ارشيف من :آراء وتحليلات
اميركا تفقد القدرة على حل أزمتها
عام 2008 انفجرت في أميركا أزمة مالية كبرى سرعان ما تحولت الى عالمية. ولا تزال أوروبا الى اليوم تعاني من استمرار هذه الازمة. وقد بدأت تلك الأزمة في اميركا حين نفخت البورصات وبعض بنوك السمسرة العقارية بالون تجارة العقارات الى الحد الأقصى بشكل مصطنع ابتعد كثيرا عن الواقع. وحين عجزت شريحة من الزبائن عن دفع اقساطها المرتفعة، ترددت موجة الانهيارات في البنوك والبورصات بشكل متسلسل، وكادت الدولة تعجز عن دفع أجور موظفيها في كل القطاعات.
ولكن اميركا استطاعت ان تحل الازمة كما يلي:
أولا ـ استطاع البيت الأبيض ان يتفق مع الكونغرس على تقديم "مساعدة" للبنوك العقارية المهددة بإعلان الإفلاس، بقيمة 700 تريليون دولار. أي انه جرى مكافأة اللصوص البنكيين انفسهم على حساب الاقتصاد الأميركي والعالمي.
ثانيا ـ بعد مفاوضات عسيرة اتفق البيت الأبيض والكونغرس على رفع سقف الدين العام والسماح للبنك المركزي بطبع دولارات ورقية جديدة (الدولار هو بلا تغطية ذهبية كما هو معلوم) لمنع عجز الدولة عن دفع أجور موظفيها.
ثالثا ـ إيجاد اكثر من مليوني فرصة عمل جديدة هي في الغالب غير إنتاجية، بهدف تقليص البطالة وزيادة القدرة الشرائية والحركة المالية، وتغطية هذه النفقات بطبع العملة الورقية.
البورصات تتلاعب بأسعار النفط
رابعا ـ نتيجة ذلك كله توجهت المضاربات من بالون القطاع العقاري المثقوب الى القطاع النفطي الذي يمسك به الكونسورسيوم العالمي للنفط الذي تسيطر عليه الاحتكارات الأميركية أيضا. وبعد انفجار ازمة 2008 ارتفعت أسعار برميل النفط ووصلت الى 110 دولارات للبرميل. طبعا ان جميع الدول المصدرة للنفط والغاز استفادت من هذه الزيادة. ولكن في الوقت ذاته فإن زيادة أسعار النفط زادت الطلب على الدولار كوسيلة دفع.
وهذا ما أدى الى زيادة سعر صرف الدولار بالقياس الى اليورو وغيره من العملات الدولية. كما ان زيادة سعر برميل النفط حفزت ما يسمى "ثورة استخراج الغاز الصخري" في اميركا، التي هي اكبر مستهلك للطاقة، الامر الذي قلل حاجة اميركا الى استيراد النفط وبالتالي قلل مدفوعاتها الخارجية. ولكن الطلب الخارجي على الدولار ومن ثم سعر صرفه بقي مرتفعا. وحاولت اميركا تصدير الغاز الصخري الى أوروبا لمزاحمة الغاز الطبيعي الروسي، ولكنها اصطدمت بسعر الكلفة العالية للنقل عبر المحيط.
وهكذا بقي حل ازمة 2008 في اميركا يدور في الحلقة المفرغة للحلول المالية، التي انتقلت من نفخ بالون أسعار العقارات الى رفع سقف الدين العام وطباعة العملة الورقية التي لا تغطية ذهبية ولا تغطية إنتاجية لها، وأخيرا الى نفخ بالون سعر صرف الدولار الذي لا يزال يعتبر العملة الدولية الأولى في العالم.
وول ستريت يحتل اميركا
ما ذكر يعني ان الاقتصاد الأميركي لا يزال مرتبطا بالألاعيب المالية لشارع البورصات "وول ستريت"، وان الحركة الاحتجاجية للعاطلين عن العمل والمتضررين من الشبان والمتقاعدين ونعني حركة "احتلوا وول ستريت" التي ظهرت في أعقاب أزمة 2008 وأرعبت إدارة أوباما، ربما تعود للظهور مجددا.
