ارشيف من :آراء وتحليلات
’داعش’ تهدد ليبيا وتونس ...والجامعة العربية تراقب
تنعكس الأوضاع في ليبيا بصورة سلبية على تونس، في وقت يبدو فيه واضحاً أنّ القرار السياسي التونسي يعاني من محدودية الإمكانات والدور. فقد تحولت مؤخراً مدينة بن قردان التونسية القريبة من الحدود مع ليبيا، الى ساحة معركة ومواجھة قوية بين قوات الأمن والجيش التونسية والمجموعات الإسلامية الإرھابية المتسللة من ليبيا. ھذه المعركة أسفرت عن سقوط 35 من الإرھابيين وعشرة من الجنود بينھم قائد فرقة مكافحة الإرھاب.
وقد شكل هذا الهجوم مؤشرا الى طرح أسئلة أكثر جدية عن مدى تأثير انعدام الاستقرار في ليبيا على الدول المحيطة بھا: المجاورة لھا، وخصوصا تونس ومصر، بعدما بات لتنظيم "داعش" قاعدة تمركز فيھا.
- تمدد "داعش" الى دول عربية خارج سوريا والعراق، حيث يتم تضييق الخناق عليه. وما حصل في تونس حصل مثله قبل أسبوع في الأردن في مدينة إربد القريبة من الحدود السورية.
- انتقال تنظيم "داعش" في تونس من مھاجمة المنشآت والأھداف السياحية الى مھاجمة المنشآت الحكومية والعسكرية، وبعدما تحقق لـ"داعش" ھدف استنزاف السياحة في تونس وضرب ھذا القطاع الحيوي، تحول الى ھدف إشغال وإنھاك المؤسستين العسكرية والأمنية.
تقارير تونسية ومصادر أمنية كشفت أن خطة احتلال مدينة بن قردان وإعلانھا عاصمة إمارة "داعشية" تم الإعداد لھا منذ أكثر من شھرين في وسط وغرب ليبيا. ولكن عملية احتلال بن قردان فشلت تماما، وتحولت إلى ملاحقة جماعية شعبية وعسكرية، لفلول المجموعة الأولى من إرھابيي "داعش".
وتفيد المعلومات أن الجزائر ساھمت بقدر كبير في إجھاض المحاولة "الداعشية" في بداياتھا، وقدمت دعما استخباراتيا ثمينا للسلطات التونسية في إطار لجنة الاستخبارات المشتركة بين البلدين. وأضافت أن الجزائر تلقت معلومات من ليبيا حول احتمال تحرك أكثر من 500 عنصر ينتمون إلى "داعش" في ليبيا والصحراء الكبرى عبر المنطقة المشتركة بين تونس والجزائر وليبيا.
ولكن فشل الھجمة الإرھابية على مدينة بن قردان لا يعني نھاية الخطر، وتتركز حالياً جھود المؤسستين الأمنية والعسكرية في تونس، في سباق مع الزمن، على ملاحقة فلول المجموعة الإرھابية التي ھاجمت مدينة بن قردان، وكشف مخابئ الأسلحة والخلايا النائمة التي كانت جاھزة للالتحاق بالنواة الأصلية في الھجوم على المدينة، الذي كان يستھدف اقامة أول إمارة "داعشية" في تونس التي تشھد نموا متزايدا للجماعات الأصولية والمتطرفة حتى أصبحت تشكل أھم رافد للمقاتلين الأجانب المنتشرين في سوريا والعراق وليبيا.
ويقول محللون تونسيون أن القفزة التي حققتھا الجماعات المتطرفة في تونس، خصوصاً "أنصار الشريعة" و"كتيبة عقبة بن نافع" التي بايعت تنظيم "داعش" بعدما كانت مرتبطة بتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، أتت بفضل مرسوم العفو العام الذي سنته حكومة الغنوشي بعد إطاحة بن علي ( 2011، والذي أفرغت بموجبه السجون من الإرهابيين وجميع أصناف الأصوليين المتشددين الذين أعادوا تنظيم الصفوف واستقطبوا مئات الشباب بلا سلطة أو رقيب، وسط شلل المؤسسة الأمنية التي عصفت بھا الثورة وأبعدت قياداتھا عن مواقعھم.
