ارشيف من :خاص
الشهداء القادة: في كل عقد لنا مع المجد موعد
في مسيرة ملأى بالتضحيات، من الطبيعي أن يكون هناك في كل عقد ضريبة مميزة، تدفعها هذه المسيرة، لتبقى على اندفاعتها، وتستمر في تألقها، وتثابر على تصاعد فعلها وتعاظم تأثيرها.
في مسيرة نذرت نفسها لإحقاق الحق، والوقوف بوجه الظلم، ووضعت شأن الأمة متقدماً على كل شأن شخصي، وفي طليعة أي اهتمام، وأعلى من أي مصلحة، لا يعود هناك أي عجب في أن يكون القادة هم على رأس الشهداء.
وهذه مسيرتنا، تقدم في كل عقد رمزاً، لتجعل من الحديث عن التضحية فعلاً، وليس مجرد قول، ولتحوّل نظرية الفداء إلى واقع تشهده الأجيال.
الشهداء كلهم كبار، قدّمتهم قرانا وبلداتنا، أحياؤنا في مدننا، من الجنوب إلى البقاع، ومن الجبل إلى العاصمة، إلى الشمال إلى كل مكان في هذا الوطن.
والشهداء كلّهم أحياء، عند ربهم يُرزقون، وفي جنات عرضها السماوات والأرض خالدون.
والشهداء كلهم قادة، وهم سادة قافلة الوجود.
وبين الشهداء، هناك رموز، أشخاص لهم خصوصية، بين أولئك الذين خصّهم الله بحمل تاج الشهادة.
وهؤلاء الرموز يعزّ الزمان على أن يأتي بمثلهم، أو أن يمنّ بنظائرهم على بني البشر، أشخاص صنعوا المجد بالكلمة وبالقبضة، بالجهاد وبالتضحية، بالمثابرة والاستعداد لتقديم الغالي والنفيس من أجل هذه المسيرة، وصولاً إلى منتهى هذا الاستعداد، وهو بذل النفس رخيصة من أجل الأهداف الكبرى.
ومن بين هؤلاء الشهداء ثلاثة، تقارنت صفاتهم، وتقاربت مواعيد استشهادهم في الأيام، ولكنها امتدّت على العقود، لتكون دماؤهم هي الدم الذي يضخّه الفيض الإلهي في شرايين هذه الأمة، فيجعلها شاهدةً على استمرار النهج، وشهيدة في سبيل حفظه والسير فيه حتى النهايات المنشودة، المتمثلة برضا الله تعالى، وبالنصر المبين لكل شعوب هذه الأمة.
أول هؤلاء الشهداء راغب بالحرب حتى الخاتمة السعيدة، لم يتردد في أن يكون الرمز الأول الذي يقضي على طريق ذات الشوكة، ولم يتأخر في تقديم نفسه، في مواجهة العدو الصهيوني الغاصب، فاستحق لقب شيخ شهداء المقاومة، وكان أول القادة الذين مضوا.
وثانيهم موسوي من سلالة الأطهار، عباس في الموقف بلا تردد ولا تخاذل، ذو بأس في الوغى، وفصيح إذا المنابر اعتلى، شهد له القريب والبعيد بأنه شديد على الأعداء، رحيم بين الإخوان والأصدقاء، مشى إلى جبشيت بقدم ثابتة، يرى الشهادة بعينيه، فيسير إليها بلا تردد، ليكون دليلاً على العزيمة التي لا تتزلزل، والشكيمة التي لا تتحول ولا تتبدل، فكان سيد شهداء المقاومة الإسلامية بلا شك ولا ريب.
وثالثهم عماد، شدّ الرحال منذ بدايات البدايات، وجعل الجنة نصب عينيه مذ فتح عينيه على الحياة، فسار في نهج البطولة، وعلّم الرجال معنى الرجولة، ليكون الشبح الذي أرعب أعداء أمتنا على مدى أكثر من خمسة وعشرين عاماً، والقذى الذي أعمى عيون القادة الصهاينة دون كلل ولا ملل، في مقابل كونه المدافع والمحامي عن أمتنا، والماسك من أسباب النصر بحبل الشرف الأطول، والمهيء جيوشاً وأبطالاً، وعلماء رجالاً، جعلوا من المعادلة المنتكسة على مدى عقود في جانبنا معادلة تعمل لمصلحتنا. وبعد أن قضى هو، بقيت الجيوش، وتكاثر الأبطال، وصار العلماء أعلاماً والرجال قدوةً ومثالا. فكان عماد المقاومة واستمر وما يزال.
وفي كل عقد لنا مع المجد موعد، فنقول لرب العالمين: أرضيت يا رب؟ خذ حتى ترضى، ويقول لنا رب العالمين: إن تنصروا الله ينصركم ويثبّت أقدامكم، ويهوّن علينا ما ينزل بنا بقوله تعالى: إن كنتم تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون، فنصبح أكثر ثقة بهذا الخالق العظيم، وأكثر استعداداً للتضحية في سبيله، وأكثر قدرة على تحمّل الخسائر الكبرى التي نتحمّلها بفقدان هؤلاء القادة العظماء، لأن البديل من رب العالمين رَوح وريحان، ونصر عزّ مثيله في كل زمان ومكان.
هذه مسيرتنا، وهذا فهمنا لما يصيبنا، وهكذا نتعامل مع رحيل قادتنا، وبهذا نقابل ربنا يوم القيامة، فمن بإمكانه الوقوف بوجه هذه المسيرة الماضية قدماً نحو أهدافها، متسلّحة بدماء هؤلاء الذين لا تقف أمام دمائهم أصعب الصعاب؟