ارشيف من :نقاط على الحروف
شتائم وأحقاد وعبارات نابية.. حال اعلام البترودولار
أحكام مسبقة، تشويه صورة، شتائم وأحقاد، كلّها ممارسات طفت في اليومين الماضيين على سطح اللغة الإعلامية اللبنانية. مع استشهاد مقاوم من الطراز الأول كالقائد مصطفى بدر الدين (ذو الفقار)، انشغل الإعلام الاسرائيلي في تعداد العمليات التي شارك فيها الرّجل ضدّ الكيان الغاصب، وشرح التهديد الذي كان يشكّله "العدو اللدود". أمّا محلياً، فكانت الصورة مغايرة. أصوات عدّة خرجت مع الساعات الأولى لإعلان نبأ الاغتيال لإبداء "الشماتة" حيناً، واستكمال حرب "شيطنة" هذا القائد أمام الرأي العام حينًا آخر. حتى سقط "إعلاميون" و"إعلاميات" في مستنقع "الشتائم" و"العبارات النابية"، دون مراعاة لحرمة أولى لحظات الرحيل، ولا لمعايير المهنة "الأخلاقية".
مع "أم تي في" البداية. القناة التي بات تمويلها معلوم المصدر، حيث الدولار والنفط، عنونت في نشرتها المسائية "مقتل مصطفى بدر الدين المتهم باغتيال الحريري في سوريا"، معتبرة أن هذا "التطور" يحمل "أبعادًا خطيرة لا سيّما أن بدر الدين هو من المتهمين الأربعة باغتيال الحريري". القناة التي أعلنت حكمها على القائد المقاوم، متبنية توجهاً سياساً معيّناً، تجاهلت في تقرير لها حول مسيرة حياة "ذو الفقار"، تاريخه النضالي في وجه الاحتلال الاسرائيلي، وإصابته خلال معارك خلدة ضد المحتل، مذ كان في ريعان شبابه. واكتفت بالحديث عن فترة "اعتقاله في الكويت" وتهم بـ"الارهاب" وجّهت اليه من قبل أميركا ودول أخرى، دون أن تخبر المشاهد أن سبب هذا التوصيف يعود الى مواقف القائد الشهيد المناهضة للعدو الصهيوني والهيمنة الأميركية.
تارة تصف القناة الشهيد بدر الدين بـ"القائد العسكري لحزب الله"، وطوراً آخر تحسم بأنه "رئيس الأجنحة العسكرية والأمنية في حزب الله". ثم تدخل في متاهة المغالطات. تقول في تقرير لها إنه "ليس للرجل أي وثيقة مسجلة في الدولة اللبنانية"، ثم تناقض نفسها في التقرير عينه بالقول "هو مصطفى بدر الدين في قاموس الأحوال الشخصية اللبنانية".
ورغم أن استشهاد القائد "ذو الفقار" كان بعد خطاب الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في يوم الجريح، الا أن "أم تي في" أرجعت وجدانية السّيد (أسمتها "حرقة" السيد) في حديثه مع الجرحى الى استشهاد "ذو الفقار". وكما العادة، نسبت هذا الادعاء الى "مقرّبين من الحزب". علماً أن حزب الله أعلن في أكثر من مناسبة عدم صدقية أي معلومة تنسب في الاعلام الى ما يسمى "مصادر الحزب" أو "مقربين" منه.
القائد الشهيد على "أم تي في" الممولة سعودياً
"أم تي في" بدت قلقة من مشهد الجماهير المحتشدة في تشييع قائدها في الضاحية الجنوبية. فخلا تقريرها حول تشييع الشهيد من أي صورة أو مشهد للجماهير المشيّعة، مكتفية بمشهد جثمان الشهيد المسجّى لقطات من كلمة نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم.
