ارشيف من :آراء وتحليلات
الخلفية الجيوستراتيجية للتدخل العسكري الروسي في سوريا (4/4)
استنادا لما ذكرناه سابقا، فانه توجد ثلاث دول في العالم هي اميركا وتركيا وإسرائيل، تقوم على اغتصاب أراضي الغير وابادة وتشريد السكان الأصليين، ويعتبر وجودها لطخة عار في جبين الإنسانية. ولكن روسيا، تفضل إيجاد "حل انساني" لا حل "نووي" لمشكلة هذه الدول، حل يقوم على تفكيكها والغائها كدول، وليس على إبادة شعوبها.
لذلك أبدت القيادة الروسية تجاه ما حيك ضدها مستوى رفيعا من ضبط النفس وعدم الانجرار الى اتخاذ مواقف انفعالية كما يريد الأعداء. فمثلا المتتبع للاحداث الروسية ـ التركية يمكنه الاستنتاج بأن الروس قرروا الانتقام بتأن من السلطان الجائر رجب الطيب اردوغان، وأولى خطوات هذا الانتقام تمظهر بثوب خنق الإنتاج والاقتصاد التركي برمته.
ثانيا، ان معظم ممرات مضائق الدردنيل والبوسفور والقرن الذهبي ومرافئها ستسير نحو الإفلاس التام، لان الغواصات والسفن والزوارق الحربية، وكذلك الطائرات والهليكوبترات الحربية، الروسية، ستحول بحر ايجه الى "ملعب" دائم لها، وستسد كل منافذ مضائق الدردنيل والبوسفور.
ثالثا، ان الحركة العسكرية واللوجستية والتجارية والسكانية العادية بين تركيا وشمال قبرص لن تعود حرة، لان الغواصات والسفن الحربية الروسية ستتواجد باستمرار من الان في هذا القطاع وهي لا تكن مشاعر محايدة حيال الاتراك.
رابعا، لقد ابادت تركيا العثمانية حوالى مليون ونصف مليون ارمني واستولت على أراضيهم التاريخية وشردت ملايين أخرى فما هو المانع من أن تمد روسيا الجمهورية الأرمنية بصفقة أسلحة ضخمة وان تدعو جمهورية أرمينيا ملايين شبانها للتدرب وحمل السلاح باشراف المدربين الروس، ومطالبة تركيا بإعادة الأراضي الأرمنية التاريخية.
خامسا، بفضل هيمنة اليمين الموالي للغرب على اليونان انتهج الاتحاد الأوروبي والناتو وأميركا خصوصا سياسة عزل واضعاف وافقار واذلال اليونان، مقابل سياسة تقوية تركيا لكن اليوم وبعد وصول اليسار الى السلطة في اليونان، انعكست الآية، وصارت اليونان قنبلة موقوتة لا نعلم متى تنفجر.
يشار إلى ان الاف العائلات اليونانية وكالفلسطينيين تماما، لا تزال تحتفظ بمفاتيح بيوتها القديمة في إسطنبول (القسطنطينية) وازمير (سميرنه).
وعليه، فان القيادة الروسية غير مستعجلة لحسم المعركة في سوريا، وذلك لانها تدرك ـ وبالوقائع وآخرها اسقاط الطائرة المدنية الروسية في سيناء، ثم اسقاط تركيا لطائرة "سو 24" وكشف وافشال اكثر من 30 محاولة القيام بعمليات إرهابية في روسيا عام 2015 ـ ان الحرب السورية هي مقدمة وجزء لا يتجزأ من مؤامرة التحضير لحرب عالمية .
كما أن القيادة الروسية تنتهج تكتيكات التصعيد التدريجي على خلاف ما يحاول البعض ترويجه بأن الميزانية الروسية لن تصمد أمام حرب طويلة ولن تتوسع في مهماتها في سوريا، وما ضرب روسيا بالصواريخ الموجهة لداعش من بحر قزوين إلا دليل واضح على أنها لن تسمح بظهور أي بؤرة داعشية على أراضيها.
كذلك، فانه بعد استرداد شبه جزيرة القرم لروسيا، والموت السريري البطيء لما تبقى من أوكرانيا بعد انفصال منطقة الدونباس، فإن البحر الأسود اصبح عمليا بالكامل تحت السيطرة الروسية. والغواصات والسفن الحربية التركية والناتوية في تركيا وأوكرانيا ورومانيا وبلغاريا تعرف تماما انها "رهائن" لا اكثر في قبضة البحرية الروسية.
وفي الخلاصة، فان موسكو لن تتهاون بعد اليوم مع كل من يحاول النيل منها ومن حلفائها، فلذلك اذا كانت روسيا تلتزم بعدم استخدام الأسلحة النووية او أسلحة الدمار الشامل ضد المنظمات الإرهابية وداعميها فهذا الالتزام لا ينبع عن خوف من احد، بل ينبع من التزاماتها الأخلاقية فقط ليس غير.