ارشيف من :ترجمات ودراسات
ما الذي ستفعله أنقرة إذا ما نجحت دمشق أوالأكراد في إقفال الحدود بين سوريا وتركيا؟
السباق على إقفال الحدود السورية الشمالية
الكاتب : Pepe Escobar
الموقع : Russia Insider بواسطة le Saker Francophone
21 كانون الأول / ديسمبر 2015
إذا ما تمكنت دمشق أو الأكراد من تأمين الشريط الحدودي الأخير بين سوريا وتركيا، فإن ذلك يعني نهاية النفوذ التركي في سوريا.
من هي الجهة التي تحقق أكبر فائدة ممكنة من الدراما الروسية-التركية ؟ لا شك بأنها إمبراطورية الفوضى والخراب مع تركيا يائسة ومكبلة تماماً بقيود الناتو.
فعلى مستوى المعترك الأخير المرتبط بخط "أنابيبستان"، فإن مشروع الخط التركي قد تم تعليقه (لا إلغاؤه). وبهذا تكون عوائق في منتهى الخطورة قد انتصبت أمام تكامل أوراسيا، أي مشروع روسيا والصين للقرن الحادي والعشرين.
وفي الوقت نفسه، فإن ما يجري لاستراتيجية الإدارة الأميركية هو أكثر انزلاقاً من الإبرة اليابانية. أما أوساط مراكز الدراسات في الولايات المتحدة فتفسر ذلك على أنه جهد من أجل نزع الطابع الصراعي عن حقل المعركة، أو حتى أنه خشبة الخلاص الأخيرة في سوريا لحلف الناتو (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، إضافة إلى تركيا) من خلال هجمة واسعة النطاق يفترض بها أن تكون موجهة ضد داعش. نقول "يفترض بها"، لأن العملية هي قبل كل شيء عبارة عن لعبة ظلال حيث يمكن للمعنى الحقيقي لنزع الطابع الصراعي أن يكون تجديداً للطابع الصراعي.
لا غرابة إذن في أن يكون الرئيس بوتين قد فسر قيام السلطان إردوغان بإسقاط الـ "سو-24" بأنه عمل مناف تماماً للمنطق. وبالتأكيد ، فإن حججه تشتمل على قصف الطيران الروسي لمواقع التركمان (الطابور الخامس لأنقرة في شمال سوريا). كما تشتمل على الهجوم العنيد الذي تقوم بها روسيا ضد عملية السرقة التي يتعرض لها النفط السوري، وما يستتبع ذلك من تصادم بين شخصيات تركية رفيعة المستوى، من جهة، وداعش من جهة أخرى.
ذلكم يبدو أكثر لامنطقية عندما ننظر إلى مجال الطاقة الحاسم. فأنقرة تعاني من نقص بنسبة 27 % في مجال النفط وبنسبة 35 بالمئة في مجال الغاز الطبيعي. وخلال العام الماضي، استوردت أنقرة 55 % من احتياجاتها في مجال الغاز الطبيعي من روسيا و18 % من إيران.
وبسبب المشكلات الهامة التي تعاني منها البنى التحتية [ذات الصلة بالطاقة]، فإن إيران لن تصبح في القريب العاجل منافساً لشركة غاز-بروم لجهة تصدير الغاز الطبيعي إلى تركيا - وأوروبا. وعلى فرض أن يتم تشغيل خط النفط العابر لتركيا مستقبلاً، فإن ذلك سيشكل صفقة رابحة جداً لكل من تركيا وأوروبا الجنوبية والوسطى.
فصلوا لي تحالفاً
لعبة الظلال الحالية -وهي لعبة تشتمل على نشر قوات خاصة أميركية في شمال سوريا- تفتح الطريق أمام احتمال أن يكون الأتراك والأميركيون على وشك إطلاق حملة كبرى بهدف إبعاد داعش عن عقدة الاتصال الحاسمة المتمثلة بمدينة جرابلس. حجة إردوغان في هذا المجال معروفة تماماً : استخدام كل وسيلة ممكنة من أجل تعطيل مساعي وحدات حماية الشعب الكردي لتوحيد مناطقهم الثلاث في الشمال السوري. ومن هذه الوسائل، يسعى إردوغان إلى توطين لفيف مشبوه وغير واضح من عملائه التركمان المختلطين مع متمردين معتدلين وغير محددي التوجه من السنة ليحتفظ بذلك بطرقات مفتوحة للمواصلات (والتهريب) مع سوريا.
ومن جهتهم، يريد الأكراد السوريين أن يكونوا أول من يصل إلى المدينة. بدعم جوي من الأميركيين. وبدعم جوي من الروس. وهذا يشكل أحد وجوه التوافق الخاص بسوريا بين فريق أوباما والكرملين، مع كل ما يشكله ذلك من إحباط للسلطان. ومع ذلك، هناك همس في أنقرة مفاده أن تركيا مستعدة للقيام بهجوم بري على جرابلس، ولكن بشرط حصري هو وجود تغطية أميركية. وهذا أمر غير مفهوم بالمرة إذا ما اعتبرنا أن واشنطن وأنقرة لا تريان المآلات بالعين ذاتها.
وفي هذه الأثناء، وفي سياق النقاش في موسكو حول سوريا، اضطر وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، إلى القبول رسمياً بوجهة نظر وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، القائلة بأن الشعب السوري وحده هو من يقرر مصير الأسد، عن طريق الانتخاب. هذا يعني أن إدارة أوباما نفسها تبدي اليوم ما يفيد بأن النغمة القائلة بأن "الأسد يجب أن يرحل" قد ماتت وقبرت.