"المستقبل" لم تكن أفضل حالاً. "الشماتة" و"الايحاءات" الرخيصة باتهام الحزب باغتيال أحد قادته كانت حاضرة في نشرتها الاخبارية. عنونت "القناة" في نشرتها المسائية "بعد مقتله في سوريا حزب الله يشيع مصطفى بدر الدين المتهم الأبرز باغتيال الشهيد رفيق الحريري". مقدّمة النشرة استذكرت أسماء الشهداء: عماد وجهاد مغنية ومصطفى حسين مقدم الذي قالت إنه "متهم بقتل الضابط سامر حنا"، ومحمود الحايك الذي زعمت أنه متهم بـ"تفخيخ مصعد الوزير بطرس حرب"، ثم ختامها مع الشهيد القائد مصطفى بدر الدين الذي قالت إنه "متهم باغتيال الرئيس الحريري" وهو اليوم "قتيل على الأرض السورية". جملتان حملتا اتهاماً ضمنياً للمقاومة بتعمّد "قتل" قادتها ومجاهديها الذين "يُتهمون" من قبل إعلام دول النفط ومؤسساتها بتورطهم بقضايا اغتيال. الاتهام الضمني في نشرة الأخبار لم يخجل نواب "المستقبل" من إعلانه على الملأ، كما جاهر إعلاميوه من خلال "الشتائم" على مواقع التواصل الاجتماعي، بكل ما تتضمّنه مكنوناتهم من حقد أعمى على المقاومة ومشروعها.
"اغتيال بدر الدين"، "حزب الله يتحدث عن بعض الأعداء ويحدد يوم غد لإعلان التفاصيل"، "من هو بدر الدين أو الياس صعب أو سامي عيسى"، هي عناوين أطلقتها "أل بي سي" في نشرتها حول استشهاد القائد "ذو الفقار". وفي موقف لا يخفي شماتة في القلب، تقول في معرض النشرة "هذه الضربة لحزب الله وازتها قضية الاجراءات الأميركية المالية بحق حزب الله". تتابع "الغامض في موته هو نفسه الغامض في حياته". وفيما خلت التقارير، هنا أيضاً، من إشارة الى تاريخ الرجل النضالي، عرضت القناة لانقسام المواقف حول الشهيد القائد على مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي المقلب الآخر، "نيو تي في" التي أفردت مساحة واسعة من نشرتها الاخبارية لخبر الاستشهاد عنونت "مصطفى بدر الدين شهيداً على أرض سوريا، وحزب الله سيحدد غداً اسرائيل من التكفيريين". "القناة" التي تطرّقت الى قضية اتهام القائد باغتيال الرئيس الحريري من قبل ما يسمى بـ"المحكمة الدولية"، استشارت الدكتور عمر نشابة الذي قال "المحكمة الدولية لم تثبت التهمة على بدر الدين فاغتالوه"، مشيراً الى محاولات سابقة "لاغتياله معنوياً". كما اوردت تقريراً عرض حياة القائد الجهادية وتاريخه النضالي في وجه العدو الاسرائيلي.
لكن القناة وقعت في مغالطة القرابة. فذكرت أن الشهيد القائد مصطفى بدر الدين هو صهر الشهيد القائد عماد مغنية، والحقيقة أن العكس صحيح.
الى "أن بي أن" التي افتتحت نشرتها بتوجيه البوصلة نحو الأعداء الحقيقيين للوطن، فقالت "قائد جديد تقدمه المقاومة شهيداً على مساحة الجهاد المفتوحة دفاعاً عن الوجود ضد الإرهاب الاسرائيلي والتكفيري". وفي تقرير بعد أخبار "الانتخابات البلدية"، عرضت القناة لمجريات النهار الطويل من تشييع القائد الشهيد.
