ارشيف من :أخبار عالمية

آل سعود... والنار التي اندلعت منذ مائتي عام

آل سعود... والنار التي اندلعت منذ مائتي عام

يروي اليكسي فاسيلييف كاتب أحد أهم الكتب حول آل سعود رواية قديمة وردت في عدد من  "مجلة المنوعات الادبية " الروسية الصادر في العام 1805. تقول الرواية ان سليمان وهو جد محمد بن عبد الوهاب مؤسس المذهب الوهابي رأى في المنام ان لهبا اندلع من بدنه وانتشر في البراري على مسافات بعيدة ملتهما في طريقه الخيام في البوادي والمنازل في المدن.

ويتضح من المحطات التاريخية الكثيرة التي يوردها الكاتب الروسي في كتابه " تاريخ العربية السعودية من القرن الثامن عشر حتى نهاية القرن العشرين" ان كل التاريخ المشترك بين الوهابية وآل سعود كان عبارة عن نار ودمار ونهب وابادة وتخلف. لم يختلف الوضع بتاتا في القرن الواحد والعشرين. يستمر ابناء العائلة نفسها بتكرار الممارسات نفسها دون اي رادع او وازع  وفي هذا السياق يأتي قرار اعدام الشيخ نمر باقر النمر .

تظهر الاطلالة على مراحل التأسيس الاولى لدولة ال سعود اعتمادهم الصارم على القتل وسفك الدماء دون الالتفات للعواقب والمحاذير . يلاحظ ايضا ان هذا الامر ترافق منذ القرن السابع عشر ، تاريخ السيطرة السعودية على الجزيرة العربية، مع ميول للحصول على الثروة الى حد البطر. لم يتردد ال سعود لاجل الحصول على الغنائم والمال  في ارتكاب اسوأ الموبقات.

آل سعود... والنار التي اندلعت منذ مائتي عامآل سعود... والنار التي اندلعت منذ مائتي عام

اثناء الغزوات التحضيرية لقيام الدولة السعودية الاولى يكتب فاسيلييف عن خريف 1793 عندما توجه سعود مع قوات كبيرة الى الاحساء. هناك نهبت قواته البدوية ما صادفته في طريقها وقتلت دون رحمة كل من ابدى مقاومة ودمرت بساتين النخيل واستأثرت بمحاصيل التمور ورعت الماشية في الحقول ... يصف الكاتب ما جرى فيشير الى ان ال سعود استخدموا بنادقهم دفعة واحدة "فأظلمت السماء وارجفت الارض وتأرجح الدخان في الجو واجهضت الكثيرات من النساءالحوامل في الاحساء. وصار سعود يقتل ويأخذ الاموال ويهدم في المحال. اما حال الرجال في الاحساء " فهذا مقتول وهذا يخرجونه الى الخيام وتضرب عنقه. حتى افناهم سعود الا قليلا"  .

حادثة اخرى ينقلها الكاتب الروسي عن عدد كبير من المؤرخين الاجانب الذين واكبوا تلك المرحلة وهي التي حصلت في كربلاء عام 1802 . يختار فاسيلييف  ما كتبه المستشرق الفرنسي أ.دريو عن هذه الحادثة : " رأينا مؤخرا في المصير الرهيب الذي كان من نصيب ضريح الامام الحسين مثالا مرعبا على قساوة تعصب الوهابيين . فمن المعروف ان هذه المدينة قد تجمعت فيها ثروات لا تعد ولا تحصى . لانه كانت تتوارد على ضريح الحسين طوال عدة قرون هدايا من الفضة والذهب والاحجار الكريمة وعدد كبير من التحف النادرة ...".

ها هي الثروات الهائلة التي تجمعت في الضريح تثير شهية الوهابيين وجشعهم منذ امد طويل . فقد كانوا دوما يحلمون بنهب هذه المدينة ... واخيرا ها قد حل هذا اليوم 20 نيسان 1802 . فقد هجم 12 الف وهابي فجأة على ضريح الامام الحسين . وبعد ان استولوا على الغنائم الهائلة ، تركوا كل ما تبقى للنار والسيف ... وهلك العجزة والاطفال والنساء جميعا بسيوف هؤلاء البرابرة . لقد كانت قساوتهم لا تشبع ولا ترتوي فلم يتوقفوا عن القتل حتى سالت الدماء انهارا ... وبنتيجة هذه الكارثة الدموية هلك اكثر من اربعة الاف شخص ... ونقل الوهابيون ما نهبوه على اكثر من اربعة الاف جمل .

