ارشيف من :آراء وتحليلات
هكذا تكون محاربة الإرهاب
يبدو أن "داعش" لم يكتشف بعد حقيقة ما هي النقاط الاستراتيجية التي ربحها الجيش السوري وحلفاؤه في استعادة السيطرة على مدينة تدمر ومحيطها، وقد لا يكون هذا التنظيم الإرهابي على علم حتى الآن بأن خسارته لمدينة تدمر سوف تؤسس لانهيار كامل في بنيته التنظيمية وفي دولته المزعومة، والتي كان يعتقد أنها أصبحت حقيقة ثابتة وامرا واقعا.
في الواقع، ما غفل عنه داعش، لم يكن بسبب قصر نظر قادته ومتزعميه، والذين أثبتوا، وفي نظرة موضوعية مجردة، أنهم يتمتعون بقدرات عالية في القيادة وفي إدارة المعارك الميدانية الإرهابية، وما حققوه لغاية الآن في الإقليم والعالم هو خير دليل على ذلك، ولكن ما سبَّب ذلك هو الصدمة الكبيرة التي أصابتهم بعد أن وجدوا أنفسهم فجأة في مواجهة وحدات الجيش العربي السوري وحلفائه في عمق ميدان انتشارهم وتمركزهم، حيث لم تستطع تلك المسافات الشاسعة التي كانت تفصلهم أن تؤمن لهم الحماية أو الحيطة الكافية.
كما أنهم صدموا بعد اكتشافهم أن تحصيناتهم اللافتة بحرفيتها وانتشارها المتماسك في مناورة معقدة لا تخلو من بصمات عقيدة إسرائيلية، على كامل سلسلة جبال حاكمة غرب وجنوب غرب تدمر، لم تتمكن من ابعاد الهزيمة عنهم، فخسروا وبسرعة قياسية اهم معقل لهم اعتقدوا أنه يشكل قاعدة قوية متقدمة، وليجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها، ينتظرون طلائع وحدات الجيش العربي السوري وحلفائه تتقدم على تخوم عاصمتهم ومعقلهم القوي في مدينة الرقة، أو على تخوم مدينة دير الزور، عاصمتهم الاقتصادية والاستراتيجية والرابط الاساس بين مواقعهم في العراق وسوريا، والتي يبدو ان قادة طلائع هذا الجيش المذكور لن يقدموا على سحق اي من مراكز التنظيم بعد الآن، الا بالاشتراك مع ابطال مطارها الذين شكلوا علامة فارقة في التاريخ الحديث حول الصمود ومكافحة جحافل الارهاب.
أيضا سيكتشف داعش قريبا، أنه سوف يخسر ما بناه من مراكز ومواقع متفرقة ومنتشرة غرب تدمر شمالا وجنوبا، بين ارياف حمص وحماه ودمشق، او في القلمون الشرقي او الغربي على الحدود مع لبنان وامتدادا الى جرود عرسال، حيث ستصبح معزولة بالكامل ومحاصرة دون ان تستفيد من مركز الربط الاساسي لها في تدمر، والذي كان يؤمن لها التواصل اللوجستي في العديد والعتاد لاهداف ميدانية او لاهداف ارهابية، وسيكتشف ايضا انه فشل في تحقيق ما حلم به وعمل عليه لناحية التأسيس لاكثر من نواة امارة متشددة انطلاقا من تلك المواقع المذكورة وامتدادا الى السواحل اللبنانية شمالا عبر جرود وبلدة عرسال، بعد ان خسر قاعدة الارتكاز الاساسية لذلك في عاصمة البادية ومحيطها.
هذا لناحية ما غفل عنه داعش وما سوف يكتشفه قريبا، ولكن لناحية ما غفلت عنه الدول المشكوك بأمرها حول خلقها لداعش و على رأسها الولايات المتحدة الأميركية وبعض دول الاتحاد الأوروبي، أو بعض الدول الإقليمية، وما سوف تكتشفه قريبا (إذا لم تكن قد اكتشفته حاليا ، هو أنها أخطأت في السياسة وفي الاستراتيجية كما في الميدان، عندما ظنت أنه بإمكانها محاربة الإرهاب في سوريا والانتصار عليه من دون " الرئيس الأسد " وحلفائه، وما معركة تدمر الاخيرة والتي تحقق فيها في مواجهة الإرهاب، وبفترة قياسية، أضعاف أضعاف الذي تحقق نتيجة ما جندوا له من دول وجيوش وطاقات ضمن تحالفات واهية وكاذبة، إلا خير دليل على ذلك، حيث برهن أبطال الجيش العربي السوري وحلفائه، وبغطاء روسي فاعل في الميدان، برا وجوا، أنهم يشكلون القاعدة الصلبة الوحيدة المؤهلة لمحاربة هذا الإرهاب والانتصار عليه، وبأنه لا يمكن تجاوزهم أو تجاهلهم او الاستغناء عنهم في هذا الموضوع.
وتتابع هذه الدول أيضا اكتشافاتها ومنها، أنها أخطأت عندما انجرت مع دول إقليمية حاقدة، مرددين جميعا معزوفة غبية ظلوا أسارى لها وقتا طويلا تقول: "لا حل بوجود الأسد"، دون أن يحاولوا إيجاد استراتيجية أخرى يتوصلون من خلالها إلى مواجهة الإرهاب بطريقة صحيحة، بعد ان اصبح يضرب في عقر دار غالبيتهم مهددا بدمار وزوال مجتمعاتهم، وسيكتشفون ايضا، ويعترفون مرغمين بانهم فشلوا في حماية العالم من هذا الارهاب عندما غضوا الطرف متواطئين عن مسؤولية دول اقليمية معروفة في تمويله وتسليحه وتسهيل انتشاره.
وأخيرا... ما بعد تدمر ليس مثل ما قبلها، وستترك هذه المعركة التاريخية أثرا مهما يضاف إلى الآثار التاريخية التي تحتضنها المدينة العريقة، أثرا كبيرا في الحرب على الإرهاب، أثرا واضحا في فضح من يدعي كذبا محاربة الإرهاب، وستكون نقطة مفصلية لافتة في معركة الجيش السوري وحلفائه نحو استعادة السيطرة على كامل الجغرافيا السورية، وستشكل بمعانيها الميدانية والاستراتيجية نقطة تحول أساسية في مسار الحرب الكونية على سوريا إقليميا ودوليا.