ارشيف من :آراء وتحليلات

فلتفهم السعودية!..

فلتفهم السعودية!..

حسنًا فعلت المملكة العربية السعودية بإلغاء هبة المليارات الأربعة للجيش والقوى الامنية، إنه القرار الصادق الوحيد الذي عبّر أخيرًا عن موقفها الصحيح والفعلي والحقيقي، ومن قال أن الهبة أساسا سوف تكتمل او أنها سوف تأخذ طريقها الى التنفيذ؟ ألم يكن واضحا وضوح الشمس لمن لديه ذرة من المنطق والتحليل السليم بأنها خدعة وزوبعة في فنجان؟

اذا عدنا الى الظروف التي ظهرت فيها تلك الهبة المشؤومة لوجدنا انها كانت مغمَّسة اساسا بروح الارتهان وبمحاولة شراء قرار الدولة والجيش والشعب، نعم لقد حاولوا شراء قرار الشعب كي يوافق على التمديد لرئيس الجمهورية السابق عندما عهدوا اليه شرف ابلاغنا خبر المكرمة السار من على منبر القصر الجمهوري في احتفال جرى خصيصا لذلك حيث عبارته السيادية المشهورة "عاشت المملكة العربية السعودية"، ولكنهم صُدموا بعد ان وقف الشعب صفا واحدا وراء اغلب الكتل السياسية الصادقة والتي لها وزنها التمثيلي والشعبي، وليس وراء اولئك المرتهنين الصغار الذين يعيشون من فتات مكارمهم ومن أموال حقائبهم السوداء الخشبية، وذلك رفضا للتمديد الذي ارادوه استكمالا لمشروعهم في تمديد اللاوجود واللاقرار.

فلتفهم السعودية!..

لقد حاولوا شراء قرار الجيش بمحاولة تحييده عن مواجهة الإرهاب في جرود عرسال التي ارادوها ومنذ اليوم الاول للازمة في سوريا، مرتعا لمسلحين ارهابيين اختطفوا البلدة والجرود وهددوا الدولة والوطن والجيش واسسوا نواة امارة تكفيرية جعلوها نقطة تجمّع ونقطة ارتكاز جاهزة دائما كي تنقضّ غربا تأسيسا لقاعدة وهابية ارادوها شبيهة بقواعد اخرى خلقوها في العراق واليمن وسوريا، وايضا جعلوها قاعدة عسكرية جاهزة كي تنقضّ شرقا وتلتحق مع مجموعات اخرى في معركتهم الاساس ضد الجيش والدولة والشعب في سوريا، وايضا صُدموا بعد ان رأوا الجيش الوطني يقف سدا منيعا في مواجهة الارهابيين الذين قاتلهم شر قتال وبعثر خلاياهم واوقف اغلبها وشرذم وحداتهم وعناصرهم وذلك بعد ان سقط منه شهداء ووقع له اسرى في معركة غدرٍ دعموا فيها المسلحين وضغطوا على الجيش وقيادته في لعبة قذرة خبيثة كان عنوانها من جهة تهديد بالفتنة وبانقسام الجيش، ومن جهة اخرى وعود بهبة فورية ذهبت ادراج الرياح.

لقد حاولوا ايضا شراء قرار الدولة، فكانوا يراهنون على انصياعها لقراراتهم ولسياستهم، واول الغيث كان في ادخال لبنان دون ان يدري او ان يكون لديه إرادة في تحالف عربي اسلامي بقيادتهم تحت شعار محاربة الارهاب وذلك بطريقة فوقية فيها الكثير من عدم الاحترام ومن الاهانة حيث ادعوا كذبا انهم يملكون موافقة الحكومة اللبنانية، وايضا حاولوا من خلال رهن قراراتها الخارجية خدمة لمشاريع الجنون والعبث بأمن العرب والاسلام متناسين ان لبنان بمعظمه اكبر من ان ينجرّ الى فتنة رخيصة، وان الشعب البناني يملك من الحكمة ومن الوعي ما يجعله محصّنا ضد مشاريع الشرذمة والتفرقة، ولكنهم صُدموا بعد مواقف وزير الخارجية اللبناني الاخيرة التي رفض فيها الانجرار وراء معسكر الفتنة ولم يترك من خلال قراراته الجريئة والتي هي تعبّر اساسا عن السياسة الواقعية للحكومة اللبنانية والتي ارستها في اكثر من مناسبة، مجالا لأية فرصة او امكانية لخلق مواجهة داخلية تكون نواة لصدام يتفق الجميع على رفضه وعلى ابعاده.

هذا ما ارادوه من هذه الخديعة (المكرمة) التي دوّخت الدولتين اللبنانية والفرنسية بتحضير اللوائح والجداول وبتأليف اللجان العسكرية والادارية وبتجهيز الدراسات حول ما يحتاجه الجيش اللبناني وما هو متوفر حاليًّا من اسلحة في مخازن الجيش الفرنسي وما هو بحاجة لتصنيع وتجهيز من قبل شركات التصنيع في فرنسا، وهكذا وبسحر ساحر ألغوا هذه الهبة التي كانت فرصة ادبية، كتب فيها الكثير من شعراء البلاط القصائد والمعلقات حول الكرم العربي الاصيل، وحول الأبوة والأخوة النادرة الوجود، وحول رعاية وعناية واهتمام صاحب الجلالة بلبنان وشعبه وجيشه.

واخيرا، هل سيفهم هؤلاء ما معنى أنَّ في لبنان غالبيَّة من شعب لا يمكن شراؤهم بأموال الذل والعار، وفي لبنان مجموعة ليست بسيطة من قيادات وزعامات لها وزنها وتاريخها المشرّف، غير تلك المرتهنة الرخيصة التي يعرفونها ويتعاملون معها، وفي لبنان أيضًا مقاومة بطلة لا تبخل بدمائها في سبيل حماية لبنان والزود عنه، وهناك في لبنان جيش وطني متماسك لديه عقيدة شريفة والتزام صادق بالوحدة وبالعيش المشترك، جيش يعرف العدو من الصديق ولديه الكثير من الكرامة والقوة والحرفية ما يغنيه عن الكثير من الاسلحة والاعتدة المتطورة والمشبعة بالارتهان الدنيء وبالذل والخنوع.

2016-02-22