ارشيف من :آراء وتحليلات
باكستان لا تزال باكستان..
لفتني خلال الأسبوعين الفائتين عزف مجموعة من الكتّاب الصحفيين في باكستان وبعض المحللين السياسيين على نغمة "توجهات جديدة لصناع القرار"، فراحوا يحشدون الشواهد والقرائن الداخلية منها والخارجية لعضد فكرة أن باكستان قد غيرت من توجهاتها ورؤيتها للسياسة الداخلية والخارجية على حدٍ سواء.
كتابات وآراء قد لا تبدو في الوهلة الأولى جديدة للمراقبين، لولا ما أضافه "عزيز الدين أحمد" الكاتب الصحفي في جريدة "PAKISTAN TODAY" التي تصدر باللغة الإنكليزية.
يقول عزيز الدين أحمد: "هناك تغير واضح في سياسة الحكومة الباكستانية خلال السنتين الماضيتين .."، يقصد بعد انتخابات 2013، ويتابع قائلاً: "التغير على صعيدين: اولاً، في الموقف من اللوبي المتطرف المتمثل بالأحزاب الدينية، ورجال الدين. ثانياً، تغيير في الموقف إزاء بعض الجماعات الإرهابية، التي لطالما غضت باكستان الطرف عنها".
لا شك بأن كلام عزيز الدين مهم جداً لفهم السياسات الباكستانية الداخلية منها والخارجية، لا سيما إذا صحت قراءة عزيز الدين لمشهد المتغيرات في السياسة الباكستانية وآلية اتخاذ القرار وانتقال غرُف صناعة القرار من إسلام آباد إلى راولبندي عاصمة المؤسسة العسكرية في باكستان، رغم أن نواز شريف كان قد وصل إلى إسلام آباد بانتخابات ديمقراطية عام 2013.
لكن حتى نعرف كيف نتعاطى مع هذه المعطيات الجديدة، أقله "جديدة" في الإعلام الباكستاني، من اللابدية بمكان وزن ما قاله عزيز الدين في مقاله الذي نُشر بتاريخ 12 آذار/مارس الفائت.
فهل بالفعل هناك تغير بالسياسة الباكستانية على الصعيدين المذكورين؟ إذا كان الجواب نعم، فهل هذا التغير تكتيكي أم استراتيجي؟
التحول بالمشهد السياسي في باكستان بدأ يلوح بالأفق مُذ تحسس واستشعر الرئيس الباكستاني السابق آصف علي زرداري (زوج بينظير بوتو) ورئيس الوزراء نواز شريف حساسية المرحلة المُقبلة على المنطقة بعد انسحاب قوات الناتو المُفترض وعلى رأسها قوات الاحتلال الأمريكي من أفغانستان، وما سينعكس بالضرورة على باكستان. وقد يثير شهية الجيش الباكستاني لاستلام زمام الأمور مجدداً، فكان اتفاق "مري"، الذي جمع الرجلين (زرداري وشريف)، وبموجبه أكمل أول رئيس باكستاني ولايته كاملةً، ثم كانت انتخابات 2013 البرلمانية، التي كرّس فيها نواز شريف سلطته بانتقال حكم دستوري وديمقراطي، مع معارضة يمكن التعايش معها، على أساس اتفاق مري.
لكن تقاطع مصالح في المنطقة جمع بين الولايات المتحدة الأمريكية والمؤسسة العسكرية في باكستان في لحظة يصفها مراقبون بالسيئة للديمقراطية الباكستانية. نتج عن تقاطع المصالح هذا صمتٌ أو لنقول "تطنيش" أمريكي على عملية الانقلاب الناعم على السلطة المنتخبة ديمقراطياً بالأمس، بعد أول استلام وتسليم سلطة سلس في باكستان مُنذ تأسيس الجمهورية الباكستانية في 1947 ، بل أنه وبحسب معلومات فإن السفير الأمريكي في باكستان أبلغ شهباز شريف رئيس حكومة البنجاب وشقيق رئيس الوزراء نواز شريف، أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تتدخل بالشؤون الداخلية في باكستان وكل ما يهمنا استقرار المنطقة وضرب الإرهاب !!
بمعنى آخر، نريد الجيش، فهو القادر على ضرب ما يُسمى بالإرهاب، والأقدر على تقديم ضمانات لاستقرار المنطقة وتهدئة الجبهة الشرقية مع الهند، بالإضافة إلى لعب دور في عملية السلام الأفغاني، وهل استقرار المنطقة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية غير ذلك ؟!!
الشيء بالشيء يُذكر، سألت أحد زعماء الأحزاب الدينية التي نزلت إلى الشارع تحت مظلة العلامة طاهر القادري - في سياق سحب البساط من تحت نواز شريف لصالح الجيش عندما نزل القادري وعمران خان إلى الشارع يومها- : "جنابكم ضحيتم بوحدة تنظيمكم الداخلي وأصررتم على النزول إلى الشارع رغم أن الأمر كان مقضياً ومعروف النتائج شاركتم أو لا، فهل ملئت سلة الجيش في لحظة مهمة من تاريخ باكستان الديمقراطي التي قد يلعن فيها التاريخ من أضاع فرصة تمكين المؤسسة السياسية من جهة وعلى حساب وحدة حزبكم الناشىء حديثاً يستحق كل ذلك؟ "
أجابني زعيم الحزب الديني :" دفعنا الأفسد بالفاسد " .
لن أطيل، ولا أعلم إن كان تشخيص الأفسد من الفاسد في محله، فضلاً عن كون المسألة تُقارب بهذه الطريقة أو لا . لكن هناك موضوعًا لا بد من التنبه له وهو داعش في باكستان وأفغانستان، فمن جهة محاولات حثيثة و" مُخلصة" لدمج طالبان بالعملية السياسية في أفغانستان ودعم باكستان للجناح المؤيد للاندماج السياسي، ومن جهة أخرى، داعش ووجودها في أفغانستان وباكستان وتسهيلات كانت تحظى بها ما كان يُعرف بالجماعات الجهادية في يومٍ من الآيام، وكأن داعش تحظى بنصيب منها وإلا فالتنقل بين باكستان وأفغانستان وبحسب تقارير أمنية من باكستان وأفغانستان إلى ساحات مُشتعلة كسوريا ألا يعلم بها "الأقل فساداً " بحسب تشخيص زعيم الجماعة الدينية؟ وهل كان لداعش أن توجد في باكستان وأفغانستان ومنهما إلى سوريا والعراق لولا أولئك أنفسهم الذين رعوا مشروع " الجهاديين" في أفغانستان ؟
نعم، هناك تغير بالسياسة الباكستانية لكن ليس إلى حد التحول من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، فباكستان لا تزال باكستان، واي تغير فهو تكتيكي لا سيما بعد الاتفاق النووي الايراني الذي فرض ايقاع جديد لسياسة موازنة المصالح التي تتبعها باكستان.