ارشيف من :آراء وتحليلات
سوريا.. سباق عسكري نحو الشمال والشرق
بدأ الجيش السوري منذ اوائل هذا العام التركيز بشكل أساس على جبهتي ريفي حلب واللاذقية مع الاستعداد لإطلاق هجوم شامل في اتجاه محافظة الرقة من عدة اتجاهات، وذلك وفقًا لما أطلقه بداية العام الماضي من معارك "تقسيم الجبهات" باتجاه الجبهة الجنوبية والتي حقق فيها نتائج باهرة، هذه الاستراتيجية الميدانية الجديدة تتيح للجيش السوري التركيز في عملياته على خطوط إمداد المسلحين من الشمال والتي بإتمام السيطرة عليها تسقط المناطق التي وقعت في أيدي المسلحين بالوسط والجنوب.
بالنسبة لريف حلب، باتت عمليات الجيش السوري مركزة بشكل اساس على الريفين الشمالي والشرقي؛ ففي الشمال يسيطر الجيش فعليا على نحو 70 % من مساحة هذا النطاق وعلى بعد خطوات قليلة من الحدود مع تركيا بعد تمكنه من فك الحصار عن نبل و الزهراء والسيطرة على حندرات وباشكوي ورتيان وحردتين وماير، دخل مؤخرا الى كفين ومعرسته الخان ومسقان وأحرص وبات على تماس مع نشاط وحدات حماية الشعب الكردية ومع مناطق سيطرة تنظيم داعش شرقا، كما نفذ الجيش هجوما مفاجئا فقد التفَّ جنوب غرب الزهراء وتمكن من السيطرة على عدد من التلال منها تلة ضهرة القرعة وضهرة القنديلة ومقالع بلدة الطامورة، ما أدى الى محاصرة مواقع المسلحين في حيان وعندان وبيانون بشكل شبه كامل، بين باشكوي والزهراء من جهة والقوات المتقدمة في الطامورة من جهة أخرى لتصبح المسافة بين القوات المتقدمة وحيان وعندان اقل من 5 كم، وقد بدأ الجيش السوري في التقدم في اتجاه عندان التي يهاجمها من اتجاهين، هذا الواقع الميداني جعل بعض المسلحين في قرية مثل بيانون يعربون عن استعدادهم لتسوية اوضاعهم والقاء السلاح.
هذا ويتزامن التقدم السوري في هذا النطاق مع نشاط قتالي لوحدات حماية الشعب الكردية معززة بفصيل يسمى بـ "جيش الثوار" التابع لقوات "سوريا الديمقراطية"، لتتمكن بداية من السيطرة انطلاقا من عفرين على مزارع الزيارة ثم قرية ومطار منغ، لتغطي ناريا طريق اعزاز – غازي عنتاب، ثم أتمت سيطرتها على كفرنايا وعين دقنه وكفرناصح والشيخ عيسى وتمكنت من فصل تل رفعت عن اعزاز التي تتقدم حاليا باتجاهها، وتقدمت كذلك من كفر ناصح ودخلت مارع دون قتال بعد انسحاب معظم المجموعات المسلحة الموجودة هناك.
أما في الريف الشرقي؛ فتواصل قوات النمر، بعد أن استطاعت فك الحصار عن مطار كويرس، توسيع مناطق سيطرتها وتمكنت خلال الأسبوعين الماضي والحالي من تثبيت السيطرة في مزارع السين ورسم العلم وبرهلين وجب الكلب لتستعيد ما يقارب 60 % من مساحة هذا النطاق وتكمل حاليا التقدم على محورين: الأول باتجاه المحطة الحرارية التي باتت على مشارفها والثاني في اتجاهي صوران و أعبد استعدادا لاطلاق الهجوم الرئيس نحو مدينتي الباب وتادف. كما يواجه الجيش السوري محاولات متعددة من قبل تنظيم داعش في هذا المحور لتحقيق اختراقات على جبهتين الأولى في اتجاه قرية تل مكسور والثانية في اتجاه تلة برهلين، اما ريف حلب الجنوبي فقد توقفت الفرقة الرابعة المدرعة عن اكمال هجومها الموسع الذي بدأته في الريف الجنوبي في تشرين أول/ أكتوبر الماضي وتمكنت فيه من تحرير اكثر من 80 % من هذا النطاق حتى الآن في أربعة اتجاهات للهجوم في الريف الجنوبي باجمالي مساحة تبلغ 340 كم وتعد مدينة "الحاضر" و"تلة العيس" و "تل باجر" من أخر المناطق التي تم تحريرها مؤخرا وتنتظر القوات انتهاء العمليات في ريف اللاذقية و حماه لبدء تطوير هجومها في اتجاه ريف أدلب الشمالي خصوصا وانها تبعد مسافة تقل عن 20 كم عن مدينتي ادلب وجسر الشغور.
