ارشيف من :آراء وتحليلات

من سورية..الولادة

من سورية..الولادة

علمتنا صفحات التاريخ ان الحروب تنتهي اما بانتصار احد الفريقين أو بتسوية بين الجانبين، إلا الحروب التي تدور في وطننا العربي خُطِّط لها اما ان تنتهي على حساب شعبنا العربي واما بتقسيم الوطن العربي ليصبح الوطن الكبير اوطاناً وشعبنا العربي شعوباً وقبائل واطيافاً ومذاهب واعراقا واثنيات وثقافات متناحرة متحاربة لامدٍ طويل وطويل جداً، بهدف اضعافنا من خلال تفتيت النسيج الاجتماعي وبث روح الفرقة واذكاء نار الفتنة المصطنعة بين المذاهب والطوائف كافه تمهيدا لنهب ثرواتنا الطبيعية والعلمية وتدمير تراثنا وحضارتنا وطمس هويتنا وثقافتنا.

 

هذا ما أراده وخطط له الغرب وأعداء الامتين العربية والاسلامية منذ أمدٍ بعيد وبعيد جداً ونحن من هذا غافلون احياناً ومتآمرون في معظم الاحيان نرضخ لرغبات اعدائنا اذلاء صاغرين امام طامعٍ بمقدراتنا وثرواتنا وفي الوقت نفسه ترانا اقوياء اشداء على ابناء امتنا ممن رفضوا سياسة الاملاء والذل والخنوع لرغبات اعداء الامة وعلى كل من يدافع عن مقدراتنا ووجودنا وهويتنا وثرواتنا وحضارتنا وثقافتنا واقتصادنا وحرية قرارنا.

الله عز وجل اوصانا داعياً ايانا ان نكمل الرسالة الربانية بتنمية فضائل الله علينا لنحافظ عليها نُورثها لشبابنا واجيالنا لنكون مدعاة فخرٍ امام الله وامام امتنا فنكون بذلك ادّينا واجب تنفيذ الرسالة الالهية التي اوكلها الينا.

من سورية..الولادة

لكن لنعترف بان جل ما قمنا به هو التفريط بهذا التوكيل الالهي وبنعمه علينا من ثروات الارض لتندثر وتذهب ريحها ليستفيد الغرب منها ويبني ذاته ويتقدم علينا بالعلم والتكنولوجيا فيعيد بيعها الينا وباموالنا بينما نحن اصحاب كل تلك الهبة الربانية ترانا نقدم اكبر خدمة لاعداء امتنا بالتنازل عن حقوقنا مختبئين خلف التكبير (الله واكبر) رافعين راية التوحيد نحلل ونحرم حسب مقتضيات المصلحة الذاتية ندّعي الحرص على دين الله في حين تمتد اليد لمصافحة اعداء الامتين العربية والاسلامية اسرائيل لنجد انفسنا نحن اصحاب هذه الارض نفرّط بكل شيء بسيادتنا بتاريخنا وحضارتنا ومجتمعاتنا وحتى هويتنا نتفرج على تنفيذ رغبات الغرب بقتل بعضنا البعض وإزهاق ارواح الابرياء وتشريد الملايين عن ديارهم وكل ذلك باسم الدين، ما اصابنا ببلاء قوم اعتقدوا ان الله الخالق سبحانه خصّهم بتفويض الهي لادارة شؤون الناس والعباد واصدار فتاوى لا تمت للدين الحنيف بصلة بل تخدم اعداء الامة والدين.

لا غلو في القول اننا اضحينا امه لا تمتلك مصيرها ولا تمتلك قرار تحديد مستقبلها ورعاية مصالح ابنائها، امة تعودت انتظار القرار من الخارج،
امة تعودت تنفيذ مقررات الغرب الذي باتت تتحكم باسعار نفطنا وغازتا وثرواتنا الطبيعيه ويتحكم بانتاجنا ننتظر الاذن منه السماح لنا بالتنقيب عن غازنا ويمنعه عنا اذا ما استطاع الغرب مصادرة جزء كبير من ثرواتنا..

