ارشيف من :ترجمات ودراسات

آل سعود: الانفجار من الداخل

آل سعود: الانفجار من الداخل

الكاتب: Pepe Escobar
عن موقع Mondialisation.ca
19 نيسان / أبريل 2016


كشفت العملية النفسية "وثائق بنما" أن ملك السعودية سلمان –وهو مريض- هو مع بعض الشركاء، واحد من عدد من كبار المنتفعين من الجنائن الضريبية.

فقد استخدم آل سعود شركات وهمية في الجزر العذراء البريطانية من أجل وضع اليد على ما لا يقل عن 34 مليون دولار لشراء بيوت فارهة في لندن و"يخت فاخر باتساع ملعب لكرة القدم". ومع هذا،  كان صمت وسائل إعلام لأنظمة الغربية ثقيلاً جداً. وكان ذلك متوقع لأن أعيان الأسرة السعودية يتمسكون بمواقعهم في الصفوف الأولى بين عملاء الغرب.

وفي الوقت الراهن، هناك أيضاً هوة واسعة: فالأسرة السعودية منشغلة بتلميع أكذوبتها حول ضرورة التقشف في الداخل مع أنها تحتل من الآن فصاعداً الموقع الثالث عالمياً على مستوى الإنفاق على التسلح، سابقة بذلك روسيا.

والحقيقة أن كلمة "تقشف" كبيرة نوعاً ما. ذلك أنني كشفت في بداية العام ليس فقط عن أن آل سعود قد شنوا حرب أسعار في مجال النفط على صناعة النفط الصخري الأميركي وعلى كل من روسيا وإيران، بل أخذوا على عاتقهم أيضاً مهمة إغراق السوق بما لا يقل عن مليار دولار على شكل أسهم أميركية كي يعيدوا التوازن إلى ميزانيتهم المتنقلة من كارثة إلى كارثة أدهى.

آل سعود: الانفجار من الداخل

واليوم، نشهد هجمة علاقات عامة كبرى في وسائل إعلام الأنظمة الغربية يشنها الأمير المحارب، محمد بن سلمان (هو في الثلاثين من عمره)، وهو المحرك الرئيس للحرب الكارثية وغير الشرعية على اليمن، بكل ما فيها من أضرار جانبية لا تحصى تلحق بالمدنيين.  فالشاب ابن سلمان يريد لنفسه أن يكون دايفد بووي عربي، أي الرجل الذي غير العالم بشكل رئيس بسبب تصميمه على خصخصة آرامكو بشكل جزئي، وعلى إخراج السعودية من دورها المحدد بدقة كخزان نفط، وذلك عبر إنشائه لصندوق من 2000 مليار دولار.
بالنسبة للولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، فإن المملكة السعودية هي الحليف الأكيد الأساسي. فهي تمتلك ليس فقط ثاني أكبر مخزون نفطي في العالم، وتحظى بحماية أكيدة من النوع المافيوي عن طريق الاتفاق الموقع عام 1945 بين روزفيلت وابن سعود، بل إن آل سعود هم أيضاً الجهة التي يتراكم عندها البترودولار، والمشتري المنتظم لأسلحة غربية بأكثر من مئة مليار دولار في السنة خلال السنوات الأخيرة.

وبالتوازي مع ذلك، فإن المملكة السعودية هي، خليط من نظام الحكم الإلهي والملكية المطلقة التي يسير إلى جانبها قطيع من رجال الدين الأصوليين والمتزمتين. وهي تستمر بالقيام بدورها كحاضنة إيديولوجية لجميع شبكات الجهادية السلفية بما فيها تجسدها الأخير المتمثل بدولة الخلافة وداعش. إن آل سعود قد بذلوا، مباشرة أو بشكل غير مباشر، أكثر من 100 مليار دولار في أنحاء العالم الإسلامي لنشر رؤيتهم الأصولية الوهابية.

نظرة سريعة إلى ما وراء الستائر المخملية

خلال فترة من الوقت، كانت هناك إشاعات لا تتوقف ويتم تناقلها بين لندن ونيويورك وعبر الشرق الأوسط كله عن إمكانية حدوث انقلاب في الرياض.