إلى ذلك، من غير المعروف بشكل قطعي تفاصيل الخطة السورية - الكردية المشتركة في النطاق الرئيس للهجوم في حلب "الريف الشمالي" لكن دعم سلاح الجو الروسي والسوري للتقدم الكردي في الريف الشمالي وعملية جنوب غرب الزهراء الالتفافية تؤشر الى ان الهدف السوري هو استفزاز الجيش التركي الذي عزز من مواقعه على خط الحدود مع سوريا ونفذت مدفعيته صليات متكررة على المواقع التي دخلتها مؤخرا القوات الكردية في منغ وشمال قرية مرعناز.
يعد ريف اللاذقية الجبهة الرئيسة الثانية في التكتيك السوري الجديد، تتجه العمليات العسكرية فيه بشكل عام الى نهايتها بعد تمكن الجيش خلال الشهور الماضية من السيطرة على ما يقارب من 90 % من المناطق المهمة في هذا النطاق مثل كسب وزاهية وعطيرة و بات الاتجاه الأساس للهجوم السوري في هذا القطاع هو باتجاه "البيضاء- كنسبا – بداما" لأسقاط جسر الشغور ناريا، "كنسبا" هي الهدف الرئيسي لمحاور هجوم الجيش السوري الذي يريد تطويقها من محورين: الأول يتمثل في محور "كسب - ربيعة – جبل التركمان" وقد تمكنت قوات صقور الصحراء خلال الفترة الماضية من السيطرة على بلدات كفر دلبة وجبل زاهية وجبل عطيرة والزويك وربيعة و بروما وتتقدم في عمق جبل التركمان لتطويق كنسبا من الجهة الغربية المحور الثاني هو محور "عالية – البيضاء – عين الغزال" التي بدأ الجيش السوري بالدخول فيه من ثلاثة اتجاهات، الأول في اتجاه جبل التركمان لتطويق كنسبا من الجهة الشمالية الغربية وتمكن مؤخرا من السيطرة على عدة قرى مثل قرية باشورة "أوبين" وجبل عالية وجبل زيارة البيضاء واتم السيطرة على العيدو ووادي باصور وقلعة طوبال ليطلق فعليا عملية اقتحام كنسبا، الاتجاه الثاني للهجوم هو من المارونيات جنوب غرب كنسبا وسيطر فيه مؤخرا على مرتفع جرجس وتلال الحمر وبلدة بلة، الاتجاه الثالث شرق كنسبا وفيه سيطر الجيش على مرتفع وقرية "شلف" ويوسع انتشاره في هذا النطاق لتطويق كنسبا من الجهة الشرقية.
أضف الى ما سبق جبهة "النبي يونس – جب الأحمر" ، وهي الجبهة الأهم نظرا لاتصالها بريًّا مع ريفي ادلب وحماه ويقاتل فيها اللواء 103 من الحرس الجمهوري السوري وحلفائه للسيطرة على سلسلة جبال جب الأحمر وعددها 7 مما يسقط جسر الشغور والسرمانية وأريحا ناريا، وهذه الجبهة متوقفة تقريبا في الوقت الحالي يستهدف الجيش السوري حاليا محافظة الرقة من ثلاثة اتجاهات هجومية رئيسية: محور أثريا – زاكية، محور مهين – القريتين، محور تدمر.
فيما يتعلق بمحور أثريا – زاكية، أطلق الجيش السوري بصورة مفاجئة هجوما انطلاق من محور خناصر- اثريا باتجاه بلدة زاكية في ريف الرقة وتمكن من السيطرة على عدة تلال في تخومها منها التلة رقم 5 الموجودة على طريق خناصر – الرقة، الهجوم يتم على محورين الأول باتجاه مدينة الطبقة والثاني باتجاه قرى الريف، والهدف هو مدينتا الطبقة والرقة.
