ارشيف من :آراء وتحليلات

تركيا.. ’داعش’ حرب افتراضية على الأولويات

تركيا.. ’داعش’ حرب افتراضية على الأولويات

اسطنبول مجدداً... تعود الى الواجهة من باب التفجيرات الارهابية، إرهاب "داعش"، ضرب ضربته الجديدة في تركيا، وتحديدا في مدينة اسطنبول موقعا عشرات القتلى والجرحى أكثرهم من السياح بينهم 9 قتلى من الألمان.

هذا التفجير الإرهابي مهم في حد ذاته لثلاثة أسباب :

1-لأنه حصل هذه المرة في اسطنبول العاصمة الاقتصادية والسياحية والفعلية لتركيا بعدما كانت أنقرة، العاصمة الرسمية، مسرحا لتفجيرين العام الماضي.
2-لأنه يشكل دليلا جديدا على اختراق أمني حاصل داخل تركيا التي وصلها الإرهاب وصارت تصنف من ضحاياه.
3- لأن هناك ضربة موجعة لقطاع السياحة الذي يعد من ركائز الاقتصاد التركي.

تركيا.. ’داعش’ حرب افتراضية على الأولويات


انفجار اسطنبول تفاعل بقوة في الوسائل والأوساط الإعلامية والسياسية، صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أشارت إلى: "أن الهجوم الانتحاري في إسطنبول يدل على أن تركيا تحولت إلى هدف بعد انضمامها إلى التحالف الدولي، ويجب أن تأخذ حرب تركيا ضد "داعش" في الحسبان قدرة هذا التنظيم على تجنيد مؤيدين له وسط أكثر من مليوني لاجئ سوري موجودين في تركيا، عدد منهم يخضع للرقابة داخل مخيمات اللاجئين، لكن غالبيتهم يسكن داخل المدن في منازل مستأجرة وفي ظروف صعبة دون إجازة عمل، ويشكلون فريسة سهلة للـ"جهاديين"".

"لوموند" الفرنسية قالت:" إن الهجوم الانتحاري الذي استهدف ساحة السلطان أحمد رمز عظمة السلطنة العثمانية هو بمثابة تحول، وهو يعكس استراتيجية جديدة لهذا التنظيم "الجهادي" الذي يبدو أنه دخل في حرب مفتوحة ضد الحكومة التركية. وحمل التفجير رسالة مزدوجة: الأولى موجهة الى الحكومة التركية التي بدأت تتراجع عن سياستها الداعمة للمجموعات المسلحة التي تقاتل في سوريا، والثانية الى الرعايا الأجانب بأنهم اصبحوا هدفاً للهجمات في أي مكان من العالم. "

"حرييت" التركية علقت:" ليس هناك أدنى شك في ان المستهدف الأول في التفجير هو هذه المدينة (اسطنبول) التي تشكل جسراً بين الشرق والغرب والتي يبلغ عدد سكانها 14 مليون نسمة وتستقبل سنوياً 10 ملايين سائح، كما أن الساحة التي استهدفها الهجوم لها رمزية كبيرة، أما الرسالة التي أراد الانتحاري إيصالها من خلال تفجير نفسه وسط عدد كبير من السياح، فهي أن تركيا وإسطنبول لم تعودا مكانين آمنين لا للأتراك ولا للأجانب".
 
وكان لافتا ربط صحف مستقلة تركية الهجوم بالسياسة المبهمة للرئيس رجب طيب أردوغان تجاه التنظيمات الإرهابية  والمتطرفة، فقد كتب محمد يلمظ في صحيفة "حرييت": "نحن مثل الجالس فوق قنبلة موقوتة، والسبب الوحيد لهذا الوضع هو الإصرار على التساهل مع التنظيمات".

