ارشيف من :خاص

لو اعتذرت السعودية.. هل نسامحها؟

لو اعتذرت السعودية.. هل نسامحها؟

على السعودية أن تعتذر للبنان لمئة سبب وسبب؛ إلا أن السبب الأبرز يكمن في أن مملكة الصمت والظلمة تعاملت وطوال عقود من الزمن مع لبنان على أنه الساحة المثلى لممارسة سياسة التحكم المفضلة لدى آل سعود وعلى كافة المستويات السياسية والعسكرية والتجارية.. إنها سياسة تجارة النفوذ والتسلط والتهديد التي خلَّفت دماءً وخرابًا في البلد الصغير.

لو اعتذرت السعودية.. هل نسامحها؟

الملك السعودي

 

تمويل الحرب الاهلية

لا شك لدى معظم المراقبين والمحللين والعالمين بخفايا الحرب الاهلية اللبنانية ان السعودية كانت من ابرز ممولي الحرب الاهلية . الامر يصنف في خانة الحقائق البديهية  ولكن المكتومة حول الحرب التي دفع ثمنها لبنان اكثر من مئة الف ضحية . يعرف المواكبون والمطلعون على مجريات المعارك وكواليسها دور جهاز المخابرات السعودي انذاك وعلى رأسه  كمال ادهم يساعده رجال اعمال  كانوا  يتولون نقل امراء الحرب  اللبنانيين عبر طائراتهم الخاصة ويدفعون  لهم ثمن السلاح الذي كان يفتك قتلا وذبحا بالابرياء. هؤلاء الذين قتلوا ظلما وعدوانا وذووهم يستحقون  ان تعتذر المملكة لهم .


والحق يقال ان السعودية كانت من ابرع تجار الحروب والمستثمرين فيها . استفادت من كونها -اضافة الى اسرائيل- ذراع الولايات المتحدة الاميركية في المنطقة . من هنا كان التقاؤها في الاهداف مع العدو الصهيوني امرا طبيعيا في الكثير من محطات المنطقة . الحرب الاهلية اللبنانية احداها .  وضرب المقاومة الفلسطينية هدف مشترك . لاجل ذلك كان الاستثمار السعودي في القوى التي تولت ضرب هذه المقاومة.


 يتحدث  الكاتب الفرنسي الان مينارغ في كتابه "اسرار وخفايا حرب لبنان " عن الدعم السعودي لبشير الجميل بالمال والسلاح لمواجهة المقاومة الفلسطينية . يستنتج من هذه الوثائق التي تؤكدها شهادات من شاركوا في الحرب ان القوات اللبنانية كانت مشروعا استثمرت فيه السعودية الى ابعد الحدود . والمجازر التي ارتكبها هذا الفريق ابان الحرب الاهلية كانت بسلاح سعودي او اشتري بمال سعودي . لاجل ذلك ايضا يجب على المملكة ان تعتذر .


استمر الدور التمويلي والتسليحي السعودي حتى العام 1982 تاريخ الاجتياح الاسرائيلي لبيروت . كانت  السعودية عالمة بموعد الاجتياح واهدافه .  من غير المستبعد ان تكون حضرت في المطيخ الاميركي لذلك الحدث الجلل كما حضرت وتواجدت في الميدان من خلال جناحها العسكري  الميداني اي قوات بشير الجميل . بعد تحقيق الهدف الاميركي  السعودي الاسرائيلي المشترك  بضرب المقاومة الفلسطينية انتقلت السعودية الى مرحلة جديدة من تجارتها الحربية على الارض اللبنانية .

 

مجزرة بئر العبد


مولت السعودية الاطراف المتقاتلة انطلاقا من القاعدة التي تقول ان حجز حصة في السلم لا يتم الا من خلال الاشتراك بالحرب . وهذا ما حصل . قبض السعوديون ناتج استثمارهم حصة وازنة في السياسة مثلها وصول رفيق الحريري الى رئاسة الحكومة بصلاحيات ونفوذ كبيرين  . وفي مرحلة ما بعد الاجتياح او ما قبل الطائف لم تغب السعودية عن المشهد .

صحيح ان الدور السعودي الاسود في  تلك المرحلة لم يتم توثيقه بدقة، الا ان جريمة تفجير بئر العبد  التي استهدفت في العام 1985  العلامة السيد محمد حسين فضل الله ، وجدت طريقها الى   الضوء . تفاصيل التخطيط لها ، ذكرها الكاتب الاميركي بوب وودوورد  في كتابه "الحجاب" .  تحدث وودوورد عن تمويل  السعودية في تلك المرحلة لعدد من عمليات جهاز الاستخبارات الاميركية . اما عملية بئر العبد فقد تولى بندر بن سلطان تحويل مبلغ 3 ملايين دولار الى حساب مصرفي سري في سويسرا لتمويلها بعد الاتفاق عليها بين الطرفين  الاميركي والسعودي . ويشير الكاتب الاميركي الشهير الى ان بندر اصيب بمغص في معدته عندما فشلت العملية باغتيال السيد فضل الله. الا ان جفن الامير السعودي لم يرف لمقتل عشرات الشهداء من الاطفال والنساء والرجال العزل .  هؤلاء ايضا مدينون لامراء مملكة الصمت بالاعتذار وطلب المسامحة .


