ارشيف من :نقاط على الحروف

أخي الشهيد.. عامان من عُمرِ فاطمة

أخي الشهيد.. عامان من عُمرِ فاطمة

كان ذلك قبل يومٍ واحدٍ من غيابك الأخير. الثامنة مساء الأحد، كنت ترتدي قميصاً أزرقَ صافياً كسماء تظلل قلبك، وتبتسم كثيراً، أكثر من أيّ مرة. كأنك توهب للبيت ذاكرة طازجة يمكنها أن تردّ إلينا ابتساماتك متى شئنا.


أذكر طاولة العشاء بكلّ تفاصيلها، قالب الحلوى وشمعة العام الأول لفاطمة، بضعتك، وروحك المؤنسة في غيابك. أذكرُ فاطمة في تلك الليلة. تتراقص بين يديك كمن يُفرغ ذروة فرحه في حضن والده الراحل، تُراقص أصابعها على وجهك الجميل، كأنها تتفقد عينيك وتحفظهما لأعوامها المقبلة. أذكرك وأنت في أشدّ اللحظات حياةً، كمن يُسابق الفرح ويجمع لذاكرتنا ابتسامات بحجم السماء التي تقيمُ اليوم بيننا.

الشهيد محمد حسن جوني يلاعب ابنته فاطمة

 

أشعر بك تستعيدُ ذلك المساء مثلنا، من جنّتك الباهية. كانت جميلتك الصغيرة ترتدي فستاناً متناسقاً مع ثيابك، ولم تكتفِ بالنظر إليها والحديث عنها كل المساء. كنت سعيداً بطفلتك وهي تبلغ عامها الأول، وقد ساعدتنا في إطفاء شمعتها بعد الكثير من الصور.


اليوم تحملُ فاطمة شمعتين من عمرها، وقالب حلوى، وصورة لك من عيدها الأول، ترتدي فستاناً جميلاً أيضاً، متناسقاً كما العيد الأول، يليق بابنة الشهيد. هذا اللقب "العزّ" الذي منحته لأغلى ما لديك لتصونها في أعيادها المقبلة، وهي تطفئ المزيد من الشموع في حضرة شهادتك.


هي تعلم أنك حاضر معها، وأن يديك تغمرانها بكل حبّ، وأن الوقت لا يمرّ على شخص مثلك ولا على عائلة تنتظر رائحتك في أيّ لحظة. أشعر بها تراك دائماً، لأنها لا تكف عن مناداتك وتوزيع الابتسامات. بتُّ أثق بذلك.

يا محمد، لا أملُّ من مناداتك كلما كتبت لك وعنك. وكم أنا سعيدة بحديثنا عن فاطمة، أكثر الأحاديث سعادة في قلبك. أستذكر معك تلك اللحظات، وأتساءل عن سرّ العلاقة التي تجمع أباء الشهداء ببناتهنّ تحديداً، وتقتحم ذاكرتي في هذه اللحظة عشرات الوصايا والتحايا التي تركتموها لجيلٍ سيكبرُ على حبّكم الأسمى وعشقكم لله، وسيسأل عن سرّ رحيلكم بالرغم من تعلقكم بهم، وسيعرفون أنّ حب الله أكبر، وأنكم ما تركتموهم إلا لتبقوا إلى جانبهم بعين الله.   

"يا والدي، اليوم أُتمُّ عامين من عمري، وعاماً من شرف أبناء الشهداء".


هذه الخاتمة هي الأجمل، لأنها ستكون يوماً بلسان فاطمة وهي تكبر حاملة اسمك وفخرها بخروجها من صلبك.

 

2016-05-04