ارشيف من :آراء وتحليلات
تفجيرات بروكسيل تنبئ بتوريط أوروبا في المشاريع الصهيو-أميركية
الهجمات على بروكسيل وكل ما سبقها من هجمات إرهابية في أوروبا وأميركية هدفها واحد: الدفع باتجاه تسعير أعمال الغزو الغربي الذي يستهدف العالم العربي والإسلامي في المرحلة الحالية. هذا الهدف يخدم هدفاً آخر هو تدمير الجميع بالجميع ليخلو الجو العالمي لحفنة من ديناصورات المال والأعمال في العالم.
من هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 في نيويورك وواشنطن، إلى هجمات 22 آذار/مارس 2016 في بروكسيل، مروراً بالهجمات الإرهابية التي استهدفت، خلال السنوات الأخيرة مدريد ولندن وباريس وأماكن أخرى في العالم، بات من المؤكد أن هناك أكثر من رائحة كريهة تبعث على الارتياب الشديد حول صحة المعلومات التي تقدمها أجهزة الاستخبارات الغربية حول الرؤوس المدبرة لتلك الهجمات وأدواتها التنفيذية وأهدافها الحقيقية.
نظام عالمي بديل
الموقف الصحيح من الظاهرة الإرهابية في المنطقة والعالم يتطلب من القوى المناهضة لهذه الظاهرة، والمناهضة أيضاً للمعسكر الصهيو-أميركي وامتداداته، مراجعة جدية لبعض النظريات السائدة حول تلك الظاهرة.
ولا بد لهذه المراجعة من أن تتناول النظرية نصف الصحيحة ونصف الكاذبة التي يقول أصحابها (صادقين عن سذاجة في اعتقادهم، أو كاذبين ومضللين بسوء نية) بأن الغرب قد صنع الإرهاب وأن هذا الأخير قد انقلب على صانعيه، وينادون، بالتالي، بضرورة العمل على دفع الغرب إلى تبني مواقف حازمة فعلاً ضد الإرهاب.
فالواقع أن هذه النظرية صحيحة لجهة صناعة الإرهاب من قبل المعسكر الصهيو-أميركي، لكنها غير صحيحة لجهة انقلابه على صانعيه. فهو مستمر في أداء وظيفته التي صنع من أجلها، وتنفيذه لهجمات في بلدان غربية هو جزء مكمل لتلك الوظيفة.
فأجهزة استخبارات القوى التي يتشكل منها معسكر الهيمنة العالمي إنما قامت بصنع الظاهرة الإرهابية لا بالإصالة عن نفسها، بل من حيث هي أداة تحركها يد خفية هي يد ما فوق أميركية أو أوروبية آو إسرائيلية أو سعودية. يد يمكن وصفها بأنها يد القوة التي تطرح نفسها كبديل للنظام العالمي الحالي. أو كحكومة عالمية لا مانع من أن تضم إلى جانب كبار ديناصورات المال والأعمال في أميركا وأوروبا والخليج، أعضاء من بلدان في منتهى الهامشية، طالما أن بإمكان هؤلاء أن يشاركوا بفعالية في تحقيق أهداف تلك الحكومة.
ولا مانع لديها في الوقت نفسه من أن توجه ضرباتها حتى إلى بلدان في أميركا وأوروبا أو في أي مكان آخر، لأن جميع تلك البلدان مستهدفة من قبل المشروع الجهنمي الذي تعمل عليه تلك الحكومة العالمية شبه الظاهرة وشبه المستترة. ولا يغير من ذلك شيئاً تدرج الاستهداف على المدى القصير أو المتوسط أو البعيد، بحيث يشدد ضرباته على بلدان مثل سوريا وليبيا أقل مما يشددها على بلدان مثل تركيا، ثم يضرب بلداناً مثل تركيا بشدة أكبر مما يضرب فرنسا أوبلجيكا. فالمشروع الجهنمي يشمل استخدام قوى معينة في ضرب قوى أخرى بحيث تخلو الساحة تدريجياً للحكومة المذكورة ونظامها لا غير، بأقل تكلفة ممكنة.