ويعتبر المتشددون التونسيون الذين يقاتلون اليوم في ليبيا مع "أنصار الشريعة" و"داعش" و"فجر ليبيا" مصدر الخطر الرئيسي على بلدھم، إذ تعمل في المناطق الحدودية التونسية مع الجزائر وليبيا شبكات تھريب تجارية كثيرة وواسعة النفوذ. ولعب المھرّبون دوراً محورياً في نقل الأسلحة من ليبيا، وضبط الجيش التونسي مؤخراً مخازن سلاح في مدن وقرى حدودية كان متوجھاً إلى الجماعات المسلحة المتحصنة في جبال محافظة القصرين.
لذلك تجد تونس نفسها مضطرة إلى ضبط تعاملھا مع الملف الليبي قدر الإمكان، نظراً إلى معطيين رئيسيين: ثبات عدم قدرتھا على ضبط حدودھا الطويلة مع ليبيا، في الشقين الأمني والاقتصادي؛ الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعرفھا البلاد وتحتاج إلى الحفاظ على الاستقرار السياسي، وإلى عدم التدخل مباشرة في ملفات تصعب السيطرة عليھا.
لذلك تولي الخارجية التونسية الأولية لتھدئة الوضع في ليبيا بأي ثمن، لضمان استقرار الاقتصاد، وكذلك تجنب تدھور أمني أكبر سيؤثر مباشرة بأمنھا، وھي خائفة من تدخل عسكري جوي لا يقضي على المتطرفين جذرياً، وفيه خطر ھروبھم ولجوئهم إلى تونس. ويقول المحللون: " للبلدان الغربية مصالح متشابكة. كلھا تنوي التخلص من "داعش".
فالأوروبيون خائفون من أن تصبح ليبيا مسلكاً للاجئين مع اقتراب الصيف كما هي الحال بالنسبة إلى تركيا، فللمرة الثانية وفي أقل من أربعة أشھر تنعقد قمة أوروبية طارئة في بروكسل لمناقشة أزمة المھاجرين واللاجئين، حيث باتت تھدد أوروبا جدياً، أضف إلى ذلك الخوف الكبير من تداعي منطقة شنغن وما سيخلف من آثار مدمرة ليس على الاقتصاد الأوروبي وحده بل على التبادل التجاري العالمي، من الصين إلى الولايات المتحدة، لذلك ينظر إليھا الأوروبيون كـ"تھديد وجودي" يستوجب تحركا سريعا لوقف تدفق المھاجرين بعدما تسبب وصول 1.25 مليون طالب لجوء انقساما غير مسبوق داخل الاتحاد.
لكن أوروبا تنظر في الوقت نفسه أيضاً إلى ثروات ليبيا الطبيعية. وبما أن ھذه الدول تخطط على المدى البعيد، فھي تعدّ لما بعد ھذه الفترة، وكل واحدة تفكر في مصالحھا أولا، وبصفة عامة، تتفق ھذه البلدان على وجوب قيام حكومة في ليبيا قبل التدخل، آملة أن الحكومة ستتكفل لاحقاً بالعمل الميداني. لكن الوقت بدأ ينفد.
"داعش" تتقدم في ليبيا وتهدد دول المغرب العربي الكبير ولاسيما تونس. الدول الأوروبية تشعر بان خطر الإرهاب والنازحين يهدد استقرارها . دول المغرب مترددة وعاجزة . والجامعة العربية تراقب وتستقوي على لبنان بدلا من تشكيل جبهة جدية لمواجهة الإرهاب التكفيري الذي يتمدد من المشرق الى المغرب ...