ارشيف من :نقاط على الحروف
داوود الشريان...وأضعف الايمان
يستبطن مقال داوود الشريان في صحيفة "الحياة" الكثير من المعاني والدلالات .يخبرنا النص حقائق معروفة حول منطلقات السياسة الخارجية للرياض ومركزية المال فيها . لكن الجديد هو في الاسلوب الفج الى حدود الوقاحة دون اي خجل او تحفظ من قبل الكاتب . نص الشريان دليل جديد على تفاهة الصحفيين المستكتبين لدى ال سعود والذين وصلوا الى الدرك الاسفل والانحطاط الكامل . يبذل هؤلاء يوميا وبلا كلل او ملل جهودا لـ"جعل الاكاذيب صادقة والاجرام جديرا بالاحترام" . هم اشبه بالجوقة التي تردد الرأي السياسي الداعشي للمملكة العربية السعودية . لا مكان لدى الشريان وزملائه في الجوقة الملكية السعودية للنقد . من شروط الانضمام الى الجوقة تخدير الحس النقدي لا بل اماتته . مهمتهم تتركز على التسويق لسردية رب عملهم السعودي بامانة . لا يترددون في اللجوء الى الابتذال والترهل لتحقيق الغاية المرجوة . وهل من ابتذال اكثر مما ورد في مقالة داوود الشريان المعنونة "اضعف الايمان –هل تتغير سياسة السعودية تجاه لبنان ".
ينطلق الشريان في مقالته من قضية خطيرة يقدمها الكاتب كبديهية وهي اعتماد لبنان سياسة ما ، طالما هي تناسب المملكة العربية السعودية او طالما تحظى برضى الاخيرة اما في حال العكس فينبغي على لبنان واللبنانيين الاقلاع عنها دون اي تردد . بدون اي خجل يشير الشريان الى ان سياسة النأي بالنفس وجدت ما اسماه " تفهما سعوديا" في بداية الازمة السورية ."لكنها اليوم لم تعد مفهومة وقوبلت بامتعاض سعودي رسمي وشعبي " . تستحق العبارة الاخيرة التوقف والتأمل . تشبه جملة الشريان هذه ما مارسه اولياء امره تجاه دول عربية واسلامية علمت بانضمامها الى احلاف وائتلافات من وسائل الاعلام . اتخذ"طويل العمر" القرار بالنيابة عن الدول والحكومات والشعوب . ضرب مفاهيم السيادة الوطنية والكرامة الانسانية عرض الحائط . لم يكلف نفسه الحفاظ ولو على بعض من ماء وجه هذه الدول . لغة الشريان ليست الا ترجمة امينة لهذا الاداء السعودي المتعجرف والفوقي . لا بل ابعد من ذلك . اخبرنا الكاتب في صحيفة ال سعود ان سياسة لبنان سببت امتعاضا شعبيا في المملكة و"على شكل غير معهود" ! تبدو الفكرة خارجة عن المألوف السعودي وغير معهودة حقا . منذ متى يؤخذ رأي الشعب في مملكة الصمت ؟ ومتى استمد ال سعود سلطتهم من الشعب او اتخذوا قرارا ما نزولا عند رغبة الناس؟
ينتقل الشريان من محاولة ايهام القارىء بوجود "رأي عام " في السعودية الى فكرة اخرى لا تغادر منطق التفاهة والابتذال. يذكر الشريان القراء بموقف سابق اطلقه اميره سعود الفيصل فحواه " رفع اليد عن لبنان " . يعطي الكاتب للتصريح بعدا انتقاميا من قبل السعودية ضد اللبنانيين والغريب ان السبب الذي دفع لمعاقبة لبنان بحسب الكاتب نفسه لا علاقة له باللبنانيين بل نتج عن " تراجع الرئيس بشار الاسد عن وعود والتزامات للملك عبدالله " . يبدو ان الشريان لم يتردد في ذكر هذه الحادثة التي ان دلت على شيء فليس سوى غياب المنطق السليم عن السياسة الخارجية السعودية اذ بدا رأس الدبلوماسية السعودية ارعنا ومتسرعا وفاقدا للحد الادنى من الدراية والحكمة .فكيف يعاقب لبنان على ذنب يدعي الكاتب ان من ارتكبه هو الرئيس السوري .
اما قمة الابتذال فتجلت في تبني الشريان للغة التهديد . نعم يهدد الشريان اللبنانيين في لقمة عيشهم .يغادر الكاتب صفته الصحافية . يصبح "مطاوعا" في هيئة المستكتبين السعوديين .يضرب بسيف الامير . يأمر بالتضليل وينهى عن الحقيقة . بكل وقاحة يشير الكاتب الى ما يسميه "امساك يد السعودية عن مساعدة لبنان " . العبارة تستخدم في سياق الحديث عن علاقة عبد بالسيد او في احسن الاحوال بين موظف ورب عمل او عامل ورب نعمته . لم يسبق ان استخدم مصطلح "امساك اليد " في لغة العلاقات الدولية القائمة ولو على حد ادنى من الاحترام لسيادة بلد ما ودولته وحكومته وشعبه. هدد الشريان بمنع تاشيرات العمل عن اللبنانيين ووقف استثمارات السعودية في بيروت . يكتب الشريان وكأن لا طرف لبنانيا في المعادلة القائمة بين للسعودية ولبنان . يلفت الى لسان حال السعوديين والامتعاض السعودي ولا ينسى "التشبيح" من خلال الاشارة الى الشعب السعودي . اما الشعب اللبناني فغائب الا في اللغة التهديدية وعند تعداد اساليب القصاص القادم من مملكة الرمال . اما ذروة هذا القصاص ، اضافة الى تهديد اللبنانيين بلقمة عيشهم، فالـ"تشدد تجاه لبنان" و"تبدل موقع لبنان في نظر الرياض".
لا يمكن فصل ما يكتبه الرجل منذ فترة عن الاداء السعودي السياسي والعسكري . كلاهما اشبه بالهذيان . حال كاتب البلاط هو غيض من فيض احوال الامراء المشغلين . واذا كان ملك البلاد وولي عهدها وولي ولي العهد بالطبل ضاربا فشيمة اهل البيت الرقص. والشريان كغيره من زملائه يرقصون على ايقاع الانفصال عن الواقع والتنكر للحقائق . لا يرى هؤلاء حقيقة الشعب اللبناني . ولا يمكن لمن باع ضميره وقلمه ان يدرك ان لدى الكثير من شعوب العالم ومن ضمنهم اللبنانيين احساسا مفعما بالكرامة والعزة تتكسر عنده تهديدات الشريان ومن يقف خلفه . ما لا يستطيع تصديقه كاتب المقال ومن يستكتبه ان كثيرا من الشعوب العربية باتوا يدركون ان سياسات السعودية لم تخلف الا الدمار والخراب في اوطانهم ولعل هذا من اضعف الايمان .