ارشيف من :آراء وتحليلات

تبدُّد الرهانات والبدء بالتحولات

 تبدُّد الرهانات والبدء بالتحولات

برزت في الأسابيع الماضية بعض الخطوات المهمة التي من شأنها إعادة خلط الأوراق، تمهيدًا لفتح الباب أمام دخول المنطقة بمرحلة جديدة تحت العنوان العريض وهو "تبدد الرهانات والبدء بعملية التحولات" في مواقف بعض الدول التي كانت تُعتبر حتى الامس القريب العقده الكأداء في سكة قطار التسويات.

في منتصف ليل السابع والعشرين من شباط/فبراير الماضي، أعلن عن البدء بتنفيذ ما سمي وقف الاعمال العدائية في سوريا، الولايات المتحدة الامريكية وبتوصيف دقيق أفسحت المجال لروسيا للعمل بحرية غير مطلقة باتخاذ كافة الاجراءات وبذل كل الجهود لإنجاح وقف النار والشروع بمباشرة البدء بحوار جدي يشمل مكونات المعارضة السورية لوضع الحل السياسي المرسوم على السكة للبدء بانطلاق قطار التسوية في سوريا.

 تبدُّد الرهانات والبدء بالتحولات

في هذه الاثناء اعلن ديمستورا ان نتائج البدء بالعمل على وقف النار كانت مرضية الى حدٍّ بعيد، وان إعلان روسيا عن انشاء غرفة مصالحة في منطقة حميميم جاءت نتائجه مشجعة جدا على صعيد اتمام مصالحات أو تحول واضح في موقف بعض التنظيمات المسلحة بالاعلان عن انضوائها تحت راية الجيش العربي السوري.

روسيا، وعلى لسان نائب وزير الخارجية الروسي (ريباكوڤ)، أطلقت موقفا لافتا عبّرت فيه عن امكانية تأييد اعتماد النظام الفدرالي في سوريا اذا كان الحل يقتضي أن تكون سوريا الجديده دولة فدرالية.. المسؤولون في تركيا أصيبوا بالذعر والارباك، ولما لهذا الأمر فيما لو نفذ من انعكاسات خطيره على تركيا وحكومة رجب اردوغان ما يعني أن حكما كرديا ذاتيا بات بحكم الواقع على امتداد اكثر من 100 كلم على الحدود مع تركيا.

في الرابع من شهر مارس/آذار الحالي طار رئيس الحكومة التركية احمد داود اوغلو الى طهران مستفسرا عن موقف ايران الرسمي، طالبا المساعده من طهران بوقف الاندفاعة الروسية في قضية فدرلة سوريا لتدخل اللعبة السياسية التي تتقن ايران فنّها ببراعة، لتبلغ تركيا وبشكل واضح وجوب تغيير موقفها وسياستها بالنسبة لسوريا تغييرا جذريا والا فان قيام حكم كردي ذاتي على الحدود التركية وبدعم امريكي مع غض الطرف من روسيا سيصبح امرا نافذا لا محالة.

وجدت تركيا نفسها امام فكي كماشة، أحلاهما مر بالنسبة لمستقبل حكومة تركيا والامن في الداخل التركي الذي بدأ بالاهتزاز مهددا بتوسع رقعته ليشمل العديد من المناطق التركية.. ايران اعطت التطمينات بالعمل بشكل جدي لمنع قيام اي حكم ذاتي للاكراد لما فيه مصلحة البلدين، لكن بالمقابل على تركيا ضبط الحدود مع سوريا ومنع تهريب المسلحين والكف عن امداد الارهاب بالسلاح والبدء بعملية تحول واضح في موقفها تجاه الازمة في سوريا.

في الوقت الذي كانت طائرة اوغلو تحط في أنقرة عائدا من طهران، كانت طائرة نائب وزير الخارجية الروسي (ميخائيل بوغدانوف) تحط في طهران للاطلاع على ما دار بين أنقره وطهران وتنسيق المواقف (على الرغم من بروز بعض التباين بين الطرفين).

في هذه الاثناء، افرج الرئيس الامريكي أوباما عن مكنونات صدره للصحفي في مجلة "أتلانتيك" جيفري غولدبرغ، عندما اعلن عن تفاخره بالقرار الشهير بتراجعه عن الدخول بعمل عسكري في سورية واصفاً القرار بالصائب، مطلقاً على يوم اتخاذ قرار التراجع عن ضرب سوريا بانه يوم التحرير بعينه وشن هجوما غير مسبوق على تدخل الاطلسي في ليبيا واصفاً هذا التدخل بالخاطئ والكارثي لما خلفه من تداعيات أدت الى سيطرة مجموعات ارهابية على ليبيا.

اما بالنسبة لنركيا، اعلن اوباما صراحة أنّ أردوغان استبدادي، واصفاً اياه بالفاشل، وهنا نأتي الى بيت القصيد عندما ادار الدفة الى أنظمة الخليج متهماً اياها بانها تريد جر واشنطن الى حرب طائفية مقيتة في المنطقة خصوصاً بعد ما تم الكشف عن مراسلات عدة وتحريض غير مسبوق من قبل سفير السعودية في واشنطن انذاك(عادل الجبير) بهدف دفع امريكا الى التدخل المباشر في سوريا، وتابع اوباما ناصحا تلك الانظمة بوجوب التعايش مع ايران بشكل سلمي حتى لو كان سلاماً بارداً لان لا امكانية للولوج بحلول مجدية في المنطقة في ظل الاشتباك السياسي المعقد خصوصاً بين السعودية وايران.

جون كيري وزير خارجية الولايات المتحدة طلب موعدا عاجلًا لمقابلة "العاهل السعودي" الملك سلمان بن عبد العزيز لابلاغ الملك  أن لا وجود لما يطلق عليه بالخطة البديلة في سوريا وان الموقف الامريكي للرئيس اوباما هو قرار استراتيجي، مفاعيله لا تسري على ادارة اوباما فقط انما على اية ادارة جديدة ستحل مكان اوباما في البيت الابيض، ديمقراطية كانت ام جمهورية، مشيرا الى ضرورة انهاء النزاعات في سوريا واليمن والبدء بإجراء عملية التحول البطيء في الموقف الخليجي عموما والسعودي خصوصاً.

يتبين لنا من خلال موقف الرئيس الامريكي ان الاستراتيجية الامريكية الجديدة هي تبدد الرهانات والضغط على الحلفاء للبدء بالتحولات التي تفضي الى تغيير في نمط التفكير والاستراتيجية المتبعة من قبل الحلفاء تمهيدا للوصول الى اخماد النيران المشتعلة في المنطقة والتعايش مع الواقع الجديد الذي نتج عنه الاتفاق النووي الايراني.

2016-03-15