"التغيير". تلك الكلمة الساحرة التي وصل باراك أوباما على أجنحتها إلى قمة السلطة في الولايات المتحدة، والتي كانت أبرز منجزات الربيع العربي الفاشل، في طليعة أهداف تلك الحكومة أو الدولة العالمية. لكن، أي تغيير هو؟ أهو التغيير نحو الأفضل كما رآه المتحمسون من البسطاء والسذج الذين أطلقوا الربيع العربي وسائر الثورات الملونة؟
لا، بالتأكيد. من جملة مواصفات ذلك التغيير وأهمها قسمة عدد سكان هذا الكوكب على عشرين أو حتى على مئة أو ألف. عن طرق أشكال الإبادة التي تمارس على نطاق واسع وبأشكال لا يحيط بها حصر. اصطناع حروب تشمل أبشع طرق القتل؛ تصنيع أغذية وأدوية ومبيدات زراعية تصلح لأن تكون تربة صالحة لولادة أمراض جديدة، أو لتسهيل انتقال الأوبئة المعروفة...
ومن جملة الأهداف، إقامة عالم موحد لا يعيش فيه غير أفراد أثرياء تقوم على خدمتهم فيها جيوش من الرجال الآليين والنصف-آليين أو "المعدلين" (من حيث تكوينهم البيولوجي والنفسي، كما هي حال الكثيرين من وحوش التنظيمات الإرهابية والإجرامية المختلفة).
وبالطبع، فإن تحقيق هذه الأهداف يضمن التخفيف من وطأة التلوث الناجم عن نشاط مليارات الكائنات الحية والمحافظة على البقاء في ظل شح الموارد والنقص الحاد والمتصاعد على مستوى الأغذية ومياه الشرب والأوكسيجين.
صفاقة
ومن نافل القول أن الدعاة إلى هذا العالم والقائمين بكل همة ونشاط وناجعية بالعمل على إقامته هم أشخاص نافذون من أمثال روكفلر وروتشيلد وبيل غيتس وهنري كيسنجر وأمثالهم من جميع الأمم، ومنها، طبعاً، أمتنا العربية والإسلامية. والأهم من ذلك كله أنهم يتمتعون بمستوى من الصفاقة لا يردعهم عن طرح مشروعهم الخبيث بشكل علني، مستفيدين في ذلك من انشغال أكثر الناس بالأهواء الخسيسة والرغبات الدنيئة والاهتمامات البائسة التي تروجها وسائل الإعلام الطاغوتية أو الساذجة على أنها عين الحياة الحرة الكريمة الممتلئة بالفرح والسعادة.
لمن الدور، بعد باريس وبروكسيل؟ أغلب الظن أن التفجيرات الإرهابية ستضرب بلدان أوروبا الرئيسة الواحد تلو الآخر... من الآن وحتى تقتنع الشعوب والحكومات الأوروبية صاغرة بأن حل مشكلة ما يسمى بـ "الإرهاب" يمر بحروب أهلية بين عشرات أومئات آلاف المهاجرين من جهة، وبين السكان المحليين من جهة ثانية. فهذا بالضبط، ما تعنيه التطورات المرتبطة بظاهرة "الإسلاموفوبيا" وضرورات تخريب أوروبا.
وإلى جانب الحروب الأهلية، لا بد من حروب أخرى في الخارج. وحالياً يتم تأجيج النار تحت ليبيا المرشحة لغزو غربي جديد.
غزو لا بد من أن تجلله خسائر جميع الأطراف، لكي يتمكن الرابحون (صناعات السلاح والأغذية والأدوية والمخدرات) من التقدم خطوة نحو إقامة حكومتهم العالمية.