وفي محافظة حمص، اطلق الجيش السوري منذ ايام هجومين في محورين يستهدفان محافظة الرقة؛ الأول جنوب مدينة حمص في اتجاه التلال السود ضمن جبال الحزم الأوسط الواقعة بين مهين والقريتين، وتمكَّن حتى الآن من تلال الروابي متجهًا نحو منطقة روابي الطحين وتلال قبر عنتر، الهجوم الثاني هو شرق حمص على تخوم تدمر بتعزيزات من الجيش الروسي والهدف الأساس من الهجومين هو تخفيف الضغط عن مدينة دير الزور التي تتعرض المواقع المتبقية للجيش السوري في وسطها لهجمات يومية.
استكمال المشوار
وعلى الرغم من تركيز الجيش السوري على المناطق السابق ذكرها كأولوية اساسية ضمن استراتيجيته الجديدة، الا ان باقي الجبهات تشهد تقدما اقل وتيرة، في الريف الشمالي لمحافظة حماه تمكن الجيش السوري خلال الشهور الماضية من تحرير معظم القرى التي سيطر عليها جيش الفتح في هجماته اواخر العام الماضي مثل حلفايا ومعان وتمكن اللواء 87 والفرقة 11 دبابات والفوج 47 مدعوما بقوات الدفاع الوطني والحزب السوري القومي من ابعاد المجموعات المسلحة عن مركز المحافظة وايقاف تقدمها سريع الوتيرة الذي تم تسجيله خلال الشهور الماضية، مازال تنظيم داعش مسيطرا على أجزاء كبيرة من ريف المحافظة الشرقي دون اي تقدم جديد بعد فشله في السيطرة على طريق خناصر – اثريا، وقد بدأ نشاط الجيش السوري في هذا النطاق يتزايد حيث شن منذ أمس هجوما في اتجاه طريق السلمية – الرقة تمكن فيه من السيطرة على تلتين استراتيجيتين، كما شن هجوما في اتجاهين مختلفين جنوب حماه الأول في اتجاه تقسيس غرب السلمية والثاني في اتجاه حربنفسه جنوبها.
أما محافظة أدلب، فيتوقع ان تشهد هجوما واسعا ورئيسيا من الجيش السوري لفك الحصار عن مدينتي "كفريا و الفوعة"، وسيتم تنفيذ الهجوم على الأغلب من اتجاهين الأول من ريف حلب الغربي انطلاقا من بلدة الحاضر و الثاني من ريف القنيطرة الشمالي و يظل موعد بدء هذا الهجوم الموسع رهنا بموعد انتهاء العمليات في ريفي حلب واللاذقية الشماليين.
أما في ريف درعا الشمالي، فقد توقف جزئيا الهجوم السوري الموسع الذي بدأ في شهر شباط/فبراير العام الماضي لشق مناطق سيطرة المعارضة والتي تسيطر على كامل شقي المحافظة الشرقي والغربي وتمكن الجيش خلال هذه الفترة من السيطرة على مجموعة من التلال الاستراتيجية مثل تل مرعي وتل الصياد بجانب مناطق مثل الدناجي والهبارية ودير العدس وبدأ بتطوير الهجوم في اتجاه المناطق الرئيسة في الريف مثل داعل و أنخل كفر ناسج و دير ماكر وتل عنتر وتل الجانبية وتل الحارة الاستراتيجي وكانت اخر المناطق الرئيسية التي سيطرت عليها قوات الفرقة الخامسة هي بلدة عتمان ومنطقة الشيخ مسكين الاستراتيجية.
وفي الوقت الراهن، قسمت القوات السورية جنوب المحافظة إلى قسمين شرقي وغربي وصولا إلى مدينة درعا ويتوقع قريبا استكمال تطوير الهجوم في محور أنخل- جاسم - الحارة ومحور نوى ومحور أبطع - داعل الذي تزايدت فوقه طلعات الاستطلاع الروسية والذي توجد محاولات لتطبيق مصالحة وتسوية اوضاع في عدة مناطق فيه من بينها أبطع ذاتها. ميدانيا تتواتر أشتباكات متقطعة بين وحدات الجيش السوري والمجموعات المسلحة في خربة غزالة وحي المنشية والجمرك القديم في درعا البلد وبلدة النعيمة ضمن العمليات المحدودة التي ينفذها الجيش في الأحياء الجنوبية والغربية لدرعا.
وفي محافظة القنيطرة، ما زال التجهيز مستمرا لعملية استعادة المعبر بعد سيطرة اللواء 90 بالفرقة التاسعة المدرعة على معظم مناطق محور "التلال الحمر – تلة اليونيفل – السرية الرابعة – مزارع الأمل" ليفتح الطريق بين مدينة البعث بالقنيطرة وبلدة الحضر بالجولان.