واليوم، هناك معلومات لا سابق لها عن اللعبة الثورية التي تجري حالياً حول السلطة في المملكة. وهذه المعلومات جاءت من مصدر سياسي ناشط لا يعرف آل سعود وحسب، بل يعرف أيضاً المصالح الحقيقية لأسيادهم الحقيقيين في محور واشنطن / وول ستريت.
وبحسب ذلك المصدر، فإن "الأمير محمد بن سلمان لا يدري فعلاً ما الذي يجري. فهو شخص يجري التلاعب به كونه محاطًا بمستشارين يهيمنون على كامل النظام الاقتصادي السعودي ويعملون من أجل إعادة تنظيمه الذي بات ضرورياً بالتأكيد. وهناك قسم من هؤلاء المستشارين يقوم بتهيئة الأجواء لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. وهذا يجعل الانتقال أسهل بكثير نحو نظام عسكري مرغوب به بدلاً من الحكم الملكي الذي تمقته وكالة الاستخبارات المذكورة".

وهذا يستتبع أيضاً أن يكون بعض المستخدمين الغربيين الذين تم توظيفهم بشكل جماعي في آرامكو بهدف الاستيلاء عليها، أن يكون ذلك البعض هو بالضبط عملاء وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وأن يكون ذلك مجرد تغطية معروفة للعمليات السرية.
وقد بدأ مجمل هذه العملية منذ بعض الوقت في نيسان/أبريل 2014، أي في الوقت الذي كانت تنتشر فيه الإشاعات في الرياض حول وجود تحرك من أجل التخلص من الملك عبد الله. لكن تسوية حصلت في النهاية: بندر بن سلطان، المعروف باسم بندر بوش، فشل في ترتيب الحرب في سوريا عن طريق تبنيه لجيش من الجهاديين، تم صرفه من الخدمة على أنه المذنب الحقيقي المسؤول عن فشل هذه الحرب الإرهابية التي تقودها السعودية. أما الأمير محمد بن نايف فقد ارتقى ليصبح الرقم 2 في المملكة حيث تم تنصيبه بشكل لائق بأوامر صادرة عن أسياده في واشنطن. وكان محمد بن نايف على وشك أن يعين بوصفه الملك القادم بعد محمد بن سلمان.

ومن جهته، فإن الشاب محمد بن سلمان كان يريد قلب الطاولة معتمداً على كونه إعلامياً حصيفاً، فهو يعتبر أنه وريث أبيه. ومع هذا، كانت المقاومة الداخلية شرسة جداً. وهنا، يؤكد المصدر نفسه "أن غلياناً يحدث في أوساط الجماهير الفقيرة عندما تسمع محمد بن سلمان وهو يتباهى بامتلاكه أسهماً في آرامكو بقيمة 2 مليار دولار، في حين أنها تعاني من إلغاء ما كان آل سعود يقدمونه لها من مساعدات". وبخصوص الثروة النفطية السعوية، فإن محمد بن سلمان يقع في الخطأ عندما لا يصدق بأن "تخفيض أسعار النفط يشكل خطراً علينا، لأننا نعتبر أن ما يجري هو عرض وطلب يتحكمان بالسوق الحرة".

يقول مصدرنا بشكل جازم: "محمد بن نايف رجل قدير جداً. إنه مكافح بالكثير من الناجعية ضد الإرهاب. وهو ناضج وثابت وذو مواهب. المشكلة أنه يشعر بنقمة متصاعدة بخصوص حرب النفط التي تمليها واشنطن. ثم إن المستشارين يضغطون على محمد بن سلمان كي يقلص المساعدات التي تدفعها الحكومة إلى المواطنين. وهذا سيؤدي بالتأكيد إلى إبعاد الجماهير عنه، كما أنه يقدم تبريراً لحدوث انقلاب يتم فيه سحق المواطنين".

هذا يقودنا إلى القضية المهمة جداً المتمثلة بالشراء المكثف للأسلحة: "ذلك مرتبط بجهود محمد بن سلمان من أجل بناء جيش سعودي قوي إضافة إلى تحالفات عسكرية مع  باكستان ومصر أي مع الحليفين اللذين تشتريهما السعودية بالمال. هناك أموال يتم تبذيرها في كل مكان في وقت يصرون فيه على حرمان المواطنين من المساعدات. وكل هذا لا يفعل غير زيادة الضغط على الأسرة المالكة".  

ما يجري على الجبهة العسكرية ليس بالضبط انتصاراً لسلمان وابنه. ففي القاهرة، يتردد السيسي أمام فكرة وجود قوات عسكرية مصرية متورطة في عش الدبابير اليمني. والأمر مشابه مع نواز شريف في إسلام أباد الذي رفض إرسال قوات باكستانية.

من هنا، وجد الملك سلمان نفسه مجبراً على التوجه إلى رئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي. ففي النهاية، هناك 3 ملايين عامل هندي في السعودية، والهند تسورد 20 بالمئة من احتياجاتها النفطية من السعودية. ومع هذا، لا مجال لقوات عسكرية هندية.

