ارشيف من :آراء وتحليلات

’داعش’ كما ’النصرة’.. إرهاب على ارضنا

’داعش’ كما ’النصرة’.. إرهاب على ارضنا

لقد تكاثر مؤخرا الاهتمام الواسع من الناحية الاعلامية والامنية والعسكرية بالاشتباكات الدموية التي جرت في جرود بلدة عرسال اللبنانية وامتدادا الى جرود الجراجير وقارة في القلمون السورية بين تنظيم داعش وجبهة النصرة; فصيلان ارهابيان يتمركزان في تلك الجرود ويستوليان على بقعة عزيزة من الاراضي اللبنانية ما زالت خارج سيطرة الدولة.

 بعض وسائل الاعلام المعروفة بتوددها للجبهة حيث ان الاثنين يشربان من نفس البئر، طرحت الصوت عاليا بعد ان قدمت تحليلات استراتيجية عبر تقارير "عسكرية فنية " جهد من خلالها خبراؤها لتصوير موضوع سيطرة عناصر تنظيم داعش على مواقع ومعابر جبهة النصرة القريبة من اماكن انتشار الجيش اللبناني على انه تطور خطير وسوف تنتج عنه تداعيات حساسة على امن الجبهة التي يمسكها الجيش وبالتالي سوف يمتد هذا الخطر على البلدات المجاورة وربما ينسحب على اماكن اخرى من الاراضي اللبنانية. وقد صورت وسائل الاعلام هذا الموضوع وكأن جبهة النصرة المذكورة كانت تؤمن خط مدافعة اماميا عن الجيش وعن البلدات اللبنانية .

’داعش’ كما ’النصرة’.. إرهاب على ارضنا


هذا التبدل في السيطرة والذي حدث بشكل عام على خلفيات لها علاقة بنزاع الفصيلين الارهابيين في سوريا، وبشكل خاص على خلفية صراع نفوذ وتسابق للسيطرة على مواقع اكثر دفئاً واوسع مساحة، لن يغيّر شيئا من ناحية مهمات واهداف الانتشار الذي ينفذه الجيش اللبناني في تلك البقعة الحساسة، فالاخير سوف يحافظ على طريقة تعامله مع الارهابيين الموجودين بمواجهته بنفس الاسلوب العسكري، وذلك من خلال مواصلة تنفيذ الرمايات المدفعية والصاروخية بنفس الزخم وبنفس الفعالية على اي تحرك او اي انتقال تقوم به تلك المجموعات، وسيبقى ملتزما بقواعد الاشتباك التي وضعها وفرضها على الجبهة والقاضية بتنفيذ الكمائن والاغارات على نقاط وجودهم التي تدخل ضمن مدى تحركه العملاني والميداني، وباقتناص كافة الفرص التي تظهر امامه عن طريق الاشتباك المباشر واطلاق النار الفوري عند ظهور اي تحرك ارهابي مسلح. كما ان قواعد الاشتباك هذه التي يعتمدها الجيش اللبناني لا تتضمن التمييز بين هوية الارهابيين الموجودين بمواجهته، فالفصيلان بالنسبة له ارهابيان بالكامل، وهما يحتلان ارضا لبنانية ويحملان سلاحا غادرا ومتشددا مجرما، والاثنان ايضا مارسا جرائم وحشية طالت عناصره وطالت المواطنين اللبنانيين، وبالتالي فإن حساب الاثنين هو حساب واحد، مفتوح ولن يقفل قبل ان يدفعا ثمن جرائمهما وفظاعاتهما.


في الحقيقة، يحظى هذا الوجود الارهابي المسلح برعاية سياسية داخلية، تؤمن له غطاءً ملتبساً تحت طابع مساعدة هؤلاء على اعتبار انهم "ثوار معتدلون" ينشدون في حربهم الحصول على حقوق سياسية واجتماعية ، وهم يتمركزون مؤقتاً على قسم من اراضينا تحضيرا لمساندة رفاق لهم يجهزون انفسهم للتدخل في مواجهة النظام في سوريا. وقد تمثلت هذه الرعاية سابقا بالوقوف الى جانبهم بعد انتهاء المرحلة الاساسية من حرب القلمون الاخيرة والتي سيطر فيها الجيش العربي السوري بمساندة المقاومة على اغلب مواقعهم هناك والتي كانت تحتاج في مرحلتها النهائية، واستكمالاً للسيطرة على مواقعهم الاخيرة في جرود عرسال، الاجهاز على ما تبقى منهم من عناصر تجمّعت بعد المعركة في المنطقة المذكورة.
ما زالت هذه الرعاية تحضن هؤلاء الارهابيين تنفيذا لسياسة رعاتهم في الحرب على سوريا دون الاخذ بعين الاعتبار الوضع الشاذ الذي تعيشه بلدة عرسال البقاعية اللبنانية، والتي اصبحت تفتقر الى الحد الادنى من مقومات الامن والامان والتوازن الاجتماعي، فلا يمكن لاحد ان ينكر هذا النفوذ  وهذه السيطرة لبعض المجموعات الارهابية داخل احياء معينة في البلدة، حيث يدفع ابناؤها الشرفاء منهم ثمنا غاليا نتيجة التزامهم بخيار الدولة والجيش والاجهزة الامنية فيتم اغتيال الابطال منهم على يد الارهابيين على خلفية انتمائهم للمؤسسة العسكرية او للاجهزة الامنية  او على خلفية تهمة التعامل مع تلك الاجهزة.


واخيرا يبقى ان النقطة الاساسية التي تطرح نفسها ليست في اسلوب وفي طريقة تصرف الجيش اللبناني في مواجهة هذه الحالة الشاذة الحساسة الخطرة، فهو يواجه بجدية وحزم ويؤمن انتشارا متماسكا ومدافعة مكتملة الخطوط ميدانيا وعسكريا، مستعملا كل ما يملكه من عتاد وناشرا العديد المطلوب لهذه الجبهة الواسعة والتي تتطلب جهدا جبارا خصوصا في مهمة ضبط مخيمات النازحين في تلك المنطقة والتي تعتبر من اكبر مخيمات النازحين السوريين في لبنان والاخطر امنيا وعسكريا كونها تحوي اهالي اغلب المسلحين الارهابيين الذين يوجدون في تلك المواقع التي تدور فيها معارك السيطرة التي تكلمنا عنها. ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في هذا التواطؤ الخفي بين جهات سياسية فاعلة في الدولة وبين هؤلاء المسلحين الارهابيين. وتكمن هذه المشكلة ايضا في هذا الاستغلال المذهبي الرخيص الذي يظهر عند كل محاولة جدية امنية او عسكرية او سياسية لانهاء هذه الحالة الشاذة الخطرة التي اصبحت تحتاج الى معالجة فورية، اولا للوصول ببلدة عرسال المخطوفة الى بر الامان ولانقاذ ابنائها من براثن هذا الارهاب الجاثم على صدورهم، وثانيا لاستكمال سيطرة الدولة على كامل اراضيها وفرض الامن والقانون.

2016-01-30