ولكن، لندع السرعة جانباً. فلعبة الظلال ما تزال تشكل بعناد جزأً من المعادلة. ففي النهاية، لا بد لقائمة الفصائل الإرهابية الشهيرة التي تدور حولها المساومات الآن بين جميع الأطراف، لا بد لها من أن تحظى بموافقة تركيا والسعودية اللتين تستمران في تسليح كل أنواع الأفاعي من ذوات الأجراس طالما أنها تردد فحيحها القائل "الأسد يجب أن يرحل".
وفي بؤرة الأفاعي هذه، تزحف مزحة موسم السياحة. المقصود هو التحالف المضاد للإرهاب الذي تقوده السعودية والمكون من 34 بلداً "تم جمعها من مختلف أنحاء العالم الإسلامي". وقد وصل مفجر حرب اليمن، ولي العهد ووزير الدفاع محمد بن سلمان، إلى حد تقديم وعد بأن قعقعة هذه البادرة الجديدة غير القابلة للتحقق من شأنها أن توقف سيل الدعم المالي للإرهابيين. كما ولو أن آل سعود سيقطعون رؤوس جماعتهم من الوعاظ "الأتقياء المترفين" والمخبولين.
إن هذا التحالف المندمج مع التحالف القائم أصلاً، أي تحالف الإنتهازيين المشبوهين الذين تقودهم الولايات المتحدة، والفاشل إلى حد الضخامة، ما هو غير عملية تلاعب خالصة. فالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لم تفعلا شيئاً ضد داعش منذ الصيف الماضي. ما فعلتاه هو بالأحرى قيامهما بمنتهى الابتهاج والحيوية بقصف اليمن. جيشاهما موبوءان بالمرتزقة، إذا لا وجود لجيش سعودي بلا مرتزقة. باكستان ومصر تمتلكان جيوشاً ولكنهما منهكتان بمشكلات داخلية كارثية ولن ترسلا جنوداً إلى عش الدبابير السوري-العراقي، حتى ولو حصلتا لقاء ذلك على جبل من البترودولارات.
بهذا التحالف المحبوك من قبل جماعات ضغط متيقظة يحركها إيدلمان، تظن الرياض أن بإمكانها أن تشيع انطباعاً بقدرة جهودها على تدمير سوريا.
لكن جردة حساب بسكان سوريا، بمن فيهم جموع اللاجئين،، تظهر أن 14 بالمئة منهم هم من الشيعة العلويين، و5 بالمئة من المسيحيين، و3 بالمئة من الدروز، و1 بالمئة من الشيعة الإثني عشريين، و10 بالمئة من الأكراد (غالبيتهم يساريون)، وحوالي 40 بالمئة من السنة (غالبيتهم علمانيون بينهم كثير من اليساريين، دون الحديث عن نخبهم الميسورة التي تتحرك في مجال الأعمال في دمشق وحلب، أي المتوافقة تماماً مع الحكومة منذ عشرات السنين).
من هنا، فإن ظن الرياض -ومعها أنقرة- بأن شلة من الجهاديين السلفيين، يمكنها بعد إخضاعها لعملية إقناع بهذا الشكل أو ذاك، أن تضرب توازناً بكل هذا التعقيد، وأن تقود كل هذه الأمة، هو ظن ينافي كل منطق سليم.
حرب من أجل الحدود
إذن كل شيء يتوقف الآن على الحرب من أجل الحدود. فالأكراد السوريون أعلنوا بالكثير من الضجيج عن شيء من نوع "الأكراد الحقيقيون يتوجهون نحو جرابلس". وجرابلس هي، باختصارـ آخر نقطة ارتكاز لتركيا في سوريا (قام الطيران الروسي بإبادة معظم المقاتلين التركمان في شمال محافظة اللاذقية).
وهنا، يمكنكم أن تتخيلوا شريطاً موحداً للأكراد يمتد من عفرين إلى بقية منطقة روجوفا. هذا يعنى أن تركيا قد أصبحت منفصلة عن سوريا. وأن طريق الجهاديين قد أصبح مقطوعاً. وأن الشلل قد أصاب الاستخبارات التركية التي تقدم دعماً لوجستياً سخياً لداعش يبدأ بسندويتشات بيغ ماك ولا ينتهي بالرحلات السياحية في تركيا. وأن سرقة النفط السوري من قبل داعش قد توقفت. وكل هذا دون الكلام عن وحدات حماية الشعب الكردي المتحالفة مع حزب العمال الكردستاني الذي يسيطر على منطقة شبه مستقلة تتمتع بوضع الدولة الجنينية.
ولكن، لا ينبغي الذهاب بعيداً في الأوهام، لأن السلطان سيفعل كل ما في وسعه من أجل الحيلولة دون ذلك. فداعش لم تكن تشكل تهديداً على الإطلاق، وأنقرة لن تتوقف عن تغذية الخرافة القائلة بأن الطريق نحو القضاء على داعش يمر بتغيير نظام الأسد.
أما روسيا، فقد كشفت الخديعة. لكن البطة العرجاء، أي إدارة أوباما ما تزال غير قادرة على الحسم وتتساءل : هل علينا أن نستمر باستخدام إردوغان حتى ولو كان يجانب الحذر في سعيه إلى وضع الناتو في حالة مواجهة مباشرة مع روسيا ؟ الجواب يتوقف على معرفة الجهة التي ستربح معركة الحدود وعلى كيفية ربحها لهذه المعركة.