فالهند وباكستان يريان الأمور بوضوح، ذلك يشكل جزءاً من حملة جنونية تشنها الرياض ضد إيران. والهند وإيران شريكان في تنمية طرق الحرير الجديدة عبر أوراسيا. وإيران وباكستان شريكتان أساسيتان في خطوط أنابيب الغاز.

هل اللحظة مناسبة للوقوف في الطابور للحصول على وظيفة سائق سيارة أجرة ؟

حدوث انقلاب في الرياض، ذلك أمر ممكن لكن في وقت لاحق. وهو أمر من اختصاص القوى النافذة في واشنطن. فالسعودية المحكومة من قبل الأمير المحارب لا يمكنها،وفق ما تقوله القطاعات المؤثرة في واشنطن، أن تكون جديرة بالثقة. وتركيا ينظر إليها الآن على أنها قد أصبحت خارج عملية الضبط، إذ أن كون السلطان إردوغان قد أصبح مستبعداً في واشنطن من قبل أوباما قد يشكل تمهيداً لعزله الممكن من قبل الجيش الخاضع تماماً لسيطرة تلك القوى النافذة. كما أنه من غير الممكن التعويل على إيران، لأن طهران تعطي الأولوية للتكامل الأوراسي وللعلاقة الاستراتيجية الأكثر قوة مع روسيا والصين.

قد يمكن أن نتخيل أن آل سعود سيغيرون الوضع عبر إعادة أسعار النفط إلى الـ 100 دولار للبرميل عبر تخفيض إنتاجهم بنسبة 10 بالمئة، وذلك بالتوافق مع روسيا خلال اجتماع الدوحة المقبل، ثم إعادة رسم سياستهم اعتماداً على روسيا بما هي قوة إعادة للتوازن. انسوا هذا. فهو لن يكون !

ما هو مدهش في هذه القصة المحيرة عن السعودية هو، بنظر مصدرنا "أن الملك سلمان كان شخصاً يمكننا أن نزعم بأنه سيكون مفيداً للولايات المتحدة لأنه سيؤمن استقرار الإمدادات بالنفط". لكن الجهات المؤثرة في واشنطن لم تعد تنظر إلى سلمان وابنه بهذه الصورة. فهذه الجهات تعتبر محمد بن سلمان بوجه خاص شخصاً "غير منضبط وغير ثابت".

مرة أخرى هناك السيطرة والسيطرة والسيطرة. مصدرنا يشرح كيف "قام الغرب بإعداد ضباط الجيش السعودي (هم في الغالب عملاء لأجهزة الاستخبارات الغربية). وذلكم هو السبب في أن ولي العهد سلطان لم يمنحهم ثقته على الإطلاق وحرص، عندما كان وزيراً للدفاع، على ترك الجيش ضعيفاً. كان يخشى الجيش بوصفه قوة مميزة للسيطرة على البلاد. وكان محقاً بالتأكيد. فالسعوديون يحتاجون بنظر وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية إلى إشراف خارجي. وهذا واحد من الأسباب التي تدفع بتلك الوكالة إلى السعي لتغيير النظام لأن أوضاعه باتت خارج السيطرة".

ومع ذلك هناك ضجيج آخر يتمتع بأهمية قصوى. فوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية تعتبر أن آل سعود هم القيم الرئيس على الإرهاب الدولي. لكن ذلك غير صحيح. فمعظم العمليات الإرهابية هي استعادات لعمليات غلاديو التي كانت تنفذ في القرن العشرين. وهذا يعني أنَّ يد الناتو/البنتاغون هي وراء الإرهاب. ما يفسر جزئياً الخلافات الناشبة بين البنتاغون ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية.

ما يزال من الصعب أن نعرف أي فصيل من فصائل وكالات الاستخبارات الأميركية سيحرز النصر في الرياض. وهذا يظل قابلاً للتغير تبعاً للسيد المقبل للبيت الأبيض.

في الوقت الحاضر، عدد لا بأس به من القوى المؤثرة في واشنطن تتوق إلى رؤية ثروات آل سعود (بالمعنى الواسع) الأثرياء بثرائهم الشبيه بما نجده في ألف ليلة وليلة، مجمدة كلها في الخارج، من الولايات المتحدة إلى بنما. مع ما يستتبع ذلك من رؤية آلاف الأمراء السعوديين يقفون في الطابور بحثاً عن وظيفة سائق أجرة في واشنطن ونيويورك.

2016-04-26