تفجير اسطنبول مهم أيضا في توقيته السياسي الإقليمي، فهو يأتي في سياق التوتر المتصاعد بين تركيا من جهة وروسيا وإيران وسوريا من جهة أخرى، بسبب الأزمتين في سوريا والعراق، والتوتر بين إيران والسعودية. وليس مستبعداً أن توجه أنقرة أصابع اتهام، ولو غير مباشرة إلى هذا المحور، وتتحدث عن رغبته في "إضعاف تركيا" لا سيما قطاعها السياحي، ولعل هذا ما يفسّر الهجوم العنيف الذي شنه أردوغان على إيران، بالتزامن مع هجوم إسطنبول، إذ اتهمها بـ"السعي إلى إشعال المنطقة، من خلال تحويلها الخلافات المذهبية إلى صراع"، كما أن أردوغان لم يوفر روسيا من هجومه الكلامي، إذ قال إن قواتها "لا تواجه "داعش"، إنما تعمل على إقامة دويلة سورية في اللاذقية ومحيطها".


تفجير اسطنبول يندرج أيضا في سياق وضع داخلي متوتر. ففي جنوب شرق البلاد، تدور منذ أكثر من شهرين حربُ مدن فعلية بين مقاتلي "حزب العمال الكردستاني" من جهة، والجيش التركي من جهة أخرى، وهي حرب تختلف عن حرب التسعينيات، حين كانت تتركز في الأرياف. وتحول العديد من المدن الكردية إلى ساحة حرب، أحالت العديد من الأحياء إلى مناطق خراب ودمار، وأدت أيضاً إلى تهجير آلاف السكان من مناطقهم، ليتوّج كل ذلك بإعلان الأكراد رسمياً، قبل ما يقارب الـ20 يوماً، عن مطلبهم الأساس بالحكم الذاتي. وأدلى العديد من قادة "الكردستاني" بتصريحات حول توسيع الحرب، لتشمل مدناً تركية أخرى وهي تصريحات ليست جديدة.


وهذا الوضع الداخلي على تماس مع الوضع السوري، في سياق تراجع النفوذ والتأثير التركيين في التطورات الميدانية في سوريا، لا سيما في أرياف حلب وريف اللاذقية، حيث يواصل الجيش السوري تقدمه. كما يأتي في أعقاب التقدم الملموس لقوات الحماية الكردية تحت مسمى "قوات سوريا الديموقراطية" غرب نهر الفرات، لا سيما سيطرتها على سد تشرين، ودخول الأكراد في اشتباكات مع "داعش".

وما يلفت النظر التشابه بين ردة الفعل الحكومية تجاه التفجير في السلطان أحمد، وتفجير سوروتش في 20تموز الماضي، إذ بعد أقل من ساعتين على تفجير سوروتش، وكانت الجثث لا تزال في الميدان، راحت الحكومة التركية توجه أصابع الاتهام إلى "داعش". وتلا ذلك بثلاثة أيام، إعلان تركيا الحرب "الافتراضية" على التنظيم الإرهابي، وقد شملت أيضاً "حزب العمال الكردستاني".


فالذي يحصل منذ أشهر أن تنظيم "داعش" المحاصر في سوريا والعراق يتوسع ويتمدد خارج هذين البلدين ويعتمد استراتيجية الهجمات المتنقلة في دول وأنحاء كثيرة. فقد عزّز وجوده في ليبيا والصومال وأفغانستان. ونفذ هجمات إرهابية في باريس وكاليفورنيا والقاهرة وإسطنبول، ومؤخرا في جاكرتا عاصمة أندونيسيا أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان .
هل بدأت الحرب بين تركيا و"داعش"؟ ام ان عملية إسطنبول هي محطة في الحرب الإرهابية العالمية التي تخوضها  "داعش" والهجوم الأخير هو مجرد شد حبال بين طرفين تقاطعت مصالحهما ضد سوريا والان بدأت بوادر الطلاق بينهما؟ أم  إن تركيا ستحاول استغلال العملية في اتجاهات تخدم أولوياتها، لا ربطاً بطبيعة التفجير وهوية منفذيه وانتماءاتهم، بل لجهة توظيفها ضد معارضيها في الداخل ومحاولة تحقيق اطماعها في سوريا ؟

2016-01-18