ارشيف من :آراء وتحليلات

ناغورني كاراباخ: إردوغان والبحث المستميت عن المشاكل

ناغورني كاراباخ: إردوغان والبحث المستميت عن المشاكل

مشكلة ناغورني كاراباخ هي من المشاكل المزمنة التي تعاني منها منطقة القفقاس والتي تسببت بحروب وحروب أهلية ذهب ضحيتها عشرات الألوف من القتلى الآذريين والأرمن. ومع هذا، شهدت السنوات الأخيرة جنوحاً نحو السلم من قبل الفريقين. لكن إردوغان يبدي إصراراً واضحاً على إثقال رصيده من إثارة المشكلات بمشكلة جديدة.

منطقة القفقاس تشبه المنطقة العربية، وخصوصاً سوريا والعراق ولبنان من عدة وجوه، لعل أبرزها تعدد الأقليات الإتنية والدينية والمذهبية وتداخل أماكن تواجدها الجغرافي. وإذا كانت هذه الظاهرة قد ظلت بعيدة - على الأرجح بفضل التسامح الإسلامي والمصالح العليا للإمبراطوريات أو السلطنات الإسلامية التي قامت واستمرت لقرون طويلة في المنطقتين المذكورتين - عن أن تشكل سبباً للاقتتال طيلة تلك الفترة، فإن انهيار تلك الإمبراطوريات والسلطنات في العصر الحديث قد سمح للغرب الاستعماري وربيبته المتمثلة بالكيان الصهيوني  بتفجير ما لا يحصى من الخلافات المستعصية، خصوصاً، في ظروف "ترتيب أوضاع" المناطق التي سيطرت عليها القوى الغربية بالتوازي مع تضعضع وانهيار الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى.

ناغورني كاراباخ: إردوغان والبحث المستميت عن المشاكل

تاختشيفان وقره باخ


وإذا كانت اتفاقيات سايكس-بيكو قد رسمت حدود دول الهلال الخصيب بالشكل المعروف، فإن ترتيبات وإجراءات الحكم السوفياتي قد خلقت أوضاعاً بالغة التفجر في المناطق التي احتلتها روسيا القيصرية منذ أواخر القرن الثامن عشر في آسيا الوسطى والقفقاس، وواصل احتلالها واستيطانها الاتحاد السوفياتي بعد الثورة البلشفية، عام 1917.


فقد عمد جوزيف ستالين بهدف محو الروح القومية لصالح الانتماء السوفياتي المشترك، إلى رسم حدود البلدان الأعضاء في الاتحاد بشكل ينسجم مع ذلك التوجه. واقتضى تطبيق هذه السياسة على أرمينيا وأذربيجان أن أبقى منطقة تاختشيفان التي تسكنها غالبية من الآذريين معزولة في عمق الأراضي الأرمنية، فيما أبقى منطقة قره باخ التي تسكنها غالبية من الأرمن داخل اراضي الآذرية.


وكان هذا التقسيم سببا في اندلاع حروب أوقعت عشرات الألوف من القتلى في صفوف الطرفين بمجرد أن ضعفت السلطة المركزية وبدأت مسيرة الانهيار بتقطيع أوصال الاتحاد السوفياتي.
وقد أسفرت هذه الحروب التي احتدمت في أواخر ثمانينات وأوائل تسعينات القرن الماضي عن طرد جميع السكان الآذريين من منطقة تاختشيفان، وعن وصل منطقة قره باخ بالأراضي الأرمنية بعد قيام أرمينيا باحتلال الأراضي الآذرية التي تفصلها عن تلك المنطقة والتي تقدر مساحتها بنحو ربع أراضي آذربيجان.


والجدير بالذكر أن منطقة قره باخ قد أعلنت استقلالها عن آذربيجان تحت اسم جمهورية مرتفعات قره باخ، بعد استفتاء أجري عام 1991 وصوتت فيه غالبية السكان لصالح الانفصال عن آذربيجان.
ورغم الحروب التي انتهت بانتصار الطرف الأرمني، تم التوصل، عام 1994، إلى اتفاق لوقف إطلاق النار تبعه الشروع في مفاوضات سلام بين الطرفين بإشراف "مجموعة مينسك" المكونة من روسيا والولايات المتحدة وفرنسا.


لكن المفاوضات لم تسفر عن نتائج إيجابية رغم المبادرات والجهود التي بذلت من أجل التوصل إلى حل سلمي. فقد دفعت كل من روسيا وإيران، حليفتا إرمينيا، بهذه الأخيرة نحو التفاهم مع تركيا المتحالفة مع آذربيجان. وكان هذا التفاهم قد أوشك على أن يثمر ثمارا طيبة يوم كان رجب طيب أردوغان يعتمد سياسة "صفر مشاكل" مع جيران تركيا، لولا تشدد آذربيجان في رفض التقارب الأرمني-التركي الذي وصل إلى حد التهديد بوقف إمداد تركيا بالنفط.

أميركا و"إسرائيل"


والأكيد أن آذربيجان اتخذت هذا الموقف بدفع من الأميركيين والإسرائيليين الذين لا يروق لهما، لأسباب جيوسياسية تتعلق بالصراع بينهم وبين كل من إيرن ووسيا، أن تتمتع منطقة القفقاس بالاستقرار والهدوء.


والأكيد أيضاً أن تركيا نفسها قد تراجعت عن سياساتها الإيجابية بدفع من الطرفين الأميركي والإسرائيلي اللذين يعدان للمنطقة مشاريع هيمنة وتفتيتًا يتطلب مواقف من النوع الذي يعتمده أردوغان منذ بداية تفجر الأزمة السورية.


وفي هذا السياق، وقعت اشتباكات الأول والثاني من نيسان الحالي ين أرمينيا وأذربيجان التي سقط فيها ثلاثون قتيلاً من الطرفين، والتي تنذر - رغم وقف إطلاق النار الهش - بدفع البلدين نحو مزيد من المواجهات والأوضاع في منطقة القفقاس وجوارها إلى المزيد من التأزم.


وفي حين وجهت نداءات تغليب الحكمة إلى الطرفين الأرمني والآذري من معظم القوى الدولية والإقليمية الفاعلة، انفرد إردوغان بالسعي إلى تضخيم المشكلة عبر إعلان تأييد تركيا المطلق لآذربيجان والإعراب عن استعداد تركيا لدعم "الأشقاء الأذربيجانيين" حتى النهاية.


موقف يضاف إلى غيره من المواقف التي تعكس حالة الاضطراب الشديد الذي تعاني منه سياسات أردوغان وحلفائه: رغم كل الجهود التي تبذل من أجل النفخ في نيران الفتنة الطائفية وتصوير الصراعات الدائرة في المنطقة على أنها صراعات بين السنة والشيعة (لا بين العرب والكيان الصهيوني)، يأتي الموقف التركي في دعم آذربيجان الشيعية والموقف الإيراني في حرمانها من هذا الدعم، بسبب علاقاتها الوثيقة مع الكيان الصهيوني، ليبين حقييقة الصراعات في المنطقة بما هي صراعات بين معسكر الهيمنة الصهيو-أميركي وامتداداته الإقليمية من جهة، ومعسكر المقاومة والتحرر من جهة أخرى.

 

2016-04-14