ارشيف من :آراء وتحليلات
المدارس المتطرفة في باكستان.. والحل
"اتخاذ الإجراءات اللازمة ضد المدارس المتطرفة"، بند صريح من بنود خطة الأمن الوطنية، التي اتفقت عليها كافة الأحزاب السياسية في باكستان، عقب المجزرة التي ارتكبتها حركة طالبان باكستان في مدرسة تابعة للجيش بمدينة بيشاور قبل عام، ووفق هذا البند تم بالفعل إغلاق عدد من المدارس المتطرفة، آخرها إغلاق مئة وتسعين مدرسة في مختلف أرجاء باكستان، كان لإقليم البنجاب حصة الأسد منها، بمئة وسبع وأربعين مدرسة.
كانت المدارس الدينية في باكستان، في وقت ليس ببعيد، من الخطوط الحمراء، من غير المسموح تجاوزها، إلى أن تحوَّل عدد كبير منها من دينية إلى متطرفة تكفيرية، ما جعل الأصوات في الأوساط الباكستانية تتعالى ضدها، غير أن الحكومات التي توالت في البلاد لم تكن مهتمة - إن صح التعبير - لشأن هذه المدارس، إلى أن قام الرئيس الباكستاني السابق الفريق برويز مشرف بعملية أمنية في المسجد الأحمر والمدرسة التابعة لها في العاصمة إسلام آباد، ليتبين للجميع حقيقة المدارس الراعية للإرهاب والفكر السلفي، وأصدر مشرف أوامره بالتحقيق في شأن المدارس الدينية في البلاد بلا تفرقة.
مفتاح الحل بيد الحكومة
لكن وللأسف لم تلق أوامر مشرف آذانا صاغية، واستمرت معظم المدارس بأعمالها المشبوهة متسترة بالدين؛ حيث يرى محمد حيدر رئيس الحركة الإسلامية النورانية، أن التحقيق في شأن المدارس المتشددة واتخاذ إجراءات ضدها في باكستان ليس بالأمر السهل، فهذه المدارس تحظى بدعم وتمويل خارجي معظمه من دول الخليج، وهذه الدول بشكل أو آخر تقف حائلا دون تنفيذ الإجراءات.
إلا أن حيدر أضاف في الوقت نفسه أن الدعم لا يقتصر على الخارجي فقط، بل هناك أيضا دعم داخلي لامحدودٌ من قبل شخصيات دينية وسياسية بارزة، لها نفوذ في أروقة الحكومة، بل إن عددًا منهم يشكل مكوِّنًا من الحكومة نفسها، و خصوصا في إقليم البنجاب. وأكد حيدر أن سبب ارتفاع أعداد المدارس التي تم إغلاقها مؤخرا في إقليم البنجاب عن غيره من الأقاليم الأخرى ، يكمن في الدعم السياسي و اللوجستي الذي تحظى به هذه المدارس في البنجاب من قبل تلك الشخصيات .
إغلاق مئة وتسعين مدرسة متطرفة، حسب كثيرين، ليس شيئًا أمام تلك الألاف التي لاتزال تمارس أعمالها، وتنشر أفكارها المتطرفة، وما يزيد الطين بلة بحسب قولهم، أن المدارس الأم، التي تدير شبكة المدارس المتطرفة في البلاد، لم يمسسها سوء، تلك المدارس المنتشرة في العديد من المدن الباكستانية، لا يقلقها شيء، و ذكرون الملا عبد العزيز كمثال على ذلك، فالمدعو هو الإمام الحالي للمسجد الأحمر ومدير المدارس التابعة له، وعلى الرغم من صدور مذكرة توقيف في حقه لايزال طليقا حرا يمارس أعماله، مستخفا بالسلطات، مع العلم بأنه من مؤيدي مجزرة بيشاور.
هدف اسئصال الإرهاب، الذي اتفقت عليه كافة القوى السياسية في البلاد، ليس سهلا؛ خاصة وأن بعض الشخصيات لاتزال تدعم وترعى المدارس المتطرفة، ولا بدَّ للحكومة أن تنتفض ضدهم قبل أن تطال أيديها مدارسهم، وهذا أيضا يعود إلى الدعم والتمويل الخارجي، فالوضع الداخلي أولى من الخارجي، وإيجاد حل للأول سيفضي إلى حل للثاني، وهذا سيؤدي في نهاية المطاف إلى توجيه ضربة مؤثرة في المدارس المتطرفة، كل ما في الأمر هو أن الحكومة يجب ان تتخذ قرارات جريئة غير مسبوقة في هذا الصدد.