وفيما كانت قناة "المنار" "أمّ الصبي"، من خلال تغطيتها المباشرة للتبريكات والتعازي ومجريات التشييع وما أحاط به، عنونت الحليفة البرتقالية "أو تي في": "القائد بدر الدين من تحرير لبنان الى هزيمة الإرهاب صعوداً الى الشهادة". وجاء في مقدّمة النشرة "اليوم على حمّى البلديات أن تسكن لأن أحد الذين حموا البلد أكمل اليوم خياره فصار ساكن الأبد. اليوم يمكن لأصوات المقترعين أن تنتظر وأن تخفت لأن الصوت اليوم للمقاومين، صوت شهادة لا يعلو عليها صوت، ولا يلمس طرفها موت. مصطفى بدر الدين المقاوم الذي واجه الاحتلال الصهيوني ودحره عن أرضنا والقائد الذي جابه الارهاب التكفيري ورده عن حدودنا وقرانا وأهلنا، الذي لم يأمل يوماً بوسام ولم يفكر لحظة برتبة ولا انتظر تكريما، الرجل الذي نذر حياته للمقاومة تسلق اليوم سلم الشهادة حتى درجته العليا".
القائد الشهيد على شاشة "أو تي في"
* إعلان مرتهن وظيفته "أبلسة" المقاومين
في تحليله لما سبق، يقول نائب رئيس تحرير صحيفة "الأخبار" الاستاذ بيار أبي صعب إن "الاعلام اللبناني يعاني من انحطاط وتحيز أعمى وارتزاق"، مشيراً الى أن ما أظهره بعض هذا الاعلام عند استشهاد القائد "ذو الفقار" أكّد أنه "إعلام عديم الأخلاق وعديم المهنية ومرتزق".
بحسب أبي صعب يمكن "تقسيم ردود الفعل الشامتة أو العنيفة أو الاختزالية والمنعدمة الأخلاق الى فئات، هناك أناس فعلاً تعرضوا لغسل أدمغة، وهناك متعصبون مذهبياً، وهناك ردود فعل ارتزاقية". ويلفت الى أن "اعلاميين كثر بدأوا بدايات جميلة ولافتة، لكن تم شراؤهم من قبل آلة ضخمة بدأتها السعودية وكان رفيق الحريري جزءاً منها"، موضحاً أن "معظم الذين اشتراهم الحريري من الاعلاميين كانوا من اليسار".
يضيف "نحن اليوم نقطف حصيلة عملية هدم ممنهجة تم العمل عليها قبل ثلاثين عاماً، هناك انعدام للقيم الأخلاقية الديمقراطية التي تتحدث على الحياء والاحترام، والتي تقول إنه في لحظة الموت نستطيع الحديث عن اختلافاتنا ولكن باحترام".
الاستاذ بيار أبي صعب
ويعطي أبي صعب مثالاً عن خصومته مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فيقول "أنا أعتبر أن الرئيس الحريري هو خصمي منذ زمن بعيد، وسياسيته الاقتصادية من أسوأ السياسات التي كان يتوقعها لبنان، وكذبة الاعمار هي كذبة أغنت جزءا من المرتزقة والمافيات وأغنت الرئيس الحريري وأغنت عائلته أيضاً، وأرست الفساد قاعدة ادارية شرعية في لبنان، رغم ذلك عندما أتحدث عنه أقول الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فـ"للموت حرمته كما أن الاغتيال السياسي هو جريمة"".
ويلفت الى ضرورة قراءة "خارطة الاعلام اللبناني كيف أصبحت اليوم، وكيف أصبح "المرتزقة الذين يمتهنون النباح الممول بالدولارات" يحلّون مكان الضمير المهني وقيم المهنة". يؤكد أن "معركتنا لا تزال في بداية الطريق، فكما أن هناك مقاومين يعرضون حياتهم للخطر ويستشهدون من أجل القضية، معركتنا نحن هي اعادة تنظيف الاعلام من خلال شراكة مع الخصوم السياسيين الفكريين على أساس قواعد أخلاقية مشتركة لا تعتمد التزييف والتزوير لأنها أدوات ساقطة".
يختصر أبي صعب القضية بالقول "هناك إعلام ممذهب وممول من الرجعيات الخليجية ويملك أجندة حقيقية هي "أبلسة" التيار الذي يقف في وجه أميركا و"اسرائيل" في المنطقة".