ارشيف من :آراء وتحليلات

أين ’التضامن العربي’ من مأساة النازحين؟

 أين ’التضامن العربي’ من مأساة النازحين؟

بدأت أوروبا تتجه إلى مسار عنصري بشأن النازحين القادمين إليها عبر تركيا، لاسيما أولئك الفارين من الحرب في سوريا. خاصة بعد اندلاع مواجهات، بين الشرطة الألمانية ومجموعات مشاركة في مظاهرة نظمتها "حركة أوروبيين وطنيين ضد أسلمة الغرب" (بيغيدا) في مدينة كولونيا، احتجاجًا على تصرفات النازحين. وقد ركزت القوى المناھضة لميركل والجماعات المعادية للأجانب واللاجئين في نسق واضح على إثارة الغرائز الفردية والجماعية ضد من أسمتھم "أجانب قدموا إلى بلادنا للاعتداء على شرف زوجاتنا وبناتنا وأخواتنا".

 
ثمة رسالة واضحة حملتھا أحداث كولونيا، وھي أن أياماً صعبة تنتظر المقيمين والمھاجرين الجدد، وتزايدت أصوات السياسيين في برلين الذين يدعون الى القيام بخطوات عملية ضد الأجانب. كما كثرت التساؤلات وسط الجمھور عن سياسة المستشارة الألمانية إزاء اللاجئين السوريين: ھل ألمانيا على يقين أنھا قادرة على معالجة تدفق اللاجئين؟ وھل لديھا الشجاعة أو الرغبة لتصير الدولة الأوروبية التي لديھا أكبر عدد من المھاجرين؟


الأسئلة كثيرة، لكن، الشيء الأكيد في المقابل ھو أن المستفيد منھا أولا، أحزاب اليمين المتطرف، وأطياف متعددة من جماعات وتيارات معروفة بأيديولوجية الإسلاموفوبيا ومعاداة وكراھية الأجانب من الإثنيات والأديان الأخرى. أما المتضررون فھم بالدرجة الأولى اللاجئون من نساء وأطفال سوريين.


ألمانيا لم تعد كما كانت عليه قبل أحداث كولونيا، فالجماعات المعروفة بخطابھا المعادي للأجانب ومعھا الفاشيون الجدد والعنصريون والشعبويون تلقفوا فورة الغضب الاجتماعية من اللاجئين الذين تصدر عنھم في كل يوم في المولات وقطارات الأنفاق والأوتوبيسات العامة، تصرفات غريبة تتعارض مع طبيعة القيم الأوروبية والحياة الألمانية المتسمة بالانضباط الدقيق في السلوك في الأماكن العامة، وسخّروھا لبث الكراھية ضد المھاجرين واللاجئين، بخاصة من أصول عربية وإسلامية، وتأليب الرأي العام ضد السلطة الحاكمة والمستشارة ميركل شخصياً في سياق منظم لتھيئة المجتمع للانتخابات العامة التي ستجرى خلال العام الحالي. ويحذر خبراء السياسة وعلماء النفس من إمكانات متزايدة لوقوع المجتمع بغالبيته في فخ التشدد السياسي الذي نصبته الأحزاب اليمينية المتشددة والشعبوية.

 أين ’التضامن العربي’ من مأساة النازحين؟


حالة القلق والاضطراب النفسي والاجتماعي التي تجتاح أوروبا بفعل تدفق لاجئي الشرق الاوسط، وبعد الھجمات الإرھابية التي تعرضت لھا باريس، والشلل الذي أصاب بروكسل عاصمة بلجيكا وعاصمة الاتحاد الأوروبي، أظھرت مدى انكشاف المجتمعات الأوروبية على خطر الارھاب ومدى انحسار القوة العسكرية للدول الأوروبية التي شھدت 70 سنة من السلام منذ نھاية الحرب العالمية الثانية، الأمر الذي أوجد انطباعاً خاطئاً عن نھاية الحروب والأخطار الخارجية، وقلل قيمة مركزية السيادة القومية، لتتماشى مع عالم جديد انحسرت فيه أھمية الحدود بين الدول.


لذلك دعت أوروبا إلى عقد مؤتمر لندن الدولي "لدعم سوريا والمنطقة" ولمواجهة أزمة تدفق اللاجئين على بلدانهم ولتفادي آثارهم الكارثية على مجتمعاتهم. غوردون براون كتب في "الغارديان البريطانية": "يجتمع زعماء العالم في لندن لمواجھة كبرى الأزمات الإنسانية منذ الحرب العالمية الثانية، ثمة حاجة ماسة الى التفكير في خطة ذات نطاق واسع لمواجھة الفوضى التي أثارھا نزوح 12 مليون سوري عن منازلھم. عملية الھجرة الجماعية من شرق المتوسط وغرب البلقان الى أوروبا تشمل اليوم عائلات بأكلمھا فقدت الأمل في إمكان العودة الى منازلھا. وھي تفضل مخاطر السفر الى أوروبا على العيش في مخيمات اللجوء في لبنان وتركيا والأردن... من أجل تشجيع السلام وحماية الأطفال من الوقوع في التطرف ووقف تدفق اللاجئين الى أوروبا، ثمة حاجة ماسة الى رؤيا كبيرة تساوي ضخامة التحدي".

