ارشيف من :آراء وتحليلات
اضطرابات مجددًا في المناطق الداخلية المهمشة في تونس
تشهد مدن ولايتي القصرين وسيدي بوزيد ومناطق أخرى داخلية في تونس اضطرابات يقودها شباب ثائر على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية. ويطالب المحتجون بتأمين العمل والكرامة وتحسين أوضاعهم المعيشية وتحقيق المطالب التي خرج من أجلها شارع المدن الداخلية التونسية منذ أربع سنوات واستغلها شارع المدن المرفهة المعارض للنظام بتحريك من قوى أجنبية وحوَّلها مطالب سياسية لتصفية الحساب مع النظام.
وتتمثل معضلة تونس في التفاوت الجهوي في التنمية بين مدن غربية حدودية تجاور الجزائر مهمشة وفقيرة وتعاني من قلة ذات اليد وبين مدن ساحلية بحرية استفادت منذ العهد الملكي من مخصصات التنمية. وضخت لها دولة الاستقلال المزيد وحولتها إلى منتجعات سياسية كبرى تضاهي الأقطاب العالمية، إضافة إلى تركز أغلب الاستثمارات الصناعية والخدماتية والعقارية بها، ما جعل البلاد تعيش تفاوتا حقيقيا بين المناطق وتوزيعا غير عادل للثروة.
فشل حكومي
وقد فشلت الحكومات المتتالية، التي تداولت في تونس بعد الإطاحة بنظام بن علي، في إيجاد حل لهذه المعضلة التي استغلتها قوى خارجية مع متواطئين في الداخل للإطاحة بالنظام السابق، الذي ساعد القوى الأجنبية للمساهمة في إسقاطه باعتبار أن عوامل انهياره متوفرة، ومن ذلك عدم التوازن في التنمية بين الجهات ما جعل النقمة على أصهرته الفاسدين تستشري وتجد القوى الأجنبية راعية ما يسمى "الربيع العربي" الطريق ممهدة لتنفيذ مخططاتها في تونس ودول جوارها بعد إزاحته.
ويؤكد عديد الخبراء والمحللين أن هذه الإحتجاجات ستتواصل في المناطق الداخلية التونسية ما لم تجد حكومات ما بعد "الثورة" الحلول الكفيلة بإقناع هذا الشباب المتمرد أن دولته بصدد البحث جديا عن الحلول لإخراجه من هذه الوضعية المزرية. فالمرزوقي مثلا عاد إلى الساحة وهو الذي عرفت عنه شعبويته وتأثيره القوي على المهمشين وقدرته على تحريك الشارع في هذه المدن الداخلية خدمة لمصالح لا علاقة لها من قريب أو من بعيد بالمصلحة الوطنية، بل أن البعض يربط بين ظهوره مجددا في الساحة السياسية وهذه الاضطرابات التي تشهدها مدن الداخل التونسي.
بيروقراطية
وبحسب مصادر نيابية فإن الدولة رصدت أموالا طائلة لتحسين البنية التحتية في هذه المناطق الداخلية ولإنجاز مشاريع لتنمية الاقتصاد وتوفير مواطن الشغل بهذه الجهات. لكن المعضلة هي القوانين التونسية المعقدة التي تعود إلى فترة الاشتراكية في ستينيات القرن الماضي والتي تكبل المبادرات الفردية وكثير من هذه القوانين بصدد التنقيح وتنكب عليها اللجان البرلمانية وسيعرض عددا منها على التصويت.
كما أن البيروقراطية التي ورثتها الإدارة التونسية عن نظيرتها الفرنسية والتي تجعل تنفيذ قرار بسيط، يتطلب دهرا من الزمن بفعل حاجته لعدد مهول من الوثائق ومن الإمضاءات لمسؤولين في الإدارة، يساهم في تعطيل تنفيذ عديد القرارات الهادفة للتنمية في الجهات الداخلية والتي تم اتخاذها ولكنها تنتظر طريقها إلى التطبيق الفعلي. ولعل ما يمكن تأكيده أن الأجساد العاطلة عن الإنتاج في القصرين وسيدي بوزيد وولايات الحوض المنجمي وغيرها، وبطونها الخاوية، لن تنتظر تنقيح القوانين ولا إمضاءات المسؤولين ولا الوثائق الإدارة حتى تكتمل وعلى الحكومة أن تجد الحلول لهذه المعضلة وإلا فلتغادر، على رأي أحد المحتجين، خاصة ونحن في شهر يناير الذي يعتبر شهر الأزمات في تاريخ تونس الحديث ويدرك المؤرخون أهميته وهو الذي عرف أحداث ساقية سيدي يوسف سنة 1958 التي قصفت بموجبها فرنسا أراضي تونس المستقلة بسبب مساندتها للثورة الجزائرية، وأحداث الخميس الأسود سنة 1978 الذي شهد صداما بين النظام والإتحاد العام التونسي للشغل والذي أطلق فيه الجيش التونسي النار على أبناء شعبه للمرة الأولى وقتل منهم، وأحداث قفصة الشهيرة سنة 1980 التي تسببت في أزمة بين نظامي بورقيبة والقذافي والتي كادت تؤدي إلى حرب بين البلدين بعد أن ضمن بورقيبة مساندة الجزائر ما بعد بومدين، وأحداث الخبز سنة 1984 وأخيرا الأحداث التي أدت الى انهيار نظام بن علي سنة 2011. كما أنه أيضا شهر انطلاق الثورة التونسية المسلحة ضد الإستعمار الفرنسي والتي توجت بالإستقلال.