ارشيف من :آراء وتحليلات
لماذا يعارض الأميركيون تحرير الفلوجة قبل الموصل وباقي الأنبار؟
بعد أن وصل الأمر الى خلاف في وجهات النظر بين الجيش العراقي مدعوماً بالحشد الشعبي من جهة والوحدات الأميركية التي تقود التحالف الدولي لمحاربة "داعش" في كل من سوريا والعراق من جهة أخرى، وذلك على خلفية تحديد الأفضليات في مهاجمة التنظيم داخل المناطق العراقية التي يسيطر عليها، يمكننا القول أن هذا من الأسباب الرئيسة التي تساهم في تأخير اكتمال عملية تحرير العراق بالرغم من الوحدات الضخمة التي تم حشدها لهذه المعركة من جيش وحشد شعبي وحشد عشائري من جهة، ووحدات اميركية تتزايد يوما بعد يوم على الاراضي العراقية دون ان تُظهر اية قيمة مضافة عمليا في الميدان لناحية الفعالية في المعركة ضد "داعش".
لقد ظهرت مؤخراً الخطوط العريضة لهذه المناطق المطلوب مهاجمتها والتي تشكل أهدافا رئيسية يتطلب كل منها تنفيذ مناورة كاملة مستقلة عن الأخرى في الجغرافيا وفي الوسائل، وهذه المناطق هي:
- الموصل شمال العراق حيث عاصمة "داعش" الأساسية وقيادته الممثلة بابي بكر البغدادي، والتي تعتبر من أهم القلاع المحصنة لدى "داعش" حيث يحميها بمدن صغيرة تعتبر خطوط دفاع متقدمة وهي الحويجة والشرقاط جنوباً وما بين مخمور وبعشيقة شرقاً، وتل عفر غرباً، كما ويستفيد "داعش" في معركته للدفاع عن الموصل من تهديد يشكل خطورة كبيرة يلوّح به دائماً وهو تفجير سد الموصل شمال غرب المدينة وما يمكن أن يشكله من كوارث على مدن وبلدات نينوى الممتدة جنوب وجنوب غرب السد.
- مناطق غرب الأنبار اعتباراً من غرب مدينة الرمادي وعلى امتداد نهر الفرات شمالاً وجنوباً حتى الحدود السورية، والمتضمنة أغلب مدن ومناطق غرب العراق حيث تعتبر من الحصون المهمة لـ"داعش" إذ تستفيد من مناطق شاسعة وغنية بالنفط وفيها محاور أساسية تصل العراق بالاردن وسوريا والمملكة العربية السعودية، وتؤمن التواصل الميداني والأمني والعسكري بين وحدات "التنظيم" في كل من سوريا والعراق، وهي كانت وما زالت وبقسم كبير منها خارجة عن سلطة الدولة العراقية.
الجيش العراقي
- الفلوجة على تخوم العاصمة بغداد من الغرب وعلى المداخل الشمالية لكربلاء، والتي تعتبر نقطة الانطلاق الأساسية لـ"داعش" في العراق حيث نما وتمدد وانتشر التنظيم مستفيدا من بيئة حاضنة له بالكامل، جعل منها قاعدة أساسية لاغلب عملياته في العراق، الهجومية سابقا عندما توسع في أغلب المدن والمناطق، والدفاعية حاليا حيث يدير معركته من خلال اطلاق العمليات الارهابية الانتحارية وغير الانتحارية على كامل الجبهات بمواجهة الجيش والحشد العراقي في صلاح الدين وفي حوض الفرات اعتبارا من غرب بغداد حتى مناطق هيت وحديثة في وسط الانبار.
استنادا للمعطيات العملانية والميدانية المختلفة والتي تمتلكها "داعش" في المناطق - الأهداف الثلاثة المذكورة، يمكننا القول أن للفلوجة أهمية حساسة تتفوق على الموصل وغرب الانبار لناحية كونها تشكل نقطة قيادة وسيطرة في وسط انتشار التنظيم في العراق، يدير منها معاركه الدفاعية والهجومية، حيث يوزع عملياته الانتحارية بشكل يتناسب مع حاجته من الضغط على أية جبهة يختارها بمواجهة الجيش العراقي والحشد الشعبي وذلك في غرب الانبار على ضفاف الفرات أو في صلاح الدين ما بين بغداد وحتى مداخل الموصل الجنوبية، وايضا على ضفاف نهر دجلة، كما وتلعب عملياته الارهابية العنيفة باتجاه بغداد وكربلاء دورا مساعدا لتخفيف الضغط عن وحداته في أمكنة أخرى لاضطرار الجيش وقوى الأمن الى تخصيص قوى ووحدات وجهود جبارة لمواجهة ومنع هذه العمليات ولتأمين حماية لمطار بغداد وللاماكن المقدسة في كربلاء ذات الرمزية المهمة في العراق والتي يأخذ منها التنظيم الارهابي هدفا دائما لعملياته الارهابية.
استناداً الى هذه القدرة لدى "داعش" على التحكم بادارة معركته الدفاعية بشكل فعّال في أغلب مناطق المواجهة داخل العراق، وذلك انطلاقا من الفلوجة التي تعطيه الامكانيات العملانية والامنية والارهابية والعسكرية الواسعة المذكورة، والتي تفرض نفسها على كامل معركة مواجهته في العراق وفي سوريا ايضا، تذهب دائما الولايات المتحدة الاميركية من خلال قادتها العسكريين في العراق، باتجاه العمل على تأخير معركة مهاجمة وتحرير الفلوجة، والتي مبدئيا ستؤسس - لو تمت - لاستكمال السيطرة على باقي اماكن تواجد "داعش"، وذلك بهدف تنفيذ استراتيجيتها التي أصبحت واضحة والقاضية باستنزاف أغلب القوى في العراق وسوريا، الحكومية منها والمعارضة والارهابية، من خلال مناورة تقوم على مواجهة التنظيم الارهابي بالقدر الكافي فقط للايحاء بأنها تحاربه، مع ترك هوامش مبادرة في يده ميدانية وعسكرية، وذلك انسجاما مع مخطط غريب تعمل عليه لا يمكن استبعاد تقسيم وتفتيت العراق وسوريا كهدف أساسي له.