مواجهة واسعة. وأعقب ذلك، رسائل إسرائيلية اخرى عبر وسائل اعلام عربية، وصولا إلى الرسالة المباشرة التي وجهها وزير الامن موشيه يعلون عندما توجه إلى شخص سماحة السيد محذرا ومتوعدا.
بدا واضحا بأن هذه الرسائل التي توالت تباعا كان الهدف منها محاولة التأثير في كلمة سماحة السيد التي كانت مقررة في ذكرى اسبوع الشهيد القنطار، على أمل أن يؤدي ذلك إلى تراجع حزب الله عن قراره بالرد او أن يتحول إلى عمل شكلي.
استند هذا الرهان الإسرائيلي على مقولة أن حزب الله مشغول بمواجهة الجماعات التكفيرية وبالتالي ليس من مصلحته فتح جبهة ثانية. وأنه في حال ايقن حزب الله بأن الرد الإسرائيلي على رد حزب الله بات مؤكدا سيدفعه ذلك إلى اعادة النظر بقراره.
لكن الخيبة والصدمة الكبرى لدى قادة تل ابيب كانت شديدة نتيجة المواقف التي اطلقها سماحة الامين العام، التي لم تقتصر على تكرار تعهده بالرد، بل وجه لهم رسائل مضادة انطوت على تأصيل رد حزب الله من ضمنها أن الرد قادم "أيا تكن التبعات والتهديدات". وفي ذلك، اعلان صريح انه حتى لو ارادت إسرائيل الرد فعلا وكنا مدركين لذلك، فإن ذلك لن يغير من قرار الرد. وهكذا يكون حزب الله قد رمى الكرة في احضان القيادة الإسرائيلية وما إن كانوا يختزنون قرارات مسبقة بالدفع نحو خيارات دراماتيكية على مستوى المنطقة، وهو أمر مستبعد ابتداء.
ولدى التدقيق في الرسائل الإسرائيلية يتضح ان الإسرائيلي أراد وضع حزب الله بين خيارين، اما تلقي الضربات واما تلقي الضربات. الاولى بدون ردود من قبل حزب الله، مع ما قد ينطوي على ذلك من فرض معادلات جديدة تتصل بحركة الصراع في سوريا بل ولاحقا على مستوى لبنان. والثانية، مع ردود من حزب الله، أوحى الإسرائيلي أنه سيقابلها بردود مضادة تؤدي إلى نشوب جولة من القتال..
وضمن هذا الاطار يأتي ما أورده سماحة الامين العام نحن لا نستطيع ولا يمكن أن نتسامح مع سفك دماء مجاهدينا وإخواننا من قبل الصهاينة في أي مكان في هذا العالم". وهو ما يعني – من ضمن أمور أخرى – أن حزب الله لا يستطيع ان يتجاوز مسؤولياته من ناحية اخلاقية ومعنوية ازاء الشهداء الذين تستهدفهم إسرائيل. وثانيا، إن ترك إسرائيل دون عقاب يعني اطلاق العنان لاعتداءاتها التي ستأخذ بالضرورة مسارات تصاعديا. واما بخصوص التقديرات التي انطلق منها العدو لفت السيد نصر الله إلى أنه "في حال كان هناك أحد أخطأ بالتقدير أو يخطئ بالتقدير هو الإسرائيلي وليس نحن".
وهكذا تحوّل الخطاب الأخير (في ذكرى اسبوع الشهيد القنطار) إلى محطة فاصلة في قراءة العدو وفهمه لخيار حزب الله وهو ما يفسر مسارعة رئيس اركان جيش العدو غادي ايزنكوت ورئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو للرد بشكل ضمني على سماحته، في خطوة شكلت إقراراً بأن اسرائيل دخلت مرحلة انتظار رد حزب الله، لكنه انتظار القلقين والمتوترين.