ارشيف من :ترجمات ودراسات

تركيا ومشيخات النفط وإسرائيل...يداً بيد!

تركيا ومشيخات النفط وإسرائيل...يداً بيد!

الكاتب : Mohamed EL BACHIR
عن موقع  Le grand soir الالكتروني
11 آذار / مارس 2016

"لا تحل المشكلة عن طريق النظام الذي خلق المشكلة، ولا يمكن حل المشاكل مع أولئك الذين يخلقون المشاكل"
آلبرت إنشتاين

وقف إطلاق النار من أجل مفاوضات بلا أفق

غداة التدخل الروسي في سوريا، صرح وزير الخارجية القطري خالد بن محمد العطية أمام قناة "سي إن إن" بأن "كل الجهود ستبذل مع السعوديين والأتراك في حال كان من شأن التدخل العسكري أن يحمي الشعب السوري". وقد ترجم هذا الكلام من خلال تشكيل تحالف عسكري عربي بقيادة السعودية يهدف التدخل في سوريا. لكن تورط المشيخات الوهابية في الحرب على اليمن يسمح بالشك في قدرتها على فتح جبهة جديدة في سوريا. من هنا، فإن أهمية هذه المبادرة لا تكمن في قدرة هذه المشيخات على التدخل في سوريا، بل في التأييد السياسي الذي يقدمه العرب للتدخل العسكري البري في سوريا من قبل القوى الغربية وتركيا. وفي هذا الإطار، قام سيد البنتاغون، آشتون كارتر، بتوجيه النداء تلو النداء إلى بلدان الخليج من أجل رفع مستوى مشاركتها في الحرب ضد داعش. كما وجهت نداءات مشابهة من قبل رئيس الوزراء الفرنسي، منويل فالس، حيث أكد أن هجوماً برياً تشنه "قوات عسكرية متمركزة في الداخل السوري أو قادمة من بلدان عربية أخرى يمكنه أن يكون "حاسماً" في الإجهاز على نظيم داعش". وكان ذلك كافياً لأن تشرع كل من تركيا والسعودية في التحضير للعمليات العسكرية انطلاقاً من قاعدة انجرليك العسكرية التركية. ولم يكن من المهم بالنسبة للناتو أن يتم التوقف عند الحدود الإيديولوجية والعسكرية المفتوحة بين "المعتدلين"، أي بين جبهة النصرة وداعش، كما لم يكن من المهم التوقف عند كون الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي يلعب الدور الأساس في الحرب ضد داعش هو المستهدف الرئيس من قبل تركيا. أما هدف الناتو المعلن من التحضير للعمليات العسكرية فكان تقديم العون للتنظيمات المسماة "معتدلة". وفي هذا الإطار العسكري، قام الجيش السوري مدعوماً من قوات حزب الله والطيران الروسي بشن هجمات حول حلب والرقة. وقد اقترنت هذه الهجمات مع الهجوم الذي شنه في المنطقة المحاذية للحدود التركية الحزب الديمقراطي السوري، وهو تحالف لقوى عربية وكردية منها الاتحاد الديمقراطي الكردي. وبالطبع، لم يتأخر رد الفعل التركي على هذا التطور، إذ عملت أنقرة على منع أي تقدم كردي يتعدى نهر الفرات. منذ الأيام الأولى للهجوم السوري، أعلن الأمين العام لحلف الناتو، جينس ستولتنبرغ، أن "عملية القوات الجوية الروسية تعرقل التسوية السلمية للصراع وتؤدي إلى عودة أقوى للتوتر في المنطقة". ويأتي هذا التصريح متعارضاً تماماً مع الدعم الذي يقدمه القادة الغربيون لكل من تركيا والسعودية في مسعاهما الهادف إلى التدخل البري في سوريا. وقد رد وزير الخارجية الروسي على هذا الموقف بشكل حاد حيث قال : "يهمني أن اذكر السيد ستولتنبرغ أن أساس الأزمة في سوريا ليس عملية القوات الجوية الروسية، بل النشاط المجنون لبلدان الناتو التي أغرقت منطقة الشرق الأوسط في الخراب والفوضى". وللمزيد من الوضوح، أضاف سيرغي لافروف "كشأن بلدان الناتو في ليبيا عندما طبقت النموذج الغربي لـ "الديمقراطية"، فإن همها الوحيد هو في تحديد المهل التي تلزمها من أجل تدمير سوريا بشكل نهائي".

