ارشيف من :نقاط على الحروف

فتاة ’النصرة’.. وأخلاقيات المهنة

فتاة ’النصرة’.. وأخلاقيات المهنة

كارول معلوف. الاسم راج مؤخراً بشكل مفاجئ على الساحة الاعلامية. السبب "استنطاق" أجرته بطلب من جبهة "النصرة" - فرع "القاعدة" في سوريا مع اثنين من مجاهدي المقاومة الأسرى لدى التنظيم الارهابي. تعترف فتاة "النصرة" في مقابلة مع "أم تي في" أنها اقتيدت الى مقابلة الأسرى بأمر من مسلحي "الجبهة". تؤكد أنها ذهبت معهم مغمضة العينين، الى مكان تجهله، لكنها رغم ذلك، تزعم "المهنية"، وتحقيق "سكوب" إعلامي، من خلال الفيديو الذي عادت به. نجحت معلوف بفرض جدل حول فِعلتها، على حساب المبادئ القانونية والأخلاقية والانسانية، لكنها استطاعت أيضاً إبراز أقبح وجوه الاعلام، الذي يُستخدم ألعوبة ترويجية في يد العدو.

كيف انتهكت "فتاة النصرة" القانون الدولي؟

يؤكّد المتخصّص في العدالة الجنائية د. عمر نشابة في حديث لـ"العهد" أن "الموضوع يقع في إطار القانون الدولي الانساني، في جنيف هناك 4 معاهدات إحداها تتحدث عن أسرى الحرب، وتنص على أن أسير الحرب لا يحق عرضه على الاعلام وتعريض كرامته أمام وسائل الاتصال الجماهيرية". يضيف "لا يُسأل الأسير سوى عن اسمه ورتبته العسكرية".

تتذرّع معلوف بـ"المهنية"، مدّعية بأن "فعلتها" تصب في "قلب المهنة". لكن لنشابة رأياً آخر، يقول "من المفترض أن تلتزم بالمبادئ القانونية الأساسية". ويسأل "من يقول إن مهنة الصحافة هي عرضُ أشخاصٍ يعبّرون عن مواقف معيّنة تحت الضغط؟".

فتاة ’النصرة’.. وأخلاقيات المهنة

المتخصّص في العدالة الجنائية د. عمر نشابة

بحسب نشابة، فإن "مجرد بث المقابلة هو مساهمة الى حد ما في الحرب النفسية التي يقودها فريق ضد فريق آخر". يرى أن "القنوات الاعلامية والبرامج التي تدّعي "الموضوعية" لا تلتزم بالتوصيف. برنامج بـ"موضوعية" -مع الاحترام للزميل وليد عبود - يقول إنه يعتمد الموضوعية، بينما هو يتّبع أسلوب الاعلام الحربي الذي من واجباته قيادة الحرب النفسية. وهنا بكل شفافية فإن قناة "المنار" مثلاً هي آليّة من آليات الاعلام الحربي للمقاومة وبالتالي وظيفتها ممارسة الحرب النفسية". يختصر نشابة حال بعض الاعلام بقوله "في كثير من الأحيان يتصرف الاعلام الحربي لحزب الله بموضوعية".

في التوقيت، يشير نشابة الى أن "الفيديو يوحي في مكان ما الى إفلاس ميداني". ويضيف "عندما يصل العدو الى مرحلة تراجع كبيرة في الميدان يستخدم هذه الفيديوهات كعنصر أساس في الحرب، وبالتالي يقدم الحرب النفسية على الميدانية، حلقة "الأم تي في" التي عرضت خلالها 7 دقائق من فيديو المقابلة تبدو، عن قصد أو عن غير قصد، وكأنها محاولة منه لحفظ ماء وجه هؤلاء الذين يتراجعون في الميدان، تزامن الحلقة مع هذا التراجع يثير بعض الشبهات".

في قيمة الفيديو، يؤكّد المتخصّص في العدالة الجنائية أن "كلام الأسرى لا يُعتد به، لا يحق لأحد أخذ كلام من أسرى الحرب وهم تحت الضغط"، ويسأل "هل يصح مثلاً أن يعرض حزب الله مشاهد فيديو لأسرى من جنود العدو الاسرائيلي وهم يهاجمون كيانهم وقياداتهم؟ ما هي قيمة هكذا فيديو؟".

خطاب سياسي لا مقابلة!

الى المضمون، مارست معلوف فن الخطاب السياسي الموجّه أمام الأسرى. تحدّثت طويلاً بلسان ومنطق "النصرة" أمام من لا يملك حرية الاجابة. استرجعت حقبة العام 2006 لتقول إن "جبهة النصرة كانت معكن بحرب تموز"! هل كان في العام 2006 أي وجود لجبهة "النصرة" يا كارول؟

عادت بالزمن الى أيام الحكم الأموي في إحدى أسئلتها المطوّلة، لكن السؤال الذي مثّل "الضربة القاضية" للحنكة الاعلامية، كان "مسك الختام". توجّهت لهما مع قرب انتهائها من "تنظيرها السياسي" المسمّى "مقابلة": هل أنتم تقولون هذا الكلام خوفاً على حياتكم؟!!". ما هو الجواب الذي كانت تنتظره معلوف من الأسيرين وآكلو الأكباد من إرهابيي "النصرة" من أصدقائها يجلسون مقابلهم"؟

يتساءل المشاهد: ما المغزى من محاورة أسيرين؟ آلا تدرك أن كل ما يقال تحت حكم السيف والقيد لا يُعتد به؟ هل توقّعت معلوف إجابات حقيقية؟ من أين تشرّبت هذه الفتاة كلّ هذه الطروحات "النصروية" وكيف لها أن تدافع عن مجرمين سفكوا دماء الشعبين اللبناني والسوري بهذه الطريقة؟ من أين أتت بكلّ هذه العدائية التي ظهرت في الفيديو، ضد أسيرين، حتى بانت في بعض المقاطع وهي تؤنّب من أمامها؟ هل لمعلوف أن تطرح الأسئلة عينها على مئات الآلاف من جماهير المقاومة وعناصرها الذين هم خارج الأسر؟ أم أن هدفها ينحصر بتلميع صورة الارهاب، وخدمته في حروبه النفسية؟

إن مهنة الصحافة والإعلام هي قضية ومبدأ قبل أن تكون فن "السكوب" على حساب القوانين والمعايير الانسانية. بصرف النظر عن منطق معلوف المدافع عن إرهابيين اعتدوا على لبنان وشعبه بأقذر أنواع الاجرام من ذبح وتفجير، فإن للقضية بعداً آخر يتعلّق بأخلاقيات المهنة - المفقودة - ما أدراك ما ينشر وما لا يُنشر. عدا عن ذلك، فإن من يتسلّق سلّم الشهرة على حساب هذه الأخلاقيات، ستلفظه المهنة لا محالة!

2016-02-10