ارشيف من :نقاط على الحروف
رؤية بن سلمان.. بداية النهاية
علي الحاج يوسف
قفز محمد بن سلمان في فوهة المستقبل الذي يفترضه للمملكة، أحرق مراحل تنحية محمد بن نايف المفترضة، وافترض نفسه ملكاً مطلقاً من لحظة إعلان مشروعه " رؤية السعودية 2030".
خرق الأمير المقبل على الإمساك بالسلطة أعرافاً وعادات بتخطيه اختصاص ابن عمه ولي العهد كنائب لرئيس مجلس الوزراء، وأطل في نادرة متلفزة لم يسبقه إليها ملك أو أمير. تسلح ولي ولي العهد بمشهد الإعلان الرسمي الذي تولاه والده، ليضيف شرحاً وتوضيحاً افتقدهما الملك الهَرِم لتعثر في مخارج الحروف، وتبعثر في التقاط كلمات النص المكتوب للمشروع -الرؤية.
محمد بن سلمان بن عبد العزيز
وإن كان المشروع حمل في الشكل محاولة من الوالد وولده لاستكمال احتكار قرار السياسات الخارجية والعسكرية بما فيها من تحالفات وحروب، بالقبض على السياسات الاقتصادية والاجتماعية، فإن ما في الرؤية من مضامين، يكشف عن اعتراف صريح بالخطر المحدق بمستقبل المملكة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.
مستعيناً، أكثر من مرة، بحركة الأصابع التي تشير إلى المزدوجين، أكثرَ بن سلمان من الحديث عن الشفافية، وفعلاً فإنه ظهر شفافاً في الإقرار باستحالة الاستمرار على سياسة الاتكال والاتكاء على ثروة نفطية، لكنه بدا حالماً وحتى واهماً أكثر منه واقعياً، فكيف ستعيش المملكة في العام 2020 من دون النفط، وهل من مبتدئ في علم الاقتصاد والاجتماع، وهل من عارف في تبدلات الأنماط الاستثمارية والسلوك الاستهلاكي، يقبل بأربع سنوات، أربع سنوات فقط لإحداث انقلاب في نمط الاقتصاد السعودي، ونمط عيش السعوديين، القائم على القول الشائع:" أبغي من هذه السلعة حبة أو حبتين أو أكثر" سيارة كانت تلك السلعة أو طائرة أو حتى إنسانا في بعض الأحيان؟ وهل الشفاء من حالة الإدمان النفطية، والتعبير لبن سلمان نفسه، سهلة وسريعة ومتيسرة في حسابات المنطق والعقل؟.
لم تسعف الأمير النافذ، حركة عينيه التائهتين، فكشفت عدم نفاذ بصيرته، وأظهرته واهماً يفترض، في بضع سنوات، تحقق مشاريع وطموحات تحتاج مع توافر كل الظروف و"الكفاءات"، وهذا ما ليس في المتناول، إلى خطط خمسية وعشرية، وعشرات من العقود والسنوات.
نجح الأمير الشاب في " تسميع درسه المعدّ بناء على أسئلة متفق عليها سلفاً"، وهذا ما لم ينجح به من سبق من الملوك والأمراء، وسبق من سلف أيضاً بالقول إنه سينال ضريبياً من طبقة الميسورين وجلّها من عائلته الحاكمة والمتحكمة، لكنه فضح للمرة الأولى هشاشة الواقع الاجتماعي السعودي، وفي معرض تجاوزه ما اعتبره مشاريع صغيرة للتسويق لما وصفه بالطموحات الكبرى، لم تسعفه طراوة عوده في المراوغة المناورة، فراوح، دون رؤية واضحة، عند ملفين حيويين بالنسبة للشعب السعودي هما البطالة والإسكان.
استعجل بن سلمان خطوات القبض على الحكم، فكشف ما كان مستتراً ومخفياً في مملكة العائلة القابضة، ووضعها في مهب طموحات وافتراضات لا طاقة لها بها، وما كان مغلفاً بغلاف غموض العائلة ودهاليزها الممنوع حتى التفكير بكشف كنهها، بات موضع رصد ومتابعة، وحتى مساءلة. إنها بداية النهاية.