تركيا ومشيخات النفط وإسرائيل...يداً بيد!


لنراهن إذن على أن وقف إطلاق النار الذي بدأ بتاريخ 27 شباط/فبراير لا يعكس مطلقاً إرادة الناتو وحلفائه العرب في وضع حد لـ "تدمير سوريا". فالواقع أن الناتو هو بصدد التحضير لمرحلة جديدة من المواجهات في المنطقة وذلك بالتعاون مع المشيخات الوهابية وتركيا ثم، بشكل أكثر خفاءً، مع الإسرائيليين. وقد رد القادة السوريون والإيرانيون على توجه الناتو هذا بعبارات غير ديبلوماسية. فـ "المعتدون، سواء كانوا أتراكاً أم سعوديين، سيعودون إلى بلادهم في توابيت من خشب"، على ما رد به السوريون. أما الإيرانيون، فقد ردوا بالقول بأن "السعوديين سيطلقون الرصاص على رؤوسهم إذا ما تدخلوا في سوريا".
ومع هذا، فإن الموقفين الإيراني والسوري لم يردعا المملكة السعودية عن إرسال طائرات إف-15 إلى تركيا، وعن القيام -في اليوم التالي لسريان وقف إطلاق النار- بإجراء مناورات عسكرية ضخمة تحت اسم "رعد الشمال"، بمشاركة 20 بلداً منها باكستان وماليزيا وتركيا ومصر والمغرب والسودان والسنغال.


وبالتوازي مع هذه الاستعدادات العسكرية، أعلنت السعودية رسمياً عن تعليق المساعدة بقيمة 3 مليارات دولار مخصصة لتحديث تسليح الجيش والجهاز الأمني اللبنانيين، كما شددت تدخلاتها وضغوطاتها السياسية على المسرح اللبناني. كان من بين أهدافها في ذلك إطالة مدة الفراغ الدستوري الناجم عن الفراغ الرئاسي. ومن هذه الناحية، ظن الرئيس فرنسوا هولاند أنه يفعل حسناً في الطلب من نظيره الإيراني، روحاني، الذي كان في زيارة لفرنسا، أن يتدخل في الملف الرئاسي اللبناني. لكن الرئيس الإيراني لم يسقط في هذا الفخ السياسي واكتفي بالتذكير بأن بلاده "لا تتدخل في الشؤون اللبنانية الداخلية". ولا شك بأن هذه المناورات السياسية و"العقوبات" المالية تهدف إلى تأجيج التوترات في لبنان، تحديداً بين السنة والشيعة. ومع إعلان حزب الله تنظيماً إرهابياً، تكون المشيخات الخليجية قد انخرطت من الآن فصاعداً، وبشكل مباشر، في خط الاستراتيجية الإسرائيلية في الشرق الأوسط. وعلى ذلك، يكون حزب الله قد أصبح منظوراً إليه على أنه عنصر زعزعة للاستقرار في لبنان والشرق الأوسط، الأمر الذي يبرر تحرك الخلايا الجهادية النائمة في سهل البقاع ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان. وتتكامل هذه الحملة مع تلك التي تشنها الولايات المتحدة ودولة إسرائيل بهدف "خنق حزب الله مالياً".


وفي مثل هذا السياق السياسي والعسكري في المنطقة، لا يمكننا أن نتوقع، بعد وقف إطلاق النار الذي تبينت هشاشته، غير مفاوضات سلام بلا أفق. وعلى ما يقوله آليستير كروك، وهو عميل سابق للاستخبارات البريطانية، فإن وقف إطلاق النار هو "تسجيل وقفة أو وقت للراحة يسمح للجماعات التي تحركها الولايات المتحدة وتركيا والسعودية بأن تتهيأ وتتسلح وتعيد انتشارها مجدداً".


