ارشيف من :آراء وتحليلات

إذا رفض الأوربيون التعاون.. ارفعوا أيديكم عن الحدود

إذا رفض الأوربيون التعاون.. ارفعوا أيديكم عن الحدود

خفت الصوت في المنازلة السياسية التي خاضها الساسة وتفرعاتهم في مسألة أساسية تتعلق بوجود النازحين السوريين في لبنان، وتراوحت المواقف بين الإعلانية العنصرية والمحاباة التعصبية وما بينهما من مواقف دورت الزوايا، وانتهت الأمور بطي الصفحة والدخول في سجالات أخرى لملف جديد لا تصل فيه الأمور إلى خواتيم محددة وتصبح السياسة والمواقف فعل قول وإنشاء مواقف كلامية تؤدي دوماً إلى عدمية عملية لتبدأ وتنتهي في دوران لا نهاية له.

إذا رفض الأوربيون التعاون.. ارفعوا أيديكم عن الحدود

لاجئون سوريون

لذا سنحاول أن نقارب الموضوع بعقل بارد الأساس فيه المصلحة الوطنية بعيداً عن المزايدات المتنوعة، ومن زواية عدّة أبرزها:

1 - أن وجود النازحين يشكل ثقلاً نوعياً على لبنان وبالتالي على اللبنانيين إن لناحية التناسب بين المساحة وعدد السكان أو طبيعة الموارد مما يجعل العدد الكبير يشكل عبئاً اقتصادياً واجتماعياً حاداً في ظل الأزمة الاقتصادية التي تمر فيها المنطقة ويتأثر لبنان بقوة بتداعياتها وعلى أكثر من صعيد.

2 - أن لبنان لم يتوان عن فتح الأبواب جميعها أمام النازحين وقدم كل ما يستطيع بداعي الأخوة والجيرة وكل الأسباب الإنسانية والقيمية التي يمكن أن تحشد في الكلام عن هذه المواقف، لذا كان من الطبيعي في ظل السقف المفتوح والمعاملة الايجابية أن يتكون دفقاً هائلاً تجاوز في الاحصاءات المعلنة ثلث عدد سكان لبنان وبالمقارنة بين نوع التعامل اللبناني وبين تعاملات الدول الحدودية الأخرى فإن النازح السوري يتمتع بوضعية ايجابية لا يمكن أن يحصل عليها في مكان آخر.

3 - أن المخاطر الأمنية التي واجهها لبنان من بعض الوجود السلبي للنزوح السوري ومحاولة الإرهابيين التغلغل والاستفادة وتنفيذ مخططات جهنمية لزج لبنان في لهيب الحرب التكفيرية وتناغم البعض الذي فتنته الشعارات المذهبية والطائفية وغيرها من الأمور، كل ذلك لم يؤد إلى تغيير موقف اللبنانيين الايجابي على مر أعوام من النـزوح ولم يحمّل أحد من النازحين وزر الأمور، وهذا يسجل في خانة اللبنانيين بشكل عام، ورب قائل أن التوازنات والمصالح السياسية لعبت دوراً في ذلك، لكن الواقع أن المشهد اللبناني كان يمكن أن يجنح نحو السلبية ويعبر عنها بأشكال مختلفة لو لم يكن في صميم ذاته واعياً ومدركاً وفاعلاً في تأمين المناخات الايجابية لإخوته النازحين.

4 - أن الأعباء المستمرة بسبب استمرار تواجد النازحين لم يتم التعاطي معها بالشكل المطلوب الذي يخفف عن لبنان الضغوطات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية ومحدودية الموارد، ذلك أن الأمم المتحدة والعرب والأوروبيين وغيرهم ممن يعنيهم الأمر في تحمل المسؤولية تعاطوا مع الواقع في لبنان تحت الحد الأدنى المقبول به، ولم ينل لبنان إلا النذر اليسير من المساعدات بينما كانت الأمور مختلفة في بلاد أخرى، وفي هذا السياق يتحمل الساسة المسؤولية وخاصة الحكومة اللبنانية وسياستها العرجاء وحساباتها المختلفة بحيث باتت أعجز من أن تملك سياسة واضحة صريحة تطالب الأمم المتحدة والدول الأوروبية بها، لا بل أن هذه الهيئات والدول أصبحت تتحكم هي، ويرضخ المعني في لبنان لشروطها المذلة والتي لا ترضى دولة ذات سيادة بها.

