ارشيف من :آراء وتحليلات
أفغانستان: صراخنا أضخم من أصواتنا.. وسيفنا أطول من قاماتنا
"العقل يستدعي المعارف"، هكذا كان يقول لي أستاذي في كلية الفلسفة عندما كنتُ طالباً بالجامعة اللبنانية ببيروت، وبالفعل "العقل يستدعي المعارف" فعندما كنت أتابع كلمة مستشار رئيس الوزراء الباكستاني للشؤون الخارجية سرتاج عزيز أمام لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي الأسبوع الماضي، وتصريحه "على راس السطح " أن باكستان تأوي قادة لحركة "طالبان"، فضلاً عن طمأنته طبعاً للمُضيف الأمريكي بأن باكستان قادرة على لعب دور فاعل بعملية السلام الأفغانية ودفع حركة "طالبان" للمشاركة بالحوار المباشر مع الحكومة الأفغانية، بحركة انتقال ذهني تلقائية استحضرت موقف مهندس اشتهر بمعرفته بالحركات "الجهادية" إبان الاحتلال السوفياتي وهو رئيس الاستخبارات الباكستانية السابق العميد حميد غُل.
حميد غُل غداة هجمات11 ايلول/سبتمبر، ودفعاً للشبهات والحرج أمام واشنطن قال:11 سبتمبر مؤامرة يهودية. كان لافتاً يومها هذا التصريح ويظهر بوضوح حجم الإرباك في اسلام آباد .
بيد أن اسلام آباد اليوم، جهاراً نهاراً، ومن واشنطن تعلن على لسان سرتاج عزيز أن بلاده تأوي قيادات من "طالبان"، وهي الأقدر على جلب الحركة إلى طاولة الحوار الأفغانية المصنوعة أمريكياً ، لاسيما بعد أن استطاعت باكستان دفع الأمور في "طالبان" نحو تعيين المُلا أختر منصور الرجل الأقوى في "مجلس شورى" الحركة خلفاً للزعيم الشبح المُلا عمر، مع ملاحظة أن المجلس وقياداته متواجدون في مدينة كويتا الباكستانية.
هذه المحطات التي مررنا عليها بالإمكان فهمها على أساس أنها شواهد على دراماتيكية التحول في المنطقة وإرادة اسلام آباد الاستفادة من موقعها الجيوسياسي كبوابة على آسيا الوسطى ومن حاجة واشنطن للدور الباكستاني في أفغانستان إلى أقصى الحدود، على قاعدة "اليوم إلك بُكرا مش إلك " .
في هذا السياق، يُفهم قرار حركة "طالبان" عدم مشاركتها حتى اليوم بحوار مباشر مع الحكومة الأفغانية، بالتزامن مع استمرارها في التقدم العسكري ميدانياً، لاسيما بالجنوب الأفغاني، ما يوحي بأن الجماعة غير مستعجلة، وهي بصدد العمل على تحسين شروط التفاوض على طاولة الحوار من موقع القوي على الأرض، ما ينسجم بل تريده إسلام آباد راعية "طالبان" صراحةً وعلانية كما شمخ سرتاج عزيز معلناً ذلك بدبلوماسية لبقة وجريئة، وفي وجه من؟ في وجه استُنزف ما يربو على 13 عام للقضاء على "القاعدة" و"طالبان".
سبحان الله! لله في خلقه شؤون
على كُلٍ، الضحية دوماً هو الشعب الأفغاني وعلى حساب مستقبل أبنائه، المحرومين من أبسط حقوقهم كالتعليم، فما نسبته 75% ممن يسكنون في الأرياف لديهم فرص أقل في التعليم، وتصل نسبة الأمية بحسب دراسة لموقع "topteny" إلى 64%، وغير ذلك من مآسٍ اجتماعية وثقافية يندى لها جبين الديموقراطية والحريات، لكن أي جبينٍ سيندى وقد جف ماء وجهه.
كما كانت البداية من ذكريات بيروت، أختم ببعض كلماتٍ كنتُ قد قرأتها لعاشق بيروت الشاعر السوري نزار قباني الذي يقول في " هوامش على دفتر الانتكاسة":
إذا خسرنا الحرب … لا غرابة
لأننا ندخلها …
بكل ما يملكه الشرقي من مواهب الخطابة
بالعنتريات التي ما قتلت ذبابة
لأننا ندخلها
بمنطق الطلبة والربابة
السرّ في مأساتنا :
صراخنا أضخم من أصواتنا
وسيفنا أطول من قاماتنا .