ارشيف من :آراء وتحليلات

تحرير نينوى .. بين حقائق الواقع وحسابات المصالح

تحرير نينوى .. بين حقائق الواقع وحسابات المصالح

هل باتت عملية تحرير محافظة نينوى العراقية من تنظيم داعش، هي الخطوة القادمة بعد تحرير مدينة الرمادي من داعش الشهر الماضي؟.

هذا هو السؤال المطروح حاليا في داخل اروقة السياسة العراقية وكواليسها، وضمن حلقات ودوائر غرف العمليات العسكرية، وفي اوساط الشارع العراقي.

ومن هذا السؤال تتفرع تساؤلات عديدة عن الاليات والسياقات التي سيتم اتباعها لانجاز عملية التحرير، وهوية الاطراف المفترض مشاركتها، وكيفية التنسيق فيما بينها، ومن هي الجهة المرجعية التي ستكون كل الخيوط بيديها؟.

حتى الان يبدو ان العنوان الاهم في دائرة الجدل حول تحرير نينوى، هو "الحشد الشعبي"، اذ ان هناك اطرافا لا تحبذ، بل ربما ترفض، مشاركته في عملية تحرير نينوى، لاسباب ودواع لاعلاقة لها بقدرته وكفاءاته وحرفيته، وانما تنطلق تلك الدواعي والاسباب من حسابات وهواجس سياسية تحمل صبغة طائفية لاتخفي على اي متابع لتفاعلات الاحداث، وطبيعة المواقف ازائها.

اكثر من طرف يتحفظ او يعترض او يرفض مشاركة الحشد الشعبي في تحرير نينوى من داعش، ومن هذه الاطراف، الولايات المتحدة الاميركية، وبعض-ولانقول كل-قوى المكون السني، وبعض القوى الكردية، وقوى اقليمية من بينها السعودية وتركيا.

ومع ان لكل طرف مبرراته وحججه التي يطرحها، الا ان جميع تلك الاطراف يلتقون عند نقطة واحدة، ويجتمعون عند هدف معين.

لماذا يعارضون مشاركة الحشد الشعبي في التحرير؟

ومن بين ما يطرح من مبررات وحجج على التحفظ او الاعتراض او الرفض للحشد الشعبي:

-ان مدينة نينوي (الموصل)، ذات هوية سنية، وقد يتسبب دخول الحشد الشعبي ذو الهوية الشيعية بردود فعل سلبية لدى ابناء المدينة، وحصول احتقانات وتشنجات تزيد من تعقيدات الأمور.

-ان الحشد الشعبي ارتكب انتهاكات كبيرة وكثيرة لحقوق الانسان، وقام بسلب ونهب وتدمير ممتلكات المواطنين بعد تحرير مدينة تكريت ومدن اخرى.

-ينبغي حصر عملية تحرير نينوى بقوات الجيش والشرطة الحكومية، وابناء المدينة دون سواهم، تجنبا لاي مشكلات تنتج من دخول ومشاركة قوى اخرى مثل الحشد الشعبي.

الداعون الى مشاركة الحشد الشعبي في معركة تحرير الموصل يردون على حجج وذرائع الأطراف الرافضة بمنطق يكاد يكون مقبولا وعقلانيا الى حد كبير. وهم ينطلقون من الحقائق التالية:

تحرير نينوى .. بين حقائق الواقع وحسابات المصالح

اولا: اثبت الحشد الشعبي في إطاره العام قدرة قتالية وانضباطا وصمودا كبيرا في مختلف المعارك التي خاضها على امتداد اكثر من عام ونصف العام، ولعله لو لم يكن موجودا لما تحررت مدن ومناطق عديدة من تنظيم داعش، مثل جرف النصر والعلم والضلوعية وأمرلي وبيجي وتكريت وبعض مناطق حزام بغداد.

ثانيا: حصول بعض التجاوزات والسلوكيات السلبية لدى أفراد وجماعات من تشكيلات الحشد الشعبي، لايبرر إصدار وتعميم احكام ظالمة على كل عناصره وتشكيلاته، تصادر كل ما حققه او ساهم به من انتصارات، وما قدمه من تضحيات بلغت الاف الشهداء واضعاف اعدادهم من الجرحى.

ثالثا: بمقارنة بسيطة وسريعة بين استحقاقات تحرير مدينة تكريت التي كان للحشد الشعبي دور محوري فيها، وعملية تحرير الرمادي، التي بقي  الحشد بعيدا عنها، تكشف بوضوح ان استحقاقات تحرير الاولى كان اقل بكثير من استحقاقات الثانية، اذ ان تحرير تكريت لم يخلف دمارا وأضرارا مادية وبشرية كبيرة، بنفس القدر الذي خلفته عملية تحرير الرمادي من تخريب ودمار، كان لسلاح الجو الأميركي دور كبير فيه.