5 - أن الإغداق على لبنان بالمديح المتواتر لكرم ضيافته وتحمله أعباءً ضخمة لم يستطع الاتحاد الأوروبي مجتمعاً أن يتحملها، ويتعثر في حساباتها، هذا المديح يحمل في طياته نزعة نفاق مصلحي يكشف في جزء منه حقيقة الموقف الأوروبي ومعه الأمم المتحدة الذي التفت إلى لبنان فقط عندما أراد أن يضمن أن هؤلاء النازحون لن يفكروا في الهجرة إلى دياره، وبعبارة أخرى للتخلص من أعبائه، لذا فإن المقترحات التي تقدم بها والتي تعبر عن عميق مكوناته الانتهازية ورواسبها الاستعمارية التي تريد أن تحول النازح إلى مادة مصالح متخلية عن كل المشاعر والقيم الإنسانية، وإلا ما معنى أن تطرح الأفكار والمشاريع على أساس ربط الموضوع بتأمين ديمومة عمل وبقاء، وربط مصالح النازح بالأرض وتحويله إلى واقع مستمر، تصبح معه العودة أمراً صعباً وكل ذلك من أجل أن لا يفكر هؤلاء بالتحرك نحو القارة العجوز، (آخر الوافدين إلينا الرئيس الفرنسي هولاند).

 إن السجالات الحادة التي أثارها الأمر سواء من خاف من صيغة التوطين وتداعياتها الديموغرافية أو من سال لعابه في حسابات الاستعمال اللاحق لهؤلاء في معاركه السياسية، وإنتاج نسخة أكثر تشوهاً من استغلال الوجود الفلسطيني في لبنان إبان القرن الماضي، هذه السجالات والمخاوف والخيالات قد يكون لها نصيب من الواقع، لكن الأهم والذي يجب أن يقلق هو هذا الوجه البشع الذي كشف عنه السياسي الأوروبي والذي يجب مواجهته قبل أن يتمكن بفعل التراكم العملي من ترجمته إلى أمر واقع في ظل انقسام الموقف وغياب الفعل الموحد.

6 - أن مواجهة هذا الخطر المحدق بنا لبنانيين وسوريين يعتمد عملياً على معرفة نقاط القوة التي لدينا وتشكل طرحاً موضوعياً لإقناع  الجميع برؤيتنا والإصغاء إلينا والانفتاح على خططنا العملية عبر مسألتين تطرحان علنية وهمساً بين أصحاب الرأي وجديرتين بالتبني :

* تبني الخطة التي تقوم بجوهرها على تقديم المساعدة والتعاون لإعادة النازح إلى مناطقه، (منطقته الآمنة) وتوفير ظروف أولية لاستقراره ومساعدته، وذلك يفترض الخروج من دائرة الخوف السياسي ودفن الرأس بالرمال التي يمارسها البعض ويحاول أن يبتعد عن التواصل الضروري والعملي مع الحكومة السورية مغبة أن يغضب عليه بعض الخارج حتى لو أدى ذلك للإضرار بالمصالح الوطنية، هذا الأمر يؤدي عملياً إلى إعادة النازح بكرامة وإلى تخفيف العبء التدريجي عن لبنان ويردف ذلك بمساعدات دعم تصرف خلال هذه الفترة في تقوية البنى التحتية الأساسية في لبنان من ماء وكهرباء وخلافه.

* في حال عدم التجاوب، فإن المطلوب أن يدرك الأوروبي وغيره أننا لسنا شرطة عنده ولا حاجز متقدم أمام حدوده، ولا مصلحة لنا في ممارسة أي ضغط على من يريد أن يكمل مسيره نحو تلك البلاد.

بكلام واضح حتى تكون الترجمة دقيقة ولا تحمل إلتباسات، إذا رفض الأوربيون التعاون، ارفعوا أيديكم عن الحدود، غضوا الطرف، افتحوا البحر،... واتركوا الناس تسير إلى حيث ترغب، فالصيف أطل ولا تجعلوا الأتراك أفضل منكم فقد فتحوا البحر والبر منذ زمن، وحصدوا ثمارها. هل تتحركوا أيها اللبنانيون؟

2016-04-19