ارشيف من :ترجمات ودراسات
الجامعة العربية ... من غرفة العناية الفائقة إلى ثلاجة الموتى
الكاتب: Abdelkarim Chankou
عن موقع Agoravox الالكتروني
6 آذار / مارس 2016
بعض المسؤولين العرب ذهبوا إلى أبعد مما ذهب إليه ملك البحرين في رقصة "هز البطن". انظروا تحديداً في حالة رجل الأعمال البالغ الثراء، الأمير الوليد بن طلال، حيث يقول في تصريح نقلته وكالة الأنباء الكويتية "كونا" يوم الثلاثاء الواقع في 29 تشرين الأول / أكتوبر 2015 : "سأقف إلى جانب الأمة اليهودية وطموحاتها الديمقراطية في حال اندلاع انتفاضة فلسطينية، وسأستخدم كل نفوذي من أجل كسر المحاولات العربية المشؤومة الهادفة إلى إدانة تل أبيب، لأنني أعتبر أن التفاهم الإسرائيلي-العربي والصداقة المستقبلية أمران ضروريان لمنع تمدد الخطر الإيراني".
رفع العقوبات الأميركية والأوروبية وتلك المفروضة من قبل الأمم المتحدة على إيران والذي توج بالزيارة الرسمية التي قام بها رئيس الجمهورية الإسلامية حسن روحاني إلى باريس في 28 كانون الثاني / يناير 2016، كل ذلك شكل مناسبة لإخراج جامعة الدول العربية المحتضرة من غرفة العناية الفائقة لإدخالها إلى ثلاجة الموتى.
بعد أن تشكلت جامعة الدول العربية عام 1945 داخل مختبرات وزارة الخارجية البريطانية التي أوكلت إليها مهمة "النهوض بسياسة اقتصادية قائمة على التكامل بين البلدان العربية الأعضاء "بهدف جعلها نوعاً من الملحق التابع للكومنولث، خرجت الجامعة تدريجياً عن خط هذا التوجه ووضعت لنفسها هدفاً واحداً هو الوقوف في وجه إقامة الدولة الإسرائيلية عام 1948، ومن ثم كبح جماح توسع هذه الدولة.
أما ما حصل منذ اندلاع الربيع العربي وما واكبه من حروب أهلية، تحديداً في سوريا ومصر واليمن، وخصوصاً عندما بدأت إيران بالعودة إلى الحالة الطبيعية، اكتشفت الأنظمة العربية السنية -وهي أنظمة تفتقر إلى مرتكزات تاريخية وشعبية راسخة- أن إسرائيل ليست عدواً لها، وأن الخطر الحقيقي الذي يهدد وجودها هو الهوة التي تفصل بينها وبين شبيبتها، والتي اتسعت بشكل كبير جداً بفعل الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي من جهة، وبين الجمهورية الشيعية في إيران من جهة أخرى.
هذه المنظمة الجامعة للعرب والمشهورة بمبارياتها الخطابية ولأنجعيتها الأسطورية، كانت تشكو أساساً من تشوه خلقي خطير أجبرها على ملازمة الفراش منذ ولادتها في العام 1945. كتبت على موقعي الالكتروني "التهام أشواك الصبار" في 28 كانون الثاني 2009 أن "الميثاق الذي يجمع 22 دولة ذات سيادة، بما فيها السلطة الفلسطينية، قد عفا عليه الزمن منذ ولادته، عام 1945، في مكاتب وزارة الخارجية البريطانية". ومع هذا، كانت الجامعة العربية تحدث ضجيجاً على الأقل. أما الآن، فلا شيء غير الصمت. ليس فقط لأن ميثاقها قد عفا عليه الزمن، بل إن هدفها قد تحول إلى الوجهة المعاكسة تماماً. إذ بدلاً من أن تكون سداً في وجه إسرائيل، فإنها قد أصبحت، على الأقل بالنسبة لمشيخات النفط التي تمولها، محامياً عن إسرائيل. فالواقع أن البلدان العربية التي تشعر بأنها مهددة بوجودها من قبل إيران والتشيع تحلم بأن تقوم إسرائيل بالدفاع عنها أو بحمايتها من هجوم إيراني قد يكون محتملاً. وهي تراهن في ذلك على الكراهية القائمة بين الجمهورية الإسلامية والدولة العبرية.