مؤتمر لندن للاجئين حضره سبعون دولة، بالإضافة إلى منظمات اقتصادية وإنسانية وھيئات من القطاع الخاص، بـ"مزاد علني"، جمع تعھدات بدفع نحو 11 مليار دولار حتى العام 2020، لمعالجة ذيول أزمة النازحين الى دول الجوار، ومنھا لبنان، وبـ"وعود" بمزيد من الدعم لدول الجوار التي تعاني من ارتدادات اقتصادية خطيرة، لا سيما في لبنان والأردن.   
وأوضحت المصادر أن "ھناك تغييراً بدأ يلفح عقول الأوروبيين والأمم المتحدة بجدية التعامل مع أزمة النازحين، وحصل تغيير مفصلي في مقاربة المشكلة وھو ينطلق من فكرة دعم المجتمعات المضيفة دعماً تقنياً وفنياً ومالياً، وأن الأزمة باتت أشد من أن تعالج بمساعدات غذائية وبطانيات وخيم لا تستر من برد ولا تقي من حر".


كما كشفت مصادر مواكبة لاجتماعات مؤتمر دعم النازحين السوريين الذي عقد أخيراً في لندن أن الدول الأوروبية المانحة ضغطت في اتجاه رسم خطط لاستيعاب النازحين السوريين داخل بلدانھم أو في دول الجوار، تمتد على فترة زمنية حدھا الأدنى خمس سنوات وحدھا الأعلى عشر سنوات. وأوصت بصرف أموال المانحين الأوروبيين لإقامة بنى تحتية تخدم اندماج النازحين السوريين بالدول المضيفة لھم لعقد من الزمن. ولضمان تنفيذ ھذه الخطط تشدد المانحون الأوروبيون في موضوعين:
-    الأول أن تصرف الأموال المخصصة لإنشاء ھذه البنى في الدول المضيفة، من خلال الجمعيات الأوروبية مباشرة وليس عن طريق الحكومة اللبنانية.


-    الثاني دفع دول الجوار السوري المضيفة للنازحين السوريين، إلى إجراء تعديلات على "سلوكھا المتبع تجاه النازح السوري". بمعنى آخر، الضغط على حكومات ھذه الدول لالتزام تطبيق "مواصفات معايير حقوق الإنسان" نفسھا التي يتمتع بھا اللاجئ في دول أوروبا على النازح السوري في بلدانھا.


بالتزامن مع مؤتمر لندن، منظمة "الإسكوا" أصدرت تقريرا بالتعاون مع المنظمة الدولية للھجرة يظھر أن عدد اللاجئين السوريين في لبنان بلغ مع نھاية شھر آذار 2015 مليونا و186 ألف نازح، في حين وصل عدد اللاجئين الفلسطينيين مع مطلع سنة 2016 الى ما يوازي 450 ألف لاجئ فلسطيني. وأشار التقرير أيضا الى استقبال لبنان لنازحين عراقيين، إضافة الى بعض العاملين الأجانب الذين وفدوا من دول مجلس التعاون الخليجي، علما أن التصنيف الدولي للبنان ھو أنه بين الوجھات العشر الأھم للاجئين العرب في العالم مع عدد إجمالي للاجئين يناھز 26 في المئة من عدد سكان لبنان في نھاية النصف الأول من العام 2013 . كذلك اعتبر التقرير أن لبنان ھو ثاني أكبر دولة مضيفة للاجئين في منتصف العام 2014 مستقبلا مع الأردن الحصة الأكبر من اللاجئين في العالم.


 باختصار أوروبا تتجه اكثر نحو العنصرية وطرد النازحين. وهي تعمل من اجل تثبيتهم في دول الجوار السوري المضطرب خاصة لبنان والأردن .  وما نشهده في لبنان هو سباق بين مشروعين: الأول احتواء التوترات للحفاظ على الاستقرار وضمان بقاء النازحين لابعادهم عن أوروبا العنصرية  . الثاني تصعيد الازمات للضغط من اجل تسريع التسوية في المنطقة. وفي الحالتين النازحون ينتظرون التضامن العربي لتسريع الحل السياسي وإيجاد حلول لماساتهم ...وهم يدركون انه لن يأتي .
(1:33:56 PM) إلى.. "علاء سوريا"

 

2016-02-29