ارشيف من :آراء وتحليلات

العدو مرتعب: حزب الله مستعد للمخاطرة

العدو مرتعب: حزب الله مستعد للمخاطرة

مرة جديدة يقدم جيش العدو تصوره وتقديره لمجريات أي معركة شاملة مع حزب الله، ويقر فيها بأنها ستؤدي إلى سقوط طائرات إسرائيلية ووقوع جنود في الاسر، واغلاق مطار بن غوريون ولن تنتهي في ايام... وأبلغ دلالة لهذا التقدير أنه يغني عن الكثير من الشروحات والاستدلالات عما دفع العدو للارتداع عن الذهاب نحو مواجهة شاملة مع حزب الله. وبالتالي يكشف، مع ما سبقه من تقديرات، عن حقيقة معادلة الردع المتبادل التي ساهمت في توفير مظلة حماية للبنان خلال السنوات الماضية.

وهذا ما يفسر جرأة جيش العدو على مصارحة الرأي العام الاسرائيلي بالكشف عن هذه السيناريوهات والنتائج. إنه يعتمد منذ فترة تكتيكا يقوم على قدر من المكاشفة المدروسة والهادفة، وتحديداً لجهة ما قد يواجهه من قصف للعمق الإسرائيلي، لأن عصر الحروب الحاسمة والخاطفة لم تعد له واقعية فعلية في مواجهة حزب الله، ولأنه يريد للجمهور أن يهيئ نفسه في أي معركة مقبلة لمثل هذه الخسائر.

العدو مرتعب: حزب الله مستعد للمخاطرة

ايضا، يهدف العدو الى أن يفسر ويبرر لجمهوره التزام قيادته بمعادلات تبدو فيها مقيدة. ومن خلال هذه التفاصيل يتضح للجمهور أن البديل عن ذلك حرب واسعة، وما تقدم من عرض ليس سوى جزء من نتائجها المقدرة. اضف إلى ذلك ان قيادة العدو تريد من الجمهور ايضا أن لا يذهب بعيدا في رفع سقف توقعاته حتى لا تنعكس سلبا في أي مواجهة مقبلة.
ومن أهم ما ورد في تقدير جيش العدو أنه يرى عدم ارجحية نشوب حرب مع حزب الله، كما يقدرون أنه على الرغم من وضعه، فإن حزب الله مستعد للمخاطرة.

حول عدم ارجحية الحرب، يستند الجيش في تقديره إلى أن حزب الله منشغل بمواجهة خطر التكفيريين في سوريا وايضا في لبنان. وهو ما يستوجب بحسب القراءة الإسرائيلية عدم المبادرة إلى مواجهة شاملة مع العدو انطلاقا من عدم مصلحته بفتح جبهتين في آن معا. ويستوجب هذا الواقع، ايضا، بحسب القراءة والرهان الإسرائيليين، عدم الرد احيانا على ضربات محددة محدودة خاصة اذا ما أدرك حزب الله أنها ستؤدي إلى نشوب مواجهة واسعة.

رغم عدم ترجيح الحرب، لفت التقدير إلى ان الديناميكية التي من المتوقع أن تؤدي إلى تصعيد باتت أكثر حساسية. ويبدو أن العدو يريد القول إن أي حادثة موضعية قد تؤدي إلى تدحرج نحو مواجهة واسعة. خاصة وأن الديناميكية التي تحدث عنها تصبح غير ذات صلة اذا لم تؤد إلى مبادرة أحد الاطراف لتوجيه ضربات للاخر الذي قد يرد.. وبما أن حزب الله ليس من استراتيجيته الحالية المبادرة إلى توجيه ضربات للعدو، ابتدائية، على الاقل كما تفيد تقديرات العدو نفسها، فإن الحساسية والديناميكية تفترض أن يبادر العدو نفسه إلى مواصلة اعتداءاته. والارجح أن يكون ذلك متصلا بالاعتداءات التي يبادر اليها من حين إلى اخر في الساحة السورية. وأنها قد تؤدي إلى رد من قبل حزب الله بما يدفع العدو نحو رد مضاد..

الخلاصة الأهم التي وردت في التقدير قوله إن حزب الله على الرغم من وضعه، فإنه مستعد للمخاطرة. ويبدو واضحا أن هذا الاستنتاج يعود إلى الرد الاخير لحزب الله على اعتداء العدو الذي ادى إلى استشهاد سمير القنطار وعدد من رفاقه. اذ فاجأ حزب الله قيادة العدو بقرار الرد وتنفيذه، رغم أن العدو بلغ سقفا عاليا في التزامه بالرد على حزب الله في حال حاول الرد. وهو ما يعني بالنسبة للإسرائيلي أن حزب الله ملتزم في حال تم تجاوز بعض الخطوط الحمراء فإنه سيرد ايا كانت التبعات والتداعيات. ويمكن في أي لحظة أن يؤدي ذلك إلى خسائر مؤلمة جدا.. بحسب الظروف الموضوعية الميدانية.

ويذكّر هذا التقدير بآخر مشابه له خلصت اليه الاستخبارات الإسرائيلية بعد الرد الصاروخي لحزب الله في مزارع شبعا ردا على عدوان القنيطرة مطلع العام 2015، اذ نقلت يديعوت احرونوت بعد مضي اشهر أنهم في الاستخبارات يرون أن "من يعتقد بأن قتال حزب الله في سوريا سيردعه عن ردود يمكن أن تؤدي إلى حرب شاملة عليه أن يعيد حساباته". ويبدو ايضا أن هذه الخلاصة انتزعتها الاستخبارات من قرار وتنفيذ رد حزب الله في حينه، الامر الذي فاجأ القيادة السياسية للعدو، التي دفعت في حينه لتنفيذ الاعتداء..

وعلى ما تقدم، يمكن القول إن هذه الخلاصات تأتي ترجمة للمفهوم التالي أن كل احتكاك عملاني بين طرفين، وتحديدا بين حزب الله والعدو الإسرائيلي يشكل محطة يمكن أن تساهم في اختبار صحة التقديرات والمفاهيم التي يتبناها كل من الطرفين ازاء الاخر، فيما يتعلق بالقيود أو هامش المبادرة لديه أو الرد.. ولا شك أن كلا منهما بات يملك في جعبته خزانا من العبر والخلاصات التي ستكون حاضرة في أي جولة مقبلة.

2016-01-30