إن مملكة البحرين تشعر بأنها هي الأكثر عرضة للخطر: غالبية سكانها من الطائفة الشيعية المحرومة والمحكومة من قبل أقلية سنية.
ثم إن البلدان العربية المشار إليها تعلم أن خلاصها الوحيد في حال تعرضها لهجوم إيراني هو إسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في حال بقاء روسيا خارج اللعبة. وفي هذه الظروف، انبرى ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة إلى الإعلان على رؤوس الأشهاد، خلال لقائه مع الحاخام مارك شناير، أن "إسرائيل يمكنها أن تحمي البلدان العربية المعتدلة". ويأتي هذا الإعلان في أعقاب رقصة "هز بطن" طويلة بهدف إغراء الإسرائيليين واجتذابهم.
فقد نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن "مملكة البحرين، وفي الوقت الذي يشهد فيه الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني تصاعداً لأعمال العنف منذ أسابيع عديدة، وتتفاقم فيه التوترات الطائفية في الشرق الأوسط، قد حرصت على الاحتفال في 7 كانون الأول / ديسمبر 2015، بأحد الأعياد اليهودية! في قصر الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وهو أمر غير مسبوق منذ إقامة دولة إسرائيل في العام 1948".
إنها واحدة من "رسائل ودية" كان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قد رد عليها في خطاب تم تسجيله ونشره في 7 كانون الأول / ديسمبر 2014، خلال منتدى سابان حول الشرق الأوسط في واشنطن، وقال فيه: "إسرائيل ليست عدواً للبلدان العربية".
وقد اعتبر هذا الرد مؤشراً إيجابياً في البلدان العربية المعنية، حتى وإن كان الإسرائيليون أنفسهم قد رأوا فيه مناورة انتخابية موجهة إلى أحزاب اليسار والوسط، خصوصاً وأن واشنطن ترغب في أن تحرز عملية السلام الإسرائيلية-الفلسطينية تقدماً قبل نهاية ولاية أوباما.
وفي هذا السياق، يأتي تصريح الوليد بن طلال الذي أعلن فيه: "سأقف إلى جانب الأمة اليهودية وطموحاتها الديمقراطية في حال اندلاع انتفاضة فلسطينية، وسأستخدم كل نفوذي من أجل كسر المحاولات العربية المشؤومة الهادفة إلى إدانة تل أبيب، لأنني أعتبر أن التفاهم الإسرائيلي-العربي والصداقة المستقبلية أمران ضروريان لمنع تمدد الخطر الإيراني".
والأمثلة المشابهة لا تعد ولا تحصى، ولكننا لا نريد هنا أن نقدم عرضاً شاملاً بها، بل أن نبين كيف أن الجامعة العربية التي تحمل بداخلها بذور فنائها قد وقعت على ميثاق هلاكها عندما وضعت لنفسها هدفاً هو نقيض الهدف من وجودها. ولا بد من التشديد على أن هذا التغير ليس سيئاً بذاته، لأنه من الممكن أن ينفخ روحاً من الحيوية في بلدان الشرق الأوسط. وقد فهم ذلك الأمين العام للجامعة العربية، المصري نبيل العربي عندما أعلن في 28 شباط/فبراير 2016 أنه لن يسعى إلى ولاية ثانية على رأس الجامعة بعد نهاية ولايته الحالية في تموز / يوليو 2016. كما فهم ذلك المغرب عندما أعلن في 19 شباط / فبراير أنه "لن يستقبل القمة العربية المقبلة والمزمع عقدها في آذار / مارس، والسبب هو عدم توفر شروط نجاحها بالنظر إلى الصراعات المحتدمة في المنطقة".