ارشيف من :آراء وتحليلات
عن حزب الله والاخلاق والسياسة..
كان لافتا اعلان رئيس المجلس السياسي لحزب الله السيد ابراهيم امين السيد عن استناد الحزب في مواقفه السياسية على عامل الاخلاق وليس الكذب والمراوغة . يأتي التصريح في بلد قامت كل السياسة فيه منذ سنوات طويلة على الكذب والخداع وصولا الى حد النفاق . يكذب معظم السياسيين في لبنان على بعضهم وعلى الجمهور وعلى انفسهم . يقولون ما لا يفعلون ويعلنون غير ما يضمرون وينقلون الولاءات كما البندقية من كتف الى كتف .
لعل وثائق ويكيليكس المسربة كشفت الكثير في هذا الاطار . ومما لا شك فيه ان حزب الله شكل حالة مغايرة منذ تأسيسه . اعتمد الحزب على الصدق فبنى صدقيته واستند في كثير من المواقف والمحطات على القيم الاخلاقية واثبت ان المصلحة السياسية والعامة وليس الشخصية والخاصة يمكن أن تتحقق في ظل الحرص الشديد على الضوابط الاخلاقية والقيمية .
حالة القطيعة بين الاخلاق والسياسة والتي يشكل حزب الله استثناء لها لا تنحصر في لبنان فقط .يعتبر لبنان نموذجا مصغرا لحالة الاخ الاكبرالغربي . السياسيون اللبنانيون (الكذابون ) هم صورة عن الاصل الموجود في الغرب .لم يكن الامر في الدول الغربية مجرد عرف تكرس عن طريق التكرار . الامر اكثر تعقيداً . لقد نظَّر الكثير من فلاسفة الغرب لهذه القطيعة . لم يعتبر احد منهم ان الصدق من فضائل السياسة . الفيلسوف البريطاني توماس هوبز لا يتردد في اعتبار ان "الكذب في وسعه ان يكون مفيدا جدا في اعداد شروط البحث عن الحقيقة " . في نفس السياق تقول الكاتبة الشهيرة حنا ارندت في دراسة نقدية شهيرة لها بعنوان " الحقيقة والسياسة " ان الاكاذيب اعتبرت على الدوام ادوات ضرورية ومشروعة ليس لحرفة السياسي الداهية والديماغوجي وحسب بل لحرفة القائد السياسي المحترم ايضا ". حفلت التجربة السياسية الغربية بشقيها الاوروبي والاميركي بما يؤكد مقولة ارندت . استخدم الزعماء السياسيون ومن خلفهم المؤسسات والانساق الحاكمة الكذب كأداة فاعلة واساسية في ترسانة الفعل السياسي. لقد تحول اسلوب الكذب والخداع الى جزء من ايديولوجية مبنية على اساس فكري . كذبة السلاح الكيميائي في العراق لا تزال ماثلة في الاذهان . كذبة اميركية غيرت مجرى التاريخ ودمرت اوطان وقضت على حياة ملايين الابرياء .
قبلها كذب الاميركيون فيما له علاقة بحادثة خليج تونكين التي شكلت محطة مفصلية في المواجهة بين الولايات المتحدة الاميركية وفييتنام الشمالية . انتظر العالم حتى العام 2005 لتفرج وكالة الامن القومي الاميركي عن دراسة تاريخية تؤكد انه لم تكن هناك اي سفن بحرية فيتنامية شمالية متواجدة في الخليج المذكور . ما يعني ان الاميركيين لفقوا حادثة ادعوا فيها كذبا وزورا ان زوارق فييتنامية بدأت باطلاق النار على السفن البحرية الاميركية . كذب الاميركيون ايضا على شعبهم عندما خاضوا حرب النجوم وسباق التسلح بعدما اقنعوا الراي العام بان الاتحاد السوفياتي يزداد تهديده للامن القومي الاميركي في حين ان التقارير الاستخباراتية التي كانت تصل الى طاولات اصحاب القرار الاميركي كانت تؤكدان الاتحاد السوفياتي على فراش الموت . يستمر الكذب دون اي حدود يذهب المفكرون الغربيون الى حد الكلام عن استحالة انتصار الصدق والحقيقة . توصف ارندت هذا الوضع بقولها ان " حظوظ الحقيقة في البقاء والصمود في وجه سطوة السلطة ضئيلة جدا، ان الحقيقة عرضة لخطر التلاعب بل لتنحيتها من العالم " . كل التاريخ الغربي الحديث على الاقل قائم على الكذب المنظم الذي اصبح سلاحا فتاكا في الفضاء العمومي . لاجل ذلك لم يجد الغرب حرجا في الكذب في قضية الكيان الصهيوني . دون خجل تم تحويل كيان ارهابي قائم على القتل المتوحش والاحتلال الى واحة للديمقراطية وشنت حروب استعمارية للسيطرة على الثروات وضمان المصالح تحت شعار نشر الديمقراطية .
في لبنان الصورة مصغرة . نظرة سريعة على مرحلة ما بعد الحرب الاهلية تظهر مجالات كذب السياسين اللبنانيين. التلاميذ النجباء للحضارة الغربية كذبوا في علاقتهم بسوريا وبرفيق الحريري وفي علاقاتهم فيما بينهم وفي تحالفاتهم وخصومهم . اما في كيفية تكوينهم لثرواتهم فحدث ولا حرج. وحده حزب الله ومعه قلة قليلة غردوا خارج السرب . في كثير من المحطات السياسية في تاريخ الحزب كان للعنصر الاخلاقي حضوره الكبير والمرجح للموقف المتخذ والقرار الصادر .بهذه الروحية كان قرار الحلف الرباعي والاصرار على توزير احد الحلفاء ولو على حساب حصة الطائفة وقرار الحوار مع المستقبل والقبول باتفاق الدوحة في لحظة الانتصار وغيرها الكثير من المحطات التي لا يسمح المجال بتعدادها . العنصر الاخلاقي كان ولا يزال حاضرا في الصراع مع العدو الصهيوني وفي ادارة الخلاف مع الخصم او في الوفاء للاصدقاء والحلفاء، وكأن قدر هذه المجموعة في هذا الوطن الصغير ان تخوض معارك الاخلاق والقيم بالتوازي مع معارك الحق ومواجهة العدوان .