لم يتوقف استهداف السعودية الدامي للبنان مع انتهاء الحرب . كما لم يتوقف التنسيق السعودي الاسرائيلي وان كان بطريقة غير مباشرة ودائما عبر الاخ الاكبر الاميركي . ففي العام 1996 كانت السعودية من ابرز الدول التي شاركت في لقاء شرم الشيخ الشهير الذي اتخذ قرارا بتصفية المقاومة الاسلامية  في لبنان . هكذا غطت السعودية عدوان عناقيد الغضب سياسيا  وكانت شريكة في المسؤولية عن دماء الابرياء التي سفكها الاسرائيليون  في قانا واخواتها . السيناريو نفسه ولكن بوقاحة سعودية اوضح يتكرر في العام 2006 . كانت اسرائيل تلقت ضربة قوية واستراتيجية في العام 2000 . استدعى الامر تزخيما للدور السعودي في محاولة لاسترجاع توازن تريده واشنطن في المنطقة حماية لذراعيها الاسرائيلي والسعودي . 

لذلك كان دور السعودية في حرب الـ 2006 اكثر وضوحا وحضورا . شارك السعوديون في التمهيد والتغطية السياسية  وعملوا على استنفار ساحة نفوذهم في الداخل اللبناني  لتنفيذ القرار الاميركي الاسرائيلي السعودي بالقضاء على المقاومة خدمة لمشروع الشرق الاوسط الكبير المأمول.  الذين قضوا في حرب تموز يستحقون الاعتذار من المملكة  حتى ينقطع النفس .

 

الافساد الاعلامي والمالي


عملت السعودية ضد المقاومة بحقد وكراهية . لا غريب في الامر فمملكة الصمت لا تحب المنتصرين الاعزاء بقدر كرهها للحريات على انواعها . لاجل ذلك جهدت السعودية لافساد الحياة الاعلامية وتلويث اجوائها . مارست السعودية في هذا السياق تجارة في مجال الذمم والنفوس والاقلام . وقد لاقت تجاوبا من بين اعلاميين لبنانيين لا يقل عن تجاوب امراء الميليشيات . اصطف اعلاميون امام اعتاب السعودية ليتقاضوا المخصصات المالية  . يمتلىء الوسط الاعلامي بقصص لا تنتهي عن المبالغ الشهرية التي يتقاضاها اعلاميون باتوا يعرفون باعلاميي "الباي رول". تجارة النفوذ هذه مارستها السعودية منذ زمن طويل في الفضاء الاعلامي اللبناني. اتخذت زخما كبيرا في زمن الصراع بين الزعيم جمال عبد الناصر والملك فيصل ووصلت الامور الى ذروتها بعد انتصار الثورة الاسلامية الايرانية . عندها استنفرت السعودية اسلحتها لمواجهة الحدث الذي غير وجه المنطقة . تولى الامير سلمان بن عبد العزيز (الملك الحالي) مسؤولية الاعلام الخارجي في المملكة ووضعت في تصرفه مليارات الدولارات لشراء الاقلام والشاشات . ولقد كان نصيب لبنان كبيرا ما ادى الى تشويه الاعلام اللبناني دورا ووظيفة ورسالة . بسبب هذه الجريمة لا بد للسعودية من تقديم الاعتذار .


اما تجارة النفوذ السياسي  من خلال المال السياسي في الانتخابات النيابية والتشريعية وتمويل احزاب لبنانية مقابل اداء ادوار سياسية تخدم السعودية فهي من القضايا التي يعرفها الصغير قبل الكبير . لقد حولت السعودية حرية التظاهر والاصوات الانتخابية الى سلع تباع وتشترى وتخضع لاليات السعودية في  العرض والطلب.  هكذا امعنت السعودية في تعميم التصحر السياسي والاعلامي ما يتطلب اعتذارا من مملكة الصمت والظلمة .


اما سردية الهبات والمساعدات السعودية للبنان واللبنانين فلها نسخة مغايرة ومنقحة. حقيقة الامر ان السعودية لم تكتف بالفساد والافساد في السياسة والاعلام بل امتدت يدها الملوثة الى الاقتصاد اللبناني . نهبت السعودية لبنان من خلال رؤوس الاموال السعودية التي تم ايداعها في المصارف اللبنانية مقابل فوائد خيالية لم يكن بامكان السعوديين الحصول عليها في اي بلد من البلدان . استفاد السعوديون من الريوع المرتفعة والفوائد المتضخمة ودعموا سياسة اقتصادية نفذتها الحريرية السياسية وادت الى افقار البلاد والعباد . من اجل ذلك كله لو قامت السعودية بالاعتراف والاعتذار وطلب المسامحة.. هل يقبل منها اللبنانيون ذلك؟!

 

2016-02-27