لم يكتف الوهابيون بما اقترفوه . يتابع التقرير انهم بعد النهب والقتل دمروا ضريح الامام وحطموا المنائر والقباب .

مصير مكة لم يكن افضل من مصير كربلاء . يورد الكتاب  في سياق كلامه عن غزوات ال سعود في تلك المرحلة انه في نيسان 1803  "دخل الوهابيون  مكة واخذوا يدمرون كل الاضرحة والمزارات ذات القباب والتي انشئت تكريما لابطال فجر الاسلام ومسحوا عن وجه الارض كل المباني التي لا تناسب معتقداتهم" .
في تلك المرحلة ايضا بدأ الهجوم على الحجاز. وقد استولى ال سعود  بدون قتال على مدينة الطائف الا انهم  ابوا الا ان يقتلوا دون رحمة نحو 200 من السكان ودمروا ونهبوا واتلفوا الكتب .

اما عن محطات النهب التي لا تنتهي فنكتفي بايراد ما رواه الكاتب عن قاعدة اعتمدها ال سعود لاشباع ميلهم للسطو على الثروات والممتلكات . النهب الوهابي كان يسفر عن تجريد القبائل المستضعفة ليس فقط من المنتوج الزائد بل كذلك من قسم كبير من المنتوج الضروري وغالبا ما كان يحكم على السواد الاعظم من السكان المنهوبين بالموت جوعا. يشير الكاتب ايضا  الى ظاهرة الاستيلاء على الملكية العقارية في الاماكن التي كانوا يحتلونها . لقد انتزع السعوديون الاراضي من الفلاحين وحولوهم الى مستأجرين كما استولوا على مساكن وبساتين اهل الواحات حتى ان مدينة مثل الرياض لم تسلم الممتلكات فيها من المصادرة. يشير الكاتب في فصل خصصه للحديث عن هذه الظاهرة الى ان عبد العزيز " عندما احتل الرياض ملك بيوتها ونخيلها . مساكن اهل الرياض غدت ملكا لعبد العزيز".

يتضح من العرض التفصيلي الذي يقدمه الكتاب لمختلف مراحل تطور سلطة ال سعود ان هذه الذهنية لم تغادر ال سعود حتى بعد مرور مئتي عام على تلك الاحداث . والسبب ببساطة ان العقيدة المؤسسة لهذا السلوك لم تتغير . انها العقيدة التي تحدث عنها فاسيلييف في فصل بعنوان "التعصب والجهاد" .  يظهر البحث الذي اجراه الكاتب حول العقيدة الوهابية "ان الوهابيين كانوا يعتبرون جميع المسلمين المعاصرين لهم والذين لا يؤمنون بتعاليمهم اكثر شركا من الجاهليين في الجزيرة العربية" . ومن معتقداتهم ايضا  "ان جميع الذين سمعوا دعوتهم ولم يتبعوها كفرة" . لأجل ذلك كانوا دائما يصورون خصومهم "كخدمة للشيطان وعبدة للاوثان والمشركين".

بعد مرور اكثر من مئتي عام على انطلاقة هذه العقائد والممارسات لم يتغير ال سعود. يظهر سلوكهم المستمر اصرارهم على اشعال  النيران وايقادها وعلى سفك الدماء والايغال فيها . الذي قتل الابرياء في كربلاء والاحساء ومكة هو نفسه من اعدم الشيخ النمر . انها نفس العقائد ونفس الممارسات . انها النيران التي اندلعت من تحالف خبيث بين ابن عبد الوهاب وابن سعود والتهمت خيرات هذه الامة وتركت خرابا ودمارا. وقد جاءت دماء الشيخ النمر لتعلن انه آن الاوان لاطفاء النيران .

2016-01-04