ارشيف من :آراء وتحليلات
عندما تفقد المملكة اعصابها وتوازنها!
ليس سهلًا ما نشهده من غليان وضياع وتخبّط في ادارة المملكة العربية السعودية لسياساتها ولنزاعاتها ولحروبها يمينًا ويسارًا وعلى كافة الاصعدة ، فهي تبدو كمن يسابق الزمن قبل الانهيار ، او كمن يهرب الى الامام تأخيرًا لسقوط اصبح حتميًا ، يظهر التسليم به حتى من داخل الحلقة الضيقة لعائلة آل سعود الحاكمة حيث تراهم كمن فقد اعصابه او كمن تخلى عن الحد الادنى من الهدوء والحكمة والروية المطلوب عادة في ادارة وممارسة السلطة.
بداية ، لا يمكن لأي مراقب أو باحث يتمتع بدرجة مقبولة من القدرة على التحليل والمتابعة الا ان يستنتج التدخلات الفاضحة للمملكة في السياسة الداخلية لاغلب الدول الاسلامية والعربية ، اقله في الدول المحيطة فيها والتي تشكل محور نزاعات المنطقة كاليمن وسوريا والعراق ولبنان وامتدادا الى دول ساحل افريقيا الشمالي، التي يبدو انها تجهزه لان يكون ميدانا ملتهبا في الفترة القريبة القادمة.
هذه التدخلات المكشوفة والتي تمثلت بمحاولة فرض قراراتها في تحديد السلطات الدستورية والرسمية في الدول المذكورة، حيث خرّبت الدنيا في كل من اليمن وسوريا والعراق وحتى في لبنان في هذا الاتجاه، وعملت على عرقلة كافة مشاريع التسويات الداخلية في تلك البلدان من خلال شراء الذمم الدنيئة، بعد أن رهنت قرارات الضعفاء من بعض رجال السياسة والمسؤولين، والعملاء من اصحاب وسائل الاعلام ، وذلك باموال منظّمة بطريقة جعلتها تتحكّم في استغلالها والاستفادة منها باسلوب التهديد بالفضائح وبكشف هذا الارتهان الرخيص ، فامسكت بذلك هؤلاء على رقابهم ، وانقادوا يروّجون لسياساتها وللدفاع عن " حنانها وكرمها " مخدّرين مغلوب على امرهم .
تابعت تحكّمها في تلك البلدان وفي الميدان الدولي من خلال استعمال اساليب قذرة ليس اقلّها امساكها بالارهاب وتوجيهه في سبيل تحقيق تلك الاهداف ، وذلك من خلال رعاية نشأته في مدارسها التكفيرية المتشددة والتي ساعدته بطريقة مباشرة لكي يتمدد وينتشر بعد ان حمتّه من المراقبة الامنية الدولية وموّلت نشاطاته واعماله تحت غطاء مساعدات دينية برِعت في اخفاء اهدافها الحقيقية ، وساعدته ايضا بطريقة غير مباشرة بعد ان غضّت النظر عن اذرعه وكوادره وانتحارييه من خلال عدم ضبطه او عدم متابعة تمدده عبر معابرها الحدودية خارج المملكة ، فانتشر ابناء هذه المدارس الوهابية التكفيرية في المحيط القريب وفي العالم يعيثون اجراما وقتلا وارهابا ، وما النسبة المرتفعة من اصحاب الجنسية السعودية من الارهابيين ، انتحاريين او مخطّطين او منفّذين الاّ اصدق دليل على هذه الحماية والرعاية الابوية لهؤلاء ابناء ابن تيمية مثل بن لادن والبغدادي والزرقاوي وغيرهم من " ابطال وقادة " القتل والدمار .
لم تكتف المملكة بما قدمته للارهاب الذي ضرب شرقنا الجميل، شرق الالفة والتعايش بين الثقافات والاديان والحضارات، والذي أمسى بفضلها جحيما ، بل تنكّرت وبكل وقاحة وفجور لقضايا العرب والاسلام وعلى رأسها قضية فلسطين، القضية الام ومحور الصراع مع العدو الاسرائيلي ، فكشفت عن علاقة كانت سرية حتى الامس مع العدو الاسرائيلي ، علاقة ملتبسة ، تبين انها كانت قديمة وممتدّة لوقت ليس ببسيط في التاريخ القريب ، في الاتصالات وفي التوجه وفي تنفيذ اجندات واهداف مشتركة في الصراع مع هذا العدو من خلال تغطيتها ولاكثر من مرة لمحاولات فرض مشاريع التطبيع والتنازل عن الحقوق ، علاقة فضحت ما كان يواكب حروب المقاومة ضد هذا العدو من تدخلات ودسائس في اروقة المؤسسات الدولية.
وتوجت هذا التواطؤ اخيرا بما عبّرت عنه وما عملت عليه ، ومن خلال ديبلوماسية دنيئة باخضاع بعض العرب المرتهنين الصغار لتغطية قرار صهيوني بامتياز ، لطالما سعى اليه الكيان الصهيوني باعتبار حزب الله منظمة ارهابية ، هذا الحزب المقاوم الذي تفرّد تقريبا لوحده باعطاء العرب بعضا من كرامة فقدوها في صراع خاسرمع العدو ، عندما واجه وقاوم وانتصرعلى من هزمهم وشتت حقوقهم ومصالحهم في حروب ضائعة لم تكن المملكة بعيدة عن المساهمة فيها.
واخيرًا، ما بين تدخلاتها الفاضحة وضغوطها الوقحة في تحديد وتوجيه وتكوين السلطات في أغلب الدول المذكورة ، وما بين رعايتها ومواكبتها ومساعدتها للارهاب في المنطقة وفي العالم ، (بشهادة مجموعة من الجمعيات والمنظمات والمؤسسات الدولية الخاصة والرسمية )، وما بين خيانتها وتنكرها للحقوق العربية والاسلامية من خلال ارتمائها باحضان الكيان الغاصب والعمل على جرّ اخوتها الصغار في ركاب هذا الارتماء والتطبيع ، وما بين هذه الحرب الوسخة التي تشنها اعلاميا واقتصاديا وديبلوماسيا وارهابيا على محور المقاومة بشكل عام وعلى حزب الله بشكل خاص ، سوف تجد نفسها وعما قريب باذن الله ، وبنتيجة طبيعية ومنطقية وواقعية وعادلة لما صنعت يداها من اثمٍ ، سوف تجد نفسها في موقع الافلاس الاخلاقي والمعنوي والمادي ( حيث ان انهيارها الاقتصادي يسير بخطى واضحة )، تتخبط في لعنة جرائمها بحق اطفال اليمن الفقراء ، و لاجئي سوريا المقهورين ، ومعذبي ومظلومي العراق المهدورة دماؤهم بفظائع ارهابها وظلمها ، والتاريخ لناظره قريب.