اصبحنا امة غير معتبرة في المحافل الدوليه او في مراكز القرار لا يأخذ برأي امتنا ولا يحسب لها الحساب، ننتظر الاوامر والاملاءات لتنفيذ ما اتفق عليه من غرب وعدو على حد سواء ضد مصالحنا بل اكثر من ذلك لقد سمحنا للغرب ان يتمادى فصارت السفارات بمثابة الباب العالي والسفير صار برتبة الحاكم يُصدِر اوامره بغية تنفيذها واذا ما تجرأ احد من امتنا وتمنّع عن التنفيذ فان عقوبات اقتصاديه وتجاريه ومعيشيه وحصار سياسي يفرض علينا في الوقت الذي يعيث الغرب بامتنا فسادا وتنكيلا وقهرا ونهبا دون ان نتجرأ من فرض عقوبات عليه ، حتى ان الية فرض العقوبات ليست بيد امتنا بل  تُفرض علينا ونحن فقط للتنفيذ.

صار الغرب يحدد لنا العدو من الصديق ونحن تحت الامر والطاعه نسرع حسب الاوامر والتعليمات بقطع علاقاتنا السياسيه والتجاريه مع دوله من المفترض ان نعتبرها صديقة لنا بينما نجد الغرب وفي غفلة منا ومن خلف ظهورنا يهرع مهرولا لابرام الصفقات معززا علاقاته باحثا عن تامين مصالحه الاستراتيجيه مع نفس الدولة التي حددها لنا الغرب بخانة العدو ممارساً علينا التهويل زارعا فينا الخوف من تلك الدوله الصديقه وموجهاً ايانا نحو عداواتها..  
 
لقد بتنا امة تمتهن تدمير الذات وتستهون بيع مقدراتها ومقدساتها فقط كرمى لعيون الغرب واسترضاءً للعدو الذي دنس مقدساتنا واحتل ارضنا ونهب ثرواتنا وقتل ويقتل شعبنا العربي الفلسطيني في كل يوم.
اضحت امتنا مدعاة للسخرية ينطبق عليها قول امة لاتقرأ واذا قرأت لا تفهم واذا فهمت لا تعمل واذا عملت لا تنفع واذا نفعت فانها تنفع اعداءها وتقهر ابناءها
انها امة ضحكت من جهلها الامم.

في امم الغرب يُدعم الفاشل ليصبح عالماً وفي امتنا ندعم إفشال العالم ليصبح فاشلا

ان ما جرى ويجري في سوريه جاء نتيجة لرفضها الاذعان لسياسات الغرب الاملاءات من اي جهة اتت بكل عنفوان وعزة من اجل الحفاظ على الامة وعلى ما بقي للامة من كرامه مدافعة عن الامة العربية وعن الهوية القومية وعن حقنا في فلسطين في وقت اصاب بعض العرب الوهن والعجز والصم والبكم لا بل ان هذا البعض من العرب تآمر على سورية اخذ على عاتقة مهمة تنفيذ  مخطط الغرب الهادف الى اسقاط ممانعتها وتدميرها.

على الرغم من الضعف والوهن الذي اصاب الامة العربية الا انني على يقين راسخ بان الامة ستنهض من جديد وان الخير لم يزل في امتنا العربية وانه سيأتي يوم ربما يكون قريبا وربما يكون بعيدا ربما في جيلنا وربما في الاجيال القادمة لكنه اتٍ لا محاله سنشهد فيه ومن سورية تحديدا ولادة جيل العروبة والقومية الجديد لتنتظم فيه البوصلة نحو فلسطين ونحرر القدس الشريف من براثن الاحتلال الصهيوني ونعيد رفع راية امتنا العربية من جديد مرفرفة في سماء الوطن العربي الكبير وننشد من دمشق قلب العروبة النابض بكل عزة وكرامة واباء نشيد موطني..

*مستشار وباحث في الشؤون الإقليمية

2016-02-01