ارشيف من :آراء وتحليلات
ما الذي يمنع الجيش اللبناني من بسط سيطرته على الجرود؟
تميزت العملية الأخيرة التي نفذتها وحدة خاصة من الجيش اللبناني على تلة المخيرمية في جرود راس بعلبك بالحرفية العالية عسكريا وامنيا وميدانيا، وقد تمثلت بتنفيذ غارة صاعقة على مركز مراقبة وتحكّم متقدم لتنظيم "داعش" الارهابي، يبعد قرابة 3 كلم عن اقرب مركز ثابت لهذا الجيش.
من الناحية العسكرية، أثبت الجيش وتحديدا عبر وحداته الخاصة أنه يتمتع بمستوى متقدم جدا في اختيار هدف حساس، يعتبر من الاهداف الخطرة كونه مركزًا متقدمًا لعناصر داعش على تلة حاكمة، وهو عبارة عن نقطة استطلاع ومراقبة وتحكّم ببقعة واسعة من التلال ومن المحاور التي تفصل جبهة التنظيم الارهابي مع حدود انتشار الجيش، وهو لذلك يستفيد حكما من جهوزية حماية وحراسة فعالة ومعقدة، مما اعطى العملية هذه الميزة العسكرية اللافتة في القدرة على تنفيذ إغارة على مركز كهذا، وهذا ما اكده ايضا الاشتباك المباشر المتقارب الذي حصل مع حامية المركز والذي اظهرته ايضا الصور الموثقة التي نشرها الجيش لتفاصيل العملية.
من الناحية الميدانية، برهنت وحدات الجيش قدرة وخبرة عملانية في اختيار أهداف حيوية لها تأثير على ميدان الانتشار في تلك البقعة التي تمثل نقطة ارتكاز متقدمة لـ"داعش"، حيث تشكل رأس حربة لتنفيذ مخطط ربط وتواصل وتمدّد، تبعا لاستراتيجية "داعش" الواسعة في كامل حربه في الشرق وتحديدا بين العراق وسوريا ولبنان.
من الناحية الأمنية الاستعلامية، تبين للمراقبين ان الجيش اللبناني يعمل استنادا لخطة استعلامية دقيقة، بناها من خلال قدرات متقدمة في التصوير الجوي وفي الرصد والمراقبة الميدانية، وايضا من خلال معلومات أمنية حساسة حددت معطيات وتفاصيل دقيقة حول عدد وعناصر داعش على مركز المخيرمية ومحيطه وحول امكنة منامة وتمركز عناصره، وحول اسلحة وآليات المركز.
هذه العملية الناجحة واللافتة بدقتها وحرفيتها، والتي تضاف الى العملية السابقة التي نفذتها وحدات من الجيش اللبناني في اوائل شهر شباط المنصرم، واستهدفت مركزا تابعا لعناصر داعش في محلة وادي الارانب في جرود عرسال، والتي تميزت ايضا بالنجاح الكامل حيث تم قتل وجرح والقاء القبض على نحو عشرين عنصرًا من الارهابيين المتمرسين الخطرين في اشتباك مباشر معهم بناء على معلومات استعلامية دقيقة، تشكلان (وخاصة ان التنفيذ تم باسلحة وتجهيزات جوية وبرية متطورة ظهرت بحوزة الجيش) محورا مهما يقتضي التوقف عنده من الناحية الميدانية والعسكرية وهو يتمثل بالتساؤلات التالية:
- ما الذي يمنع الجيش اللبناني من ان يقوم بعملية واسعة تستهدف كامل مراكز المسلحين الارهابيين الذين ينتشرون في بقعة من الاراضي اللبنانية ما زالت محتلة وتشكل خطرا دائما على كامل المحيط من الناحية الامنية والعسكرية؟
- هذا النجاح اللافت في السيطرة على مراكز ارهابية بهذه الخطورة وبهذه الحساسية وبهذه الاهمية الحيوية للمسلحين بعد تنفيذ عمليات نوعية صاعقة، وبنسبة خسائر شبه معدومة لدى الجيش مقارنة مع الاصابات التي لحقت بالارهابيين، الا يشكل حافزا واضحا لدى عمليات الجيش لتكوين فكرة مناورة تتمتع بعناصر ايجابية تصب في مصلحة اتخاذ قرار بتنفيذ مهاجمة واسعة واستعادة السيطرة على تلك البقاع المحتلة من الارهابيين؟
- الا يمكن عزل تعاطف فريق سياسي مع هؤلاء الارهابيين لاسباب مذهبية واقليمية واضحة معينة، في سبيل مصلحة وامن الوطن بالكامل وخاصة امن ومصلحة بلدة لبنانية عزيزة كعرسال تدفع من امانها واستقرارها واقتصادها ومن دماء أبنائها الشرفاء الذين يقتلون غدرا من قبل ارهابيين مجرمين على خلفية "تعاملهم" مع اجهزة امنية وعسكرية لبنانية؟
- ألم يعنِ شيئاً لأحد من اصحاب القرار او ممن تفرض عليهم مسؤولياتهم اتخاذ القرار ، ما نشاهده من محاولات دائمة تقوم بها داعش في كامل اماكن حروبها في الشرق ، ك " إربد " في الاردن مثلا ، او" بن قردان " في تونس مثلا ، او حتى في محاولاتها في الجرود الشرقية والشمالية الشرقية بين سوريا ولبنان حيث نفذ الجيش عملياته المذكورة ، وذلك لخلق ربط وتواصل وتمدد بين خلاياها ووحداتها في دول متجاورة ، وهي مصرة على تنفيذه بشكل متواصل ؟
في الحقيقة ، وبقدر ما تشكل هذه العمليات الناجحة نقاطا ايجابية لمصلحة الجيش وقيادته وعملياته ووحداته الخاصة من الناحية الميدانية والعسكرية ، بقدر ما تزيد من التساؤل ومن الحيرة حول ما السبب الذي يحول دون اتخاذ قرار حاسم هو اصلاً واجب وحق، ويتمتع بكامل مقومات النجاح من الناحية العسكرية والامنية، وذلك بمهاجمة هذه المجموعات الارهابية وتدميرها او طردها من الاراضي اللبنانية وايقاف هذا النزف في هذه البقعة العزيزة من الارض، وتوفير جهود واصابات وحدات الجيش اللبناني وحصرها في تثبيت خط انتشارها على هذه الحدود؟