ارشيف من :آراء وتحليلات

عن التواطؤ الاميركي - التركي في حماية ’داعش’

عن التواطؤ الاميركي - التركي في حماية ’داعش’

في أواخر العام 2015 وحسب صحيفة  " جمهورييت " التركية، وفي خطوة لافتة بمدلولاتها، عمد المحلل السياسي بوكالة المخابرات الاميركية (سي اي ايه) جيمس جاتراس الى وضع اعلان على الصفحة الرسمية لموقع البيت الابيض الاميركي بعنوان "تركيا برئاسة اردوغان دولة داعمة للارهاب"، وطالب بجمع 100 الف توقيع لهذا الاعلان عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية، وفي اول يوم من نشره، حصل الاعلان على 600 توقيع ليختفي بعدها عن الصفحة الرسمية وعن المواقع الالكترونية الاخرى، ويمتنع احد عن نشر نتائجه التي ظهرت قبل اخفائه.


هذه الواقعة من عشرات الوقائع حول غض نظر الادارة الاميركية عن الملاحظات والاتهامات والمعطيات داخل أروقة البيت الابيض وخارجه وعلى امتداد العالم حول التورط الكامل للحكومة التركية بكامل اجهزتها الديبلوماسية والعسكرية والامنية في دعم الارهاب بشكل عام وداعش بشكل خاص، تشكل ادانة واضحة لتورط الادارة الاميركية في دعم الارهاب الذي تدعي انها تحاربه وانها قد شكلت تحالفا دوليًّا واسعا لمحاربته بتمويل خليجي مخيف بدأت مفاعيله تظهر في العجز الهائل في موازنات تلك الدول وخاصة لدى السعودية.

عن التواطؤ الاميركي - التركي في حماية ’داعش’


هذا في الديبلوماسية والسياسة الدولية لكل من الولايات المتحدة الاميركية وتركيا، فماذا عن الوقائع الميدانية على الارض في كل من سوريا والعراق؟


في سوريا لا يلزم المراقب كثيرا ليكتشف تواطؤ تركيا في دعم داعش من خلال ضغوطات الجيش التركي على وحدات حماية الشعب الكردي وعلى وحدات سوريا الديمقراطية في مواجهة هؤلاء لداعش في كل مناطق الحسكة وعلى امتداد الحدود مع تركيا وصولا الى عين عيسى ومحيطها وفي ريف الرقة الشمالي او في شرق وشمال شرق حلب حول سد تشرين على الفرات، او في مدن الباب ومنبج ومحيطهما لجهة الشمال، وهذه الضغوطات من قبل الجيش التركي على هذه الوحدات الكردية او المختلطة من مجموعات سورية متحالفة معها ضد داعش تترجم على الارض من خلال فتح معابر وطرق حيوية لداعش في النقاط والاوقات التي تكون حساسة لمعركته مع الوحدات المذكورة، ومن خلال تنفيذ ضربات جوية على تلك الوحدات الكردية السورية عن طريق الخطأ، والتي تتزايد في النقاط القريبة او المواجهة لوحدات داعش على الارض، وتترافق مع إدعاءآت كاذبة  كما جرت العادة حول تنفيذ ضربات جوية على مواقع لداعش من ضمن ضربات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الاميركية؛ يتبين بعدها انها تستهدف اماكن ومناطق خالية من اي تواجد لوحدات التنظيم الارهابي او تكون بعيدة عن المواقع المهمة له.
في العراق، تلعب الطائرات بدون طيار والتي تؤمنها تركيا لمجموعات داعش دورا حاسما في رصد تحركات الجيش العراقي ووحدات الحشد الشعبي على كامل الجبهات المشتركة مع التنظيم الارهابي المذكور، والتي اثبتت الوقائع الميدانية ان معلوماتها تكون دقيقة للتنظيم وتؤدي الى تنفيذ عمليات انتحارية حاسمة وصاعقة على وحدات الجيش العراقي والحشد الشعبي.


ومن ناحية أخرى يأتي التواجد العسكري التركي في بعشيقة في ضاحية الموصل الشرقية من خلال فوج مدرعات معزز حيث يشكل وحدة استطلاع متطورة مجهزة، بالاضافة للدبابات الحديثة، باجهزة مراقبة وتنصت، تتخطى مهمتها وحسب قدراتها التكنولوجية، مهمة تدريب بسيطة لمجندين عراقيين، تبعا لادعاء الاتراك،  الى مهمة رصد وانذار واستعلام كامل لتحركات الجيش العراقي والحشد الشعبي من جنوب الموصل ولتحركات الوحدات الكردية من شرق او شمال شرق الموصل ايضا، سيما وان بقعة التمركز هذه في بعشيقة تشكل نقطة استراتيجية تمسك المحاور الاساسية من اتجاه اربيل او من اتجاه كركوك شرقا وجنوب شرق وتمسك ايضا المحاور الاساسية من اتجاه الجنوب، وما الادعاءات التي ساقها اردوغان مؤخرا عن تعرض هذه القوة التركية للهجوم من قبل داعش والتي كذبتها الحكومة العراقية بشكل رسمي، الا للتاكيد على الاهداف الحقيقية لهذا التواجد التركي الحساس عسكريا واستراتيجيا .


هذا من ناحية الاتراك؛ اما من ناحية الوحدات الاميركية، فلا يمكن لاي محلل عسكري او استراتيجي ان يستوعب معنى ان تنفذ هذه الوحدات المذكورة عمليات خاصة في الرقة ودير الزور في سوريا، وفي الحويجة غرب الموصل او في شرق الفلوجة في العراق دون ربطها بعلاقة غريبة مع التنظيم، وحيث ان هذه العمليات تكون لتصفية او لخطف عناصر من داعش يتبين لاحقا ان لهؤلاء علاقة باموال نفطية مع تركيا او مع شركات بترول اجنبية، او بصفقات اسلحة مع مافيات دولية، او أنهم على علاقة بمستندات حساسة تحاول الوحدات الاميركية دائما اعطاءها الاهمية القصوى للحصول عليها كاملة خلال هذه العمليات ، وهذه الاخيرة والتي تستهدف منازل واماكن تواجد هؤلاء الاشخاص بشكل دقيق تحدث بناء لمعلومات استندت على مخبرين موثوقين وعلى صور جوية من الطائرات الخفية ومن اجهزة الرصد الاميركية المتطورة، لنجد في الوقت نفسه ان هذه الاجهزة المتطورة والطائرات الخفية تعجز عن رصد قوافل الآليات التابعة لداعش والتي تنتقل بين الرقة ودير الزور وتدمر في سوريا في الاراضي الصحراوية المكشوفة، وبين الموصل والرمادي والفلوجة وكامل مناطق صحراء الانبار في العراق وغيرها.


واخيرا... هل سيبقى العالم بشكل عام، واوروبا بشكل خاص، والتي بدأت تدفع فاتورة غالية جدا من دماء ابنائها، تغض النظر عن هذا التواطؤ الفاضح من قبل الولايات المتحدة الاميركية وتركيا في دعم داعش وفي ابقائه قوة فاعلة لاستنزاف العرب والمسلمين في سبيل ابتزازهم ماديا وفي سبيل اضعافهم والامعان في شرذمتهم؟

2016-01-13