هل يعني ذلك أنها تتهيأ من أجل توسعة نطاق المواجهة ؟
نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، يجيب محذراً بأن "أي تدخل من قبل تركيا في سوريا سيؤدي إلى انفجار الوضع بشكل لا يمكن إصلاحه".
وسواء كان هناك تحذير أم لا، فإن السعودية تعمل على تسعير الخلافات المذهبية في بلد الأرز.

لبنان: بؤرة جديدة للمواجهة الإقليمية

في مقابلة أجرتها معه سي إن إن، أكد الجنرال مايكل هايدن، وهو المدير السابق لكل من وكالة الاستخبارات المركزية ووكالة الأمن القومي الأميركيتين، أكد أن "لبنان قد بدأ يترنح وأن سوريا والعراق وليبيا لم تعد موجودة". وللمزيد من إيضاح فكرته، يصف الوضع الجيوسياسي في الشرق الأوسط بأنه عبارة عن "تفتت النظام الدولي لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية (...)، ولزوال الحدود التي رسمت في اتفاقية فرساي (1919) وفي اتفاقيات سايكس-بيكو".
ويمكن تسجيل ملاحظتين على هذا الرأي :


الأولى: لا يمكن الفصل بين ما خلص إليه الجنرال هايدن وبين الهدف الاستراتيجي الذي حدده، عام 1982، عوديد إينون، وهو أحد كبار المسؤولين في الخارجية الإسرائيلية.


الثانية: لا يذكر الجنرال هايدن في توصيفه للوضع الإقليمي، قوى "التفتيت" الإيديولوجية والسياسية والعسكرية.
فمن دون العودة بعيداً جداً إلى الماضي، يمكن القول بأن حرب الخليج الأولى هي أول قطعة في بازل تفتيت الحدود. فالواقع أن مسألة وحدة التراب الكويتي كان من الممكن حلها ديبلوماسياً، ولكن تدمير العراق -الذي اعتبر في مقالة هانون "استراتيجية لإسرائيل في الثمانينات" البلد الذي يصعب تفتيته أكثر من غيره- هو ما كان يشكل الهدف الاستراتيجي. أما حرب الخليج الثانية، وهي كانت مبرمجة منذ العام 1998 في ظل إدارة بيل كلينتون ولكنها تفجرت في العام 2003 في ظل إدارة جورج بوش الابن، فقد سمحت بإنهاء "المهمة" عبر إعادة العراق إلى العصر ما قبل الصناعي، وعبر خلق الظروف السياسية التي يعيشها الشعب العراقي في الوقت الحالي. ولا حاجة للتذكير هنا بأن الولايات المتحدة وبريطانيا ومشيخات الخليج ومصر هي ما شكل العناصر الأساسية في عملية تدمير العراق.


 القطعة الثانية في بازل تفتيت الحدود كانت السودان الذي شكل بدوره جزءًا من سيناريو عوديد. ثم جاء دور ليبيا بمشاركة نشطة من قبل فرنسا في ظل القيادة الأميركية. السيناريو الذي كتب عام 1982 في إسرائيل يتم تنفيذه إذن بمنتهى النجاح بمشاركة حماسية من قبل مشيخات الخليج الوهابية مع الاعتماد، بوجه عام، على "حركات الربيع العربي" بما هي انتفاضات شعبية مشروعة لكنها تختطف سريعاً من قبل حركات إسلامية هي عبارة عن عملاء سياسيين وعسكريين عن وعي أو غير وعي للامبريالية النيو-ليبرالية.  أما البازل المصري الذي يشكل أيضًا جزءًا من السيناريو الإسرائيلي فهو مستهدف بدوره لعملية التفتيت.


وتأخذ القضية الفلسطينية موقعًا لافتًا في استراتيجية "التفتيت" هذه. فمن قضية تحتل موقعًا مركزيًا في السياسة العربية، انتقلت القضية الفلسطينية لتصبح قضية ثانوية، بل حتى مشكلة مزعجة للمشيخات الوهابية في تحالفها الاستراتيجي مع الإسرائيليين.