وفي تصريح لقناة Bloomberg الاقتصادية فإن المستثمر والملياردير جيم روجرز Jim Rogers ، الشريك السابق لجورج سوروس، يقول انه في الـ12 شهرا القادمة سيعود الاقتصاد الأميركي الى الركود، وبرأيه ان الخطر الأكبر يهدد العملة الأميركية.
دونالد ترامب يقلق وول ستريت
اما وكالة رويترز فتقول ان اكثر ما يقلق "وول ستريت" الان هو ظاهرة دونالد ترامب الكاسحة.
فبروز احتمال ان يربح هذا المقاول النيويوركي معركة تمثيل الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية القادمة ويقف ضد هيلاري كلينتون في المعركة لاجل البيت الأبيض، التي ستجري في تشرين الثاني القادم، ـ هذا الاحتمال يدفع الكثير من المستثمرين الى بيع اسهمهم الأميركية. فهم يتخوفون من ان رئيسا كهذا لا يمكن التكهن ماذا سيفعل يمكنه ان يشعل حروبا تجارية، وان يضر بالاقتصاد وان يزيد عدم استقرار الأسواق. "بما ان السوق نادرا ما يستسيغ فقدان إمكانية التكهن، فإن ترامب سيكون كابوسا للمستثمرين هذه السنة" هذا ما يقوله دوغلاس كاس مدير صندوق التحوط.
ان تصريحات ترامب حول العمل ووول ستريت لا يمكن وسمها بأي أيديولوجية ولكن يمكن تأويلها كنظريات انعزالية في عالم اصبح مترابطا عولميا. وهو كذلك يمكنه ان يهاجم مختلف الشركات في مسائل مختلفة، مثلا دعوته الى مقاطعة منتوجات شركة "آبل" (Apple)، بعد ان رفضت الشركة مساعدة مكتب التحقيقات الفدرالي FBI في كشف iPhone لاحد المهاجمين في العملية الإرهابية في سان برناردينو بولاية كاليفورنيا، التي أدت إلى مقتل 14 شخصا وإصابة 24.
الخطاب الشعبوي المتضارب لترامب
وتخلط خطابات ترامب بين النقد الشعبوي لسياسة التعامل مع المهاجرين، وتصرفات وول ستريت والسياسة التجارية للبلدان الأخرى، وفي الوقت ذاته يعد بتقديم الدعم للإجراءات المؤاتية للعمل، كتخفيض الضرائب على سبيل المثال. وما يقلق المستثمرين بشكل خاص هو فقدان التفاصيل حول نواياه وكيف سينفذها.
ونعود الى المستثمر والمحلل الاقتصادي المطلع جيم روجرز، الذي يقول "لقد مضت 7 ـ 8 سنوات على وقوع آخر ازمة ركود في الولايات المتحدة الأميركية. وكقاعدة تاريخية فإن الركود يتكرر كل 4 ـ 7 سنوات". وبحسب رأيه فإن الانكماش الاقتصادي يمكن ان يحدث بسبب عدة عوامل. ويضيف "انظروا الى الديْن، انه مذهل. وفي اليابان يوجد ركود. وفي الصين تباطؤ في النمو. ونصف أوروبا في حالة ركود".
الدولار سيتحول الى فقاعة
وحسب تعبير روجرز: في حال وقوع ازمة اقتصادية عالمية فإن الدولار سيكون العملة الأكثر جاذبية لجميع المستثمرين، وهذا ما يسحب وراءه عدة مخاطر. "فاذا انهارت الأسواق في جميع انحاء العالم، فإن الجميع سوف يحولون استثماراتهم الى الدولار الأميركي، الذي يمكن حينذاك ان يتحول الى فقاعة".
توقعات اقتصادية روسية
وفي الوقت ذاته يتوقع مكسيم اوريشكين، نائب وزير المالية الروسي انهيارا في السوق الأميركية. ولا يستبعد "هبوطا حادا" في الاقتصاد الصيني، وان تمر مرحلة طويلة لكي تتكيف الدول المصدرة للنفط مع الوقائع المالية الجديدة التي فرضها انخفاض سعر النفط.