ارشيف من :آراء وتحليلات
رسائل نتنياهو.. دوليَّة.. وداخليَّة
لم يكن إعلان نتنياهو بأن الجولان سيبقى تحت الاحتلال الإسرائيلي "الى الأبد"، سوى حلقة جديدة من مساع إسرائيلية لتثمير الحرب التي تواجهها سوريا بهدف تكريس الاحتلال، وفرض معادلات جديدة على الساحة السورية.
للوهلة الأولى، يوحي الجو الاحتفالي الذي تعمَّد نتنياهو إجراءه، مع حكومته، كما لو أن إعلانه عن عزم "إسرائيل" الإبقاء على الاحتلال كما لو أنه موقف جديد في مضمونه. لكن الواقع أن الكنيست سبق أن سنَّ قانونا في العام 1981، يعلن ضم الجولان الى الكيان الصهيوني، وتطبيق "القانون الإسرائيلي" عليه.
وسبق للجولان أن احتل مكانة أساسية في مفاوضات التسوية قبل نحو عقدين. وبرز خلالها تمسك القادة الاسرائيليين به باعتباره منطقة ذات أبعاد استراتيجية لها تأثيرها المباشر على الأمن القومي الاسرائيلي. ونتيجة ذلك ترك السجال التفاوضي حوله مفاعيل حاسمة على عملية التسوية التي فشلت في نهاية المطاف بالتوصل الى اتفاق نهائي بين سوريا و"إسرائيل".
الجولان المحتل
لا يُخفي الاسرائيليون خلفيات مواقفهم ذات الصلة بالبعد الاستراتيجي للجولان. بل يؤصِّلون لذلك ويبررون بها – من ضمن تبريرات اخرى - احتلالهم ونواياهم بالبقاء فيه.
مع ذلك، الجديد الكامن في موقف نتنياهو هو الجهر به بشكل صريح ومباشر ومن دون مواربة. وللمقارنة، مع أن "اسرائيل" تسعى الى تكريس احتلالها في الضفة الغربية، لكنها لا تعلن عن ذلك بل تؤكداستعدادها للتوصل الى تسوية ما بخصوص الضفة. لكن بخصوص الجولان فإن الخطاب الاسرائيلي مختلف واكثر مباشرة وصراحة.
من أجل ذلك، من الصعب جدا – بل من المستبعد – فصل القرار بالاعلان عنه وتوقيته عن التطورات التي تشهدها الساحة السورية. خاصة وأن اسرائيل ترى في المتغيرات التي تشهدها المنطقة، فرصة مثالية لتحقيق أطماع توسعية اسرائيلية في الجولان والضفة. اضافة الى محاولة فرض معادلات تتصل بحركة الصراع مع محور المقاومة في المنطقة.
في هذا السياق، من الواضح جدا أن لهذا الموقف، في مضمونه وتوقيته وشكله، علاقة بالزيارة المرتقبة خلال الايام المقبلة لنتنياهو الى موسكو. ويحاول رئيس الوزراء الاسرائيلي بذلك انتزاع شرعنة دولية للاحتلال الاسرائيلي للجولان.
على خطٍّ مواز، ترى اسرائيل أن التطورات السورية والاقليمية تشكل دافعا كبيرا لها لعدم المخاطرة بأي تسوية تتضمن انسحابا ولو بشكل جزئي من الجولان والضفة الغربية. وتبرر ذلك، أنه لا يوجد ما يضمن عدم تحول هذه المناطق التي سيتم الانسحاب منها الى قواعد لمهاجمة اسرائيل.. هذا اذا ما افترضنا أصل وجود نوايا واستعداد مبدئي لهذا السيناريو، مع التأكيد على أن اسرائيل لها اطماع توسعية في هذه المناطق وغيرها.
أما بخصوص منشأ الرهان والامال الاسرائيلية، فلم تعد تحتاج الى تحليل فقد برزت في أكثر من محطة في كلام نتنياهو واخرها خلال اجتماع حكومته في الجولان، عندما تحدث عن أن سوريا لن تعود الى ما كانت عليه ذات مرة. متعمداً الحديث عن المكوِّنات السورية الطائفية التي رأى أنها باتت تشعر بأنها مطاردة. ويؤشر كلام نتنياهو الى أن موقفه يستند الى رهان على تفكك سوريا على أن تكون حصة اسرائيل تكريس احتلالها للجولان. ومن جهة أخرى، حاول نتنياهو التمهيد لتقديم اسرائيل كجهة حامية وراعية للطوائف التي تشعر بأنها مهدَّدة من التكفيريين.
اما بخصوص مطالبته بـ «إبعاد قوات إيران وحزب الله من الأراضي السورية». فهو مطلب ثابت ودائم للعدو الاسرائيلي. بل هو جوهر المقاربة الاسرائيلية للساحة السورية. لكن فيما يتعلق بمطلبه ابعاد داعش. فإن نتنياهو يشترط أن يقترن ذلك بخروج حزب الله وايران من سوريا. على قاعدة "الانتصار على داعش وترك ايران يعني الانتصار في المعركة وخسارة الحرب". ما يكشف بوضوح الدور الاستنزافي الذي تؤديه داعش في مواجهة محور المقاومة بالنسبة لاسرائيل. والمطلوب التخلص منها بعد انتهاء المهمة الموكلة اليها.
في السياق نفسه، كان لافتاً ايضا عدم مطالبة نتنياهو باخراج "تنظيم القاعدة – جبهة النصرة" من سوريا، كما طلب ذلك بخصوص داعش؟؟!!.
في المقابل، لا ينبغي تجاهل الأبقعاد الداخلية ايضا لرسائل نتنياهو. خاصة وأن مواقف كهذه تخدمه في تعزيز صورته كشخصية يمينية متصلبة في القضايا ذات الصلة بالامن القومي. ويأتي ذلك، بعد اهتزاز صورته التي يحاول من خلالها تقديم نفسه كـ "سيد الامن" وتحديدا بعد فشله في مواجهة انتفاضة الشعب الفلسطيني.