ارشيف من :آراء وتحليلات
المنطقة بين السياسات السعودية الفضائحية وسياسات التحرر الإيرانية
هناك واقعة ثابتة في السياسة الإيرانية، هي السعي من أجل إقامة علاقات تعاون واسعة النطاق مع بلدان الخليج. لكن ذلك يقابله من الجانب الخليجي تصعيد دائم في العدوانية وتعزيز مستمر للعلاقات مع الغرب الإمبريالي والكيان الصهيوني.
"إيران تصلح علاقتها مع الغرب وليس مع الإقليم". هذا ما قاله وزير خارجية دولة الإمارات الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان في إطار حملات الافتراء التي يشنها المعسكر السعودي على إيران، منذ توتر العلاقات، على خلفية الجريمة التي ارتكبتها السلطات السعودية عندما أقدمت على إعدام آية الله الشهيد الشيخ نمر باقر النمر.
هذه العبارة وردت على لسان الوزير المذكور في أجواء الاجتماع الذي عقده وزراء الخارجية العرب في القاهرة مؤخراً. وهي تغطي عدداً من المفاهيم المضمرة التي لا تعدو كونها فضائح متشابكة تجلل السياسات المعتمدة من قبل ممالك ومشيخات النفط الخليجي بشأن قضايا المنطقة، ومن جملتها العلاقات القائمة بين الأطراف الفاعلة والأقل فاعلية على الساحتين الإقليمية والدولية.
وحدة الانتماء
هناك، قبل كل شيء، واقعة ثابتة في السياسة الإيرانية منذ انتصار الثورة الإسلامية. وهي تتمثل بالسعي الإيراني الدائم من أجل إقامة منطقة أمنية مشتركة بين إيران وبلدان المنطقة بوجه عام، والخليج بوجه خاص.
وينطلق هذا السعي من اعتبارات أساسية في السياسة الإيرانية كوحدة الانتماء الجغرافي والسياسي والديني، وبالتالي، من وحدة المخاطر والمصالح بين شعوب المنطقة التي عانت طويلاً وما زالت تعاني من الاحتلال والهيمنة المفروضة من قبل قوى الغرب الإمبريالي والصهيوني.
لكن المسعى الإيراني قابله سعي خليجي دائم للإساءة إلى إيران. فقد وقفت بلدان الخليج إلى جانب النظام الصدامي المدعوم أيضاً من قبل الغرب والذي أعلن حربه الظالمة على الجمهورية الإسلامية في أحلك لحظات ولادتها. وقدمت إلى هذا النظام كل أشكال الدعم المالي والسياسي والعسكري، إضافة إلى التحريض الخبيث والبغيض. والأدهى من ذلك أن النظام الصدامي انقلب عليها شر انقلاب عندما احتل الكويت وعاث فيها تخريباً وفساداً بدفع من الأميركيين أولياء أمره وأمر الحكام السعوديين.
وعلى الرغم من كل ذلك ظلت اليد الإيرانية ممدودة بالعفو والتسامح نحو بلدان الخليج التي فضلت الانفتاح أمام الغرب وقواعده العسكرية وتواطأت معه ومع الإسرائيليين في الاستعداد للممشاركة في كل عمل عدواني قد يقومون به ضد إيران خلال الفترة التي كانوا يهددون فيها بضرب الجمهورية الإسلامية لأسباب منها ملفها النووي السلمي ودعمها لحركات التحرر والمقاومة في المنطقة والعالم.
ولما اكتشفت القوى الغربية أن خسارتها ستكون فادحة جداً من كل حرب قد تشنها على إيران، وجدت نفسها مضطرة للتراجع والاعتراف بالبرنامج النووي الإيراني وتصفية المسائل المالية المعلقة مع إيران والتعامل معها تعامل الند على جميع المستويات. وعلى هذا يكون الغرب هو الذي يسعى إلى إصلاح علاقته بإيران لأسباب منها موقع إيران الوازن في المنطقة على جميع المستويات. ما يثير الحنق عند الإسرائيليين وحلفائهم السعوديين وغير السعوديين في المنطقة.
وكل ذلك تم دون أن تتنازل إيران عن أي من حقوقها المشروعة. وخصوصاً عن حقها وواجبها في التصدي لمشاريع الهيمنة وتقديم الدعم لقوى التحرر والمقاومة في المنطقة والعالم. وهذا الدعم هو ما ينظر إليه المعسكر السعودي على أنه تدخل في شؤون البلدان العربية يوازي عدم إصلاح العلاقة مع الإقليم.
أحلام طائشة
وليس من قبيل الصدفة أن يتحدث معالي الوزير عن شيء اسمه "الإقليم" بدلاً من أن يستخدم مثلاً عبارة من نوع "المنطقة العربية" أو "الإسلامية". فالإقليم، بنظره، يتجاوز الصفة العربية والإسلامية ليعطي صدر المجلس للكيان الصهيوني الذي أصبح صديقاً وحليفاً استراتيجياً للسعودية وبلدان الخليج. خصوصاً في حربها الغاشمة على سوريا واليمن.
ومفهوم الإقليم هذا هو ما يدغدغ أحلام حكام الخليج بالعودة إلى ذلك الزمن الذي كانت فيه كل من إيران الشاه والكيان الصهيوني وأتباعهما الخليجيين يتشاركون في العمل كوكلاء للغرب الامبريالي من أجل ضرب حركات التحرر في المنطقة.
لكن ذلك الزمن ولى إلى غير رجعة. وحل مكانه زمن جديد بدأ مع هروب شاه إيران وزوال ملكه، ثم مع انهيار أسطورة الجيش الإسرائيلي على يد المقاومة في لبنان وغزة، وأخيراً مع الفشل الذي بدأ يحيق بمشاريع التخريب السعودي والخليجي والصهيو-أميركي تحت أسماء الربيع العربي. وهذا الفشل لن يقف عند حدود انتصار سوريا واليمن بل سيتجاوز ذلك حتماً إلى انهيار مجلجل لعروش آل سعود وأتباعهم من الخليجيين وغير الخليجيين.
ولن يغير في ذلك إجماع معظم وزراء الخارجية العرب على دعم المواقف السعودية المعادية لإيران. فهؤلاء والأنظمة التي يمثلونها إنما لا يزيدون عن كونهم مرتشين يبيعون أنفسهم بثمن بخس شأن العبيد الأذلاء.