ارشيف من :آراء وتحليلات
قراءة ميدانية لوقف اطلاق النار في سوريا
جاءت الهجمات العنيفة والتي نفذتها مجموعات المسلحين مؤخرا على مراكز انتشار الجيش العربي السوري وحلفائه في الريف الشمالي لللاذقية وفي ريف حلب الجنوبي والتي نتج عنها بعض التقدم لهؤلاء وخاصة في تلة العيس الاستراتيجية في ريف حلب الجنوبي، لتطرح بعض التساؤلات حول الجدوى العسكرية والميدانية والاستراتيجية التي حققها هذا الجيش من وقف اطلاق النار.
ربما كان وقف اطلاق النار هذا موفّقا لناحية إفساح المجال لفصائل ومجموعات متعددة للانخراط بمنظومة المفاوضات في جنيف باشراف الامم المتحدة وبرعاية روسية – اميركية مشتركة ، بعد ان طرحت هذه المجموعات نفسها كوحدات معتدلة وافقت على وقف الاشتباكات وعلى وقف العمليات العسكرية ، وقد يكون القرار السوري الرسمي والمدعوم من الحلفاء صائبا لناحية الاخذ بعين الاعتبار الفكرة الروسية الرامية الى تحضير اجواء مؤاتية تدفع هؤلاء او تجرّهم الى المفاوضات والانخراط بطريق الدخول بتسوية سلمية بعد أن يبتعدوا ميدانيا وسياسيا عن التنظيمات الارهاية كـ"داعش" أو "النصرة" وبعض المجموعات الارهابية الاخرى.
ولكن ما لم يكن موفّقا هو ان وقف اطلاق النار هذا قد جاء في وضع ميداني حساس لناحية خصوصية الجبهات وخطوط المواجهة على الارض وذلك على الشكل التالي:
في ريف اللاذقية ، توقفت عمليات تقدم الجيش العربي السوري وحلفائه وفي عز اندفاعته الهجومية امام خط انتشار المسلحين ما بين تلة وبلدة " كباني" شمال شرق وبين بلدة "بداما" شمالا ، وقد شكل المسلحون على هذا الخط انتشارا دفاعيا متماسكا عملوا على تحصينه وتقويته خلال فترة وقف اطلاق النار ، خصوصا وانه يمثل الجبهة الحيوية الوحيدة المتبقية تحت سيطرتهم قبل وصول الجيش العربي السوري الى النقاط والمحاور المشرفة مباشرة على سهل الغاب وعلى مداخل ومدن ادلب الغربية اعتبارا من جسر الشغور ، المدينة المعبر التي تمثل مفتاحا للسيطرة على مدن وبلدات ادلب المذكورة.
الجيش السوري
هذا التوقف جاء ايضا قبل ان يكمّل الجيش السوري سيطرته على اغلب المعابر الحدودية شمالا والتي يمثّل مسكها من قبله اهمية اساسية في قطع التواصل والارتباط الميداني للمسلحين مع تركيا عبر تلك المعابر الحدودية الشمالية.
في ريف حلب ايضا، توقفت عمليات تقدم الجيش في ريف حلب الجنوبي بعد سيطرته على خط خان طومان - العيس الاستراتيجي، وبعد سيطرته على خط باشكوي – رتيان – نبل والزهراء، وقد تميزت تلك الخطوط المذكورة والتي توقف الجيش عليها بقربها وبتداخلها مع خطوط انتشار المسلحين في الريف الجنوبي ما بين شمال خان طومان مرورا بالزربة حتى الايكاردا، او في الريف الشمالي ما بين حندرات شرقا حتى عندان غربا مروراً بحريتان، وقد نتج عن هذا القرب والتداخل خسارة الجيش السوري لامكانية الاستفادة القصوى من التغطية الجوية والمدفعية حيث تشكل هذه التغطية خطرا على مراكز وحداته القريبة والمتداخلة مع مراكز المسلحين.
هذا لناحية الانتشار الميداني على الخطوط المتقابلة ما بين ارياف اللاذقية الشمالية الشرقية وارياف حلب الشمالية او الجنوبية، كما ويمكن الاشارة الى نقطتين استراتيجيتين مهمتين ميزتا مناورة معركة المسلحين خلال وقف العمليات العسكرية ووقف اطلاق النار وهي:
اولا:
بعد ان كانت الاندفاعة واضحة وثابتة في تقدم وحدات الجيش السوري وحلفائه في معاركه الهجومية في الارياف المذكورة، وحيث ان المسلحين كانوا تقريبا بوضع شبه انهيار من الناحية المعنوية والعسكرية الميدانية بسبب تهاوي مواقعهم بسرعة لافتة وبسبب فقدانهم القدرة على المقاومة، حيث منيوا بخسائر كبيرة في العديد والعتاد وبعد ان تم تدمير القسم الاكبر من بنيتهم التنظيمية، جاء وقف اطلاق النار ليؤمن لهم فرصة لالتقاط الانفاس ولاعادة تركيز خطوطهم الدفاعية واستيعاب صدمة هجوم الجيش العربي السوري وحلفائه.
ثانيا:
لقد استغلوا وبفعالية لافتة فترة وقف اطلاق النار ووقف العمليات العسكرية، وعملوا بمساعدة داعميهم الاقليميين، الاتراك والخليجيين، وبرعاية اميركية غير مباشرة كانت بصماتها واضحة في غض النظر وتسهيل رفدهم واعادة تجهيزهم باسلحة هامة وبمعدات عسكرية وذخائر ضخمة، وايضا عملوا على إدخال اعداد كبيرة من الارهابيين المسلحين عبر الحدود التركية وتوزيعهم على الجبهات لسد النقص ولدعم المواقع الحيوية والاستراتيجية.
من هنا ، وحيث ان المسلحين سيحاولون دائماً استغلال القرار السوري الاستراتيجي القاضي بالسير بتسوية سلمية وبالمفاوضات بهدف قطع الطريق على هؤلاء وعلى داعميهم الذين يعملون على تدمير سوريا وتشريد ابنائها، لا بد للجيش العربي السوري ولحلفائه وبمعزل عن اقتناعهم كما ذكرنا اعلاه بالتسوية السلمية وبالمفاوضات، من استكمال السيطرة على خطوط انتشار المسلحين ما بين كباني في ريف اللاذقية وجسر الشغور في ادلب، وذلك بهدف الحصول على انتشار ميداني استراتيجي يتمتع بمميزات حيوية للمدافعة وللتمركز، وايضا لا بد له من السيطرة على خطوط انتشار هؤلاء في ريف حلب الجنوبي ما بين شمال خان طومان وامتدادا الى الايكاردا غربا مرورا بالزربة الاستراتيجية وذلك على عمق يكون كافيا لابعاد المسلحين لمسافة تمكّنه من تامين تغطية جوية ومدفعية فعالة على مراكزهم دون ان تؤثر على وحداته المنتشرة بمواجهة تلك المراكز.