وتؤكد تقارير استخباراتية وعسكرية، ان نسبة الدمار الذي لحق بالرمادي بلغت ٨٠٪ ، بحيث بات من الصعب جدا على الناس معرفة الأزقة التي يسكنون فيها، ناهيك عن منازلهم وممتلكاتهم التي تحولت الى ركام وأنقاض.

ويشير مواطنون من الرمادي الى ان العيش في مدينتهم مجددا بات أمرا مستحيلا بعد تحريرها من داعش، ويؤكدون ان الأميركان ربما فعلوا أسوأ مما فعله تنظيم داعش الإرهابي بحقهم.

رابعا: تتميز مدينة نينوى-على عكس مدينة الانبار-بنسيج اجتماعي متنوع يضم من الناحية القومية العرب والأكراد والتركمان والشبك، ومن الناحية الدينية، يضم المسلمين والمسيحيين والايزيديين، ومذهبيا تضم المدينة السنة والشيعة، وهي ليس كما يدعي البعض مدينة ذات هوية سنية صرفة.

ومثلما تعرض سنة الموصل والايزيديين فيها لابشع جرائم تنظيم داعش، فأن الشيعة من ابناء القومية التركمانية كانوا ومازالوا يواجهون مخاطر داعش، ناهيك عن نزوح اعدادا كبيرة منهم الى مدى اخرى.

ومثلما لابناء السنة والايزيديين وحتى الاكراد تشكيلات مسلحة، بصرف النظر عن مسمياتها، تقاتل عصابات داعش، فأن للتركمان الشيعة من ابناء نينوى (الموصل) تشكيلات مسلحة ضمن قوات الحشد الشعبي، تضم الالاف من ابناء المدينة وليس من خارجها، لذلك فأن تلك التشكيلات من الطبيعي –بل من الواجب-ان تشارك في اية عملية تحرير للمدينة.  

ويبدو ان التباين في المواقف، وتقاطع الاجندات والاولويات، والعراقيل التي تختلقها واشنطن وانقرة والرياض، لن تجعل الطريق يسيرا وسالكا نحو تحرير نينوى، لكن في ذات الوقت يمكن ان تفرض حقائق الواقع نفسها على الارض، خصوصا وان شرائح وفئات اجتماعية، وقوى وشخصيات سياسية من المكون السني تتفهم الى حد كبير فائدة وجود الحشد الشعبي الى جانب قوات الجيش والشرطة وابناء العشائر في اية معركة لتحرير المدينة، اضف الى ذلك فأن مساحات وفرص التفاهم والتنسيق بين مرجعيات الحشد الشعبي ومرجعيات قوات البيشمركة الكردية تبدو جيدة، لاسيما وان هناك اصرارا كرديا على  مشاركة البيشمركة، وهذا الاصرار من الطبيعي ان يقابله اصرار "شيعي" على مشاركة الحشد بعنوانه "التركماني-الشيعي-المناطقي".

ولا شك انه رغم الكثير من العراقيل والمعوقات السياسية والفنية، فأنه كلما تهيأت ارضيات التفاهم والتنسيق بين الاطراف المعنية، وتحددت مسبقا مساحات الحركة، وتوزعت الادوار بصورة صحيحة، ستنجز عملية تحرير نينوى بأقل قدر من الخسائر، وخلال وقت قصير، مع اهمية ان يكون القرار، وزمام المبادرة بيد الحكومة العراقية، ممثلة بالقائد العام للقوات المسلحة، والقيادات والمفاصل العسكرية والامنية الرسمية، ومن الخطأ الفادح ان تترك الامور بيد واشنطن، التي ربما يسعى اصحاب القرار فيها الى استخدام نينوى، ومعها مدينة الرقة السورية كأوراق انتخابية لرفع اسهم الحزب الديمقراطي على حساب منافسه وخصمه التقليدي الحزب الجمهوري، فضلا عن ان امساك واشنطن بخيوط عملية تحرير المدينة من داعش يعني تهيئة الارضيات للولايات المتحدة الاميركية لنشر قوات برية على الاراضي العراقية، هذا من جانب، ومن جانب اخر، لن تقوم-ولن تسمح الولايات المتحدة-بقصم ظهر داعش وانهائه بالكامل، بل ان ستكتفي بأضعافه وتحجيمه، كما صرحت بذلك في مناسبات عديدة، لتستفيد منه في تأمين مصالحها ومصالح حلفائها واصدقائها واتباعها في العراق والمنطقة.

2016-02-18