وفيما يتعلق بالعاصمة دمشق وريفها فإن الوضع الميداني فيهما مستقر بشكل عام حيث تقع العاصمة وريفها تحت سيطرة الجيش السوري ما عدا المناطق التالية تقع تحت سيطرة مجموعات من الجيش الحر وجيش الإسلام:
- ريف دمشق الجنوبي: مربع "خان الشيح – الطيبة – زاكية" – الأحياء الشمالية في مدينة الكسوة – مربع "بيبلا – حي الحجر الأسود – حي القدم – داريا".
- الغوطة الشرقية: محور " حرستا – عربين – دوما – جربا – دير سلمان – جسرين- كفر بطنا – عين ترما".
- شمال دمشق: منطقة عين الفيجة – مدينة مضايا المحاصرة.
- في الشهور الأخيرة حقق الجيش السوري تقدما مهم افي الريف الجنوبي حيث سيطر على آخر نقطة رئيسة فيه وهي دير ماكر ومحيطها ليتم تحقيق تأمين شبه كامل لطريق دمشق – القنيطرة، و في شمال غرب دمشق سيطر الجيش السوري بشكل شبه كلي على منطقة الزبداني.
لكننا نستطيع القول ان المجهود العسكري الأساس للجيش السوري هو في عمليات الغوطة الشرقية التي كانت حتى وقت قريب بكاملها تحت سيطرة الجماعات المسلحة، فقد تمكن الجيش السوري من تأمين ممر إلى مدينة دوما للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات بعد سيطرته على حي جوبر، وشرع في توسيع هذا المحور بعد سيطرته اواخر العام الماضي على قرية ومطار مرج السلطان واتجه الى طريق حرستا التي بدأت قوات اللواء 105 حرس جمهوري في فترة سابقة هجوم عليها وعلى ضاحية الأسد وتمكنت هذه القوات حتى الآن من السيطرة على عشرات الأبنية والتلال المطلة على الطريق الدولي في اتجاه حرستا وضاحية الأسد، وحاليا تعيش الجبهات حالة استقرار نسبي على الرغم من احراز الجيش السوري تقدما بطيء الوتيرة في اتجاه داريا وتأجيله الهجوم الموسع في اتجاه دوما وبيبلا وحرستا.
اذن، نستخلص مما سبق ان الجيش السوري يهدف حاليا الى تأمين الحدود مع تركيا في ريفي حلب واللاذقية مع الاستعداد لشن هجوم موسع في اتجاه الرقة، هذا يحدث بعلى الرغم من التلويحات التركية والخليجية باحتمالات شن هجوم بري او جوي في الأراضي السورية، الحسابات السورية والروسية ترى أن لا بد من انتظار الخطوة الأولى للطرف الآخر قبل اي تقدير للموقف، وحتى يحين موعد هذه الخطوة تبقى الأولوية هي أكمال المعارك كي تظل الصدارة في سباق الشمال والشرق للجيش السوري وحلفائه، الخطة السورية/الروسية في ريف حلب الشمالي باتت واضحة، دعم الاكراد وحثهم على السيطرة على الخط الاحمر التركي "عين دقنه ، تل رفعت ، اعزاز ، باب الهوي" لتحقيق هدفين محتملين، اولا في حالة عدم تدخل الاتراك سيتم عزلهم واي طرف موال لهم عن الجيش السوري وعن دعم الفصائل الارهابية وتجنيب الجيش السوري تبعات اي اشتباك مع الاتراك واتاحة الفرصة له للدخول في معركة الرقة من ابوابها الاربعة "زاكية ، القريتين ، الباب ، تدمر"، وثانيا لو تدخل الاتراك في الميدان ستكون الفرصة متاحة لضربهم عن طريق الاكراد ومن ثم الروس، هذه الخطة لا تخلو من ألغام بالنسبة للجانب السوري اهمها ان القوات الكردية ينضوي تحت لوائها فصائل تعارض الحكومة السورية مثل قوات سوريا الديمقراطية بشكل عام وبشكل خاص فصيل "جيش الثوار" وبالتالي سيظل احتمال حدوث اشتباكات بين خطوط التماس الكردية - السورية في شمال حلب موجودا ولن يقلل من احتمالاته سوى اطلاق الجانبين للعمليات ضد مناطق سيطرة تنظيم داعش شرقا.