تبقى سوريا ولبنان كبؤرتين لمقاومة هذا التفتيت الذي يعيشه الشرق الأوسط والذي تتمناه الإمبريالية والصهيونية. وتبقى إيران كمستهدف للمشيخات الوهابية وللإسرائيليين. وبالطبع، فإن إيران، ومعها القوى الشعبية العراقية، تلعب دوراً أساسياً في بؤرة المقاومة هذه. ولا بد من الإقرار بأن المشاركة من قبل روسيا، وبشكل أقل ظهوراً من قبل الصين، قد أدخلت الارباك في الحسابات الجيو-سراتيجية للقوى الغربية ولكل من الإسرائيليين وأتباعهم الوهابيين. ولا ينبغي أن ننسى دور تركيا في عملية "التفتيت" بدفع من "الإخوان المسلمين" الذين يمكن لطموحاتهم العثمانية أن تدفع الشعب التركي إلى مصير كمصير الضفدعة التي ورد ذكرها في خرافيات جان دو لافونتين.


ولا ينبغي أن ننسى، في هذا الاستعراض الموجز لمحاولات تفكيك الدول العربية، سواء منه تلك التي حققت غايتها أو تلك التي ما تزال تعمل من أجل تحقيق هذه الغاية، لا ينبغي أن ننسى الاحتلال الإسرائيلي للبنان (1982-2000)، ولا الحرب التي شنها الإسرائيليون عام 2006، والتي هدفت –بموافقة المشيخات الوهابية ومصر- إلى تصفية المقاومة اللبنانية أو إضعافها على الأقل. لكن حزب الله خرج من هذه الحرب أكثر قوة. لكن ذلك لا يشكل غير جولة في نظر الإسرائيليين. فشهادة كاتب الافتتاحيات في صحيفة نيو يوركر، سيمور هيرش، والتي نشرت في تموز / يوليو 2007، معبرة تماماً. يقول هيرش: "المسؤولون الأميركيون والأروبيون والعرب الذين تحدثت معهم أخبروني أن حكومة السنيورة وحلفاءها كانت قد سمحت بأن يقع قسم من المساعدات في أيدي جماعات سنية متطرفة تظهر في شمال لبنان وسهل البقاع وحول المخيمات الفلسطينية في الجنوب. وعلى الرغم من صغر حجم هذه الجماعات، فإنها تعتبر كدرع واق في وجه حزب الله. وفي الوقت نفسه، فإن هذه الجماعات تقيم علاقات إيديولوجية مع تنظيم القاعدة".


وباختصار، لا يمكننا إلا أن نستنتج أن تدخلات القوى الغربية منذ العام 1990، في بلد عربي لم يحدث لها طلقاً أن استتبعت بحل سياسي دائم، بل باندلاع صراع آخر يتمتع بخصائص "التفتيت" نفسها. ذلكم هو ما يطلق عليه المحافظون الجدد الأميركيون اسم "الفوضى الخلاقة". وعليه، فإنه من المسموح به أن نشك في أن تعقب وقف إطلاق النار في سوريا مفاوضات تفضي إلى حل يحترم وحدة تراب سوريا وسيادتها. بالمقابل، فإن توقع امتداد الصراع إلى جواره المباشر، أي لبنان، هو أمر أكثر معقولية. فبهذا المعنى ينبغي فهم الكشف، من قبل الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، عن "وجود قنبلة نووية لبنانية". فهذا الكشف لا هدف له غير التعبير عن تصميم المقاومة اللبنانية على مواجهة أي عدوان داخلي أو خارجي. ومن وجهة نظر التعليقات والنقاشات التي نشرتها الصحافة الإسرائيلية، فإن القادة الإسرائيليين لا يشكون لحظة في ارتفاع مستوى وجدية هذا التصميم. ومن الجهة المقابلة، فإن من الممكن للقادة السعوديين الذين يهربون إلى الأمام بتشجيع من الإسرائيليين وحلف الناتو، الا يتمتعوا بالحكمة شأن حليفهم الإسرائيلي، الذي خرج أخيراً من الظل.

2016-03-22