ارشيف من :آراء وتحليلات

ازدواجية واشنطن تجاه وقف إطلاق النار في سوريا

ازدواجية واشنطن تجاه وقف إطلاق النار في سوريا

موافقة واشنطن على المقترح الروسي بوقف إطلاق النار أدخلتها في مأزق حقيقي، تحاول الخروج منه عبر الكلام عن خطة بديلة لا يمكنها أن تكون غير الدخول في مأزق جديد.
 
لاعتقادها بأن سوريا لا بد وأن تسعى جهدها لمواصلة العمليات العسكرية التي يخوضها الجيش السوري وحلفاؤه بنجاح باهر في شتى أنحاء البلاد، يبدو أن الإدارة الأميركية لم تكن تتوقع هذه الموافقة المبكرة والسريعة من قبل سوريا على اتفاق وقف إطلاق النار.


توصيفات أم رهانات ؟


إذ ما إن صدرت هذه الموافقة، حتى أطلق جون كيري العنان لتوصيفات هي عين الرهانات الأميركية على إسقاط سوريا. وذلك بشكل يشعر معه السامع بأن الرجل لا يدرك حقيقة ما يجري في سوريا، وأن ذاكرته قد توقفت عن العمل عند تاريخ منتصف آذار / مارس 2011، تاريخ بدء الحرب التي كان من المفترض أن تفضي إلى سقوط سوريا في غضون أيام أو أسابيع قليلة.


فدفعة واحدة، قرر كيري، بعد يوم واحد من الموافقة السورية، وقبل يومين على بدء سريان وقف إطلاق النار، أن سوريا الدولة لم تعد موجودة وأنها قد تحولت إلى كانتونات وطوائف تحكمها جماعات إرهابية، وأن تقسيم سوريا على هذا الأساس قد اصبح بحكم الأمر الواقع.

ازدواجية واشنطن تجاه وقف إطلاق النار في سوريا


والأرجح أن كيري قد نظر إلى الخريطة الروسية التي تبين المواقع الجغرافية التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة في سوريا فوجد أن وقف إطلاق النار قد يساعد في محافظة الإرهابيين على المواقع التي يسيطرون عليها -بشكل أساسي لأنهم يتخذون سكانها دروعاً بشرية- ، وأن محافظتهم على تلك المناطق كفيلة بتحقيق جزء مهم من أهداف الحرب على سوريا، بعد موت الحلم بالسيطرة الكاملة على هذا البلد.


ومن هنا يأتي سعي واشنطن إلى رسم خطوط تماس وحدود جغرافية على أمل فرضها ضمن إطار الحلم الأميركي بتحويل سوريا إلى كانتونات تحكمها الطوائف والجماعات الإرهابية.

نحو النصر الكامل


لكن عدم شمول الهدنة لداعش، من جهة، ومن جهة أخرى لجبهة النصرة التي سعى الحلفاء إلى إدخالها في المفاوضات على أساس أنها معارضة معتدلة، والتي قال عنها وزير الخارجية  الفرنسي، لوران فابيوس، بأنها "تقوم بعمل جيد"، مع كونها مصنفة أميركياً على لائحة التنظيمات الإهابية، يعني أن تقدم الجيش السوري وحلفائه سيتواصل في المناطق التي يحتلها هذان التنظيمان الإرهابيان، في حين ستتواصل المصالحات في المناطق المشمولة بالهدنة وذلك بشكل ينبيء بأن الأوضاع تتطور نحو نصر كامل وقريب نسبياً لسوريا وحلفائها.


ومن الطبيعي أن تثير مثل هذه العاقبة حنق أعداء سوريا إبتداءً من كبيرهم الإميركي وانتهاءً بأصغر صحافي أومثقف ممن يعرف الجميع كم تبلغ أثمانهم في سوق النخاسة الإعلامية.
كبيرهم الأميركي مكره على القبول بالتفاوض وبالهدنة لأنه يرى أكثر من غيره كيف أن ميدان المعارك الديبلوماسية والعسكرية يقود حتماً نحو هزيمة المتحالفين ضد سوريا.


الآخرون، من تركيا التي باتت على وشك أن تخسر نهائياً كل فرصة للنفوذ في سوريا، والسعودية التي لم يعد بإمكانها منذ مدة طويلة أن تحلم بمثل هذا النفوذ، وأوروبا الغربية التي يدفعها اليأس إلى الطموح ببصرها نحو تعميق نفوذها في ليبيا وسائر إفريقيا، لم تعد لهم من وسيلة غير أن يزمجروا من خلال قرع طبول حرب وتدخلات عسكرية في سوريا تعلم واشنطن أنها ستكون وبالاً أكيداً عليهم، في وقت بلغت فيه نيران حرب اليمن جلابيب الأمراء السعوديين، في حين احتلت تركيا الموقع الأول بين بلدان المنطقة المرشحة للتفتيت والتقسيم.


التهديدات التركية والسعودية بالتدخل تضاءلت بشكل ملحوظ بعد أن بدأ جون كيري بالتبشير بخطة "تطمينية" جديدة فيما لو لم تكن سوريا وحلفاؤها جادين في البحث عن تسوية سياسية. وهذه الخطة التي ستدخل حيز التنفيذ، على ما يقوله كيري، في غضون شهر أو شهرين، يتنبأ المراقبون بأنها قد تشتمل على تدخل عسكري مباشر من قبل واشنطن في الحرب على سوريا.
تدخل عسكري مباشر ؟ أغلب الظن أنه لن يكون شيئاً مختلفاً عن ذلك التدخل الذي  كان أوباماً مزمعاً على القيام به في أواخر آب / أغسطس 2013، قبل أن يتراجع عنه خوفاً من توسع رقعة المواجهةمع حلفاء سوريا الإقليميين وتحت وطأة جدية موسكو في التصدي الحازم للعدوانية الأميركية.


وفي خضم هذه التطورات، يبقى التشكيك بنجاح وقف إطلاق النار من قبل واشنطن وحلفائها سيد الموقف. ولا يقف الأمر عند حدود التشكيك بل يتجاوز ذلك إلى التهديد التركي بالرد على أي هجوم قد يشنه الأكراد (؟!). هل يعني ذلك أن تركيا سترد على أي هجوم قد يشنه الأكراد على داعش أو النصرة ؟ الإجابة نجدها في التعاون الواضح بين تركيا وداعش التي تقصف الأكراد من موقع متاخمة للحدود التركية، كما نجدها أيضاً عند الجماعات الحليفة لواشنطن والتي تقاتل إل جانب جبهة النصرة.
إجابة ليس فيها أي جديد : واشنطن وحلفاؤها يجتمعون مع داعش والنصرة على قضية واحدة. والمهمة التي يعملون عليها الآن هي إفشال وقف إطلاق النار. ولماذا يتوقف إطلاق النار طالما أن واشنطن تجد في المنطقة جهات مستعدة كالسعودية وتركيا وجماعات الإرهاب للقتال حتى النفس الأخير خدمة لمشاريع الهيمنة الأميركية ؟

2016-03-02