ارشيف من :آراء وتحليلات

بين تبشير اوباما ونذير المرشد

بين تبشير اوباما ونذير المرشد

بعض المقاطع والجُمل التي تضمنها خطاب الامة للرئيس الامريكي باراك اوباما امام الكونغرس الامريكي تستوجب القراءة المتأنية والتأمل ملياً والتفسير الدقيق لمضمون تلك المقاطع لأنها تختصر المشهد في منطقتنا العربية حاضرا ومستقبلا.

ومما قالة الرئيس الامريكي: إن واشنطن لا يمكنها أن تحاول أخذ زمام الأمور وإعادة بناء كل دولة تقع في أزمة... إن الشرق الاوسط يعيش نزاعات صعبة ستمتد الى عقود من الزمن ويجب على حلفائنا في المنطقة الاعتماد على انفسهم.
 
هذا القول لرئيس دولة كبرى مثل امريكا التي احتكرت القرار وامسكت بملفات المنطقة السياسية والاقتصادية والعسكرية، متحكمة حتى بأسعار نفطنا لنهب ثرواتنا وأعدمت رؤساء وشاركت بإقالة رؤساء دول وأمرت بضرب اكبر جيوش البلاد العربية وأمعنت في صلفها لمدة تزيد عن ربع قرن وتحت عناوين مختلفة؛ منها تحقيق الديمقراطية، ومنها تحقيق حقوق الانسان، ومنها بناء الدولة المدنية، وما استطاعت ان تحقق شيئًا من تلك الشعارات الا شعارًا واحدًا والسعي لبناء شرق اوسط جديد بواسطة الفوضى الخلاقة دون حسيب او رقيب لتعلن على لسان رئيسها اوباما انها تخلت عن كل الشعارات المزيفة بعد ان استطاعت تحقيق المبتغى، اي الاقتتال لعقود وسط فوضى خلاقة.

بين تبشير اوباما ونذير المرشد

وما تم عرضة يقودنا الى الاستنتاج ان الولايات المتحدة لم تكن في يوم تمتلك أية خطة استراتيجية لمواجهة هذا الواقع الخطير في منطقتنا بل أسهمت في اغراقنا بالاقتتال والفوضى. هذا يعني انسداد افق حل الأزمات القائمة في منطقتنا اقلة بالمدى المنظور، بل هي مرشحة إلى المزيد من التصعيد خصوصاً بعد تفاقم الخلافات الإيرانية السعودية، التي لا تصب في مصلحة الجهود المبذولة لايجاد حلول سلمية في كل من العراق وسوريا واليمن وليبيا وحتى لبنان.
 
كما يقودنا هذا الاستنتاج الى أن الرئيس الأميركي اوباما بات مبشرا بحروب طويلة في منطقتنا، ستستمر ردحا من الزمن وان الخرائط والحدود الجديدة ستتغير بالاضافة الى بروز نظام عالمي جديد سيولد على فتات وأنقاض هذة المنطقة، لكن بعد سقوط المزيد من الضحايا وتدمير مقدرات بلادنا العربية على نحو أكبر واوسع.
 
عليه، نقول لمن عوّل على امريكا ولمَّا يزل: لقد نجحت امريكا واسرائيل في زرع الفوضى ذات اللبوس الطائفي، المذهبي، الاثني، العرقي، في بلادنا العربية وفي المنطقة برمتها لان التبشير من المبشر اوباما يقرّ بانها ستدوم لعقود قادمة.
 
كما أننا أمام مشاهد دامية غير مألوفة في المنطقة وبلاد عربية كانت داعمة لذلك الارهاب الذي فتك بمنطقتنا، لان تلك البلدان التي دعمت ومولت الارهاب اعتقدت انها بحماية المظلة الامريكية وانها ستبقى بمنأى عن الارهاب المدعوم بعد ان صار ارهابا عالمياً واسقط كل المحرمات متجاوزا كل الحدود التي كانت مرسومة له..

وستظهر خرائط جديدة للمنطقة، ستنهار حدود بلدان لترتسم حدود جديدة، وسيسقط حكام ليظهر حكام جدد، وذلك نتيجة للنزاعات والغزوات المرتقبة او نتيجة للحروب العبثية التي تدور رحاها فيما بيننا نحن اهل المنطقة.
 
 وما يعزز هذة الرؤية كلام صدر عن المرشد الاعلى في ايران السيد علي الخامنئي في سياق كلمة ألقاها في ختام مؤتمر الوحدة الاسلامية الذي عُقد في طهران مؤخرا. ومما جاء في كلمتة "مذ طرحت قضية الشيعة والسنة في أدبيات الساسة والمسؤولين الأمريكان، شعرت بالخوف والقلق إذ ادركت أنهم يسعون لمؤامرة جديدة ستكون أخطر من السابق".
 
ان مثل هذا الكلام الصادر عن رجل عُرف عنه الدقة بالتعبير وانتقاء الكلمات، كما وُصف بصلابة الموقف وامتلاكه نظرة ثاقبة ورؤية استراتيجية للامور يعتبر بمثابة نذير جدي بخطورة ما يحاك ضد امتنا وهذا يستدعي منا الدفع باتجاه بذل المزيد من التنبُّه والتبصر لما هو آتِ الينا لان الخوف عندما ينتاب رجلا بمواصفات السيد الخامنئي، خصوصا لما اشار اليه من استعمال المفردات والجمل التي تثير النعرات المذهبية بين سني وشيعي من قبل اعداء الامتين العربية والاسلامية هذا يعني أنه يجب توقع اي شيء وان نخاف من اي شيء خصوصاً من الفتنة المذهبية.

ها نحن نجد انفسنا بين تبشير اوباما بحرب تمتد لعقود قادمه وبين نذير المرشد  السيد علي الخامنئي بان مخطط الفتنه لم ينته بعد والقادم من الايام مخيف. الفوضى ثوب لبسته اوطاننا دون وجود امكانية لخلعه في المدى المنظور والفتنة المذهبية شوكة زرعت ونبتت، فهل من سبيل لكسر شوكة الفتنة؟.. وجب علينا ايجاد السبل لاقتلاع شوكة الفتنة كيلا تنمو وتضيع منا بوصلة فلسطين.

وفي المحصلة، فإن الصمود والوعي ومحاربة الفتنة بكل الوسائل المتاحة هو السبيل الوحيد لكسر شوكة الفتنة المذهبية، ولاجل  القضاء على اطماع اعداء الامة العربية وليس من اجلنا فقط لكن من اجل حماية أجيال قادمة واعدة بتصحيح البوصلة نحو فلسطين...


*مستشار وباحث في الشؤون الإقليمية

2016-01-17