ارشيف من :عيد المقاومة والتحرير

دلالات انتصار 25 ايار

دلالات انتصار 25 ايار

 من الطبيعي جدا ان تتعدد القراءات لحدث تاريخي كبير كانتصار المقاومة الوطنية اللبنانية على الكيان الصهيوني في الخامس والعشرين من شهر ايار/مايو قبل ستة عشر عاما.

   ومن الطبيعي جدا ان يبقى ذلك الحدث يشغل حيزا واسعا من الاهتمام والتعاطي السياسي والاعلامي في مساحات وفضاءات اقليمية ودولية رغم مرور فترة زمنية غير قصيرة عليه.

   ولعل النقطة التي تحظى بأهمية كبيرة جدا، هي ان الحدث-الانتصار مثَّل فيما بعد محورا ومنطلقا لانتصارات وتحولات لاحقة، ساهمت بمجملها في صياغة معادلات وفرض توازنات لم تشهدها المنطقة في اية حقبة زمنية سابقة.

   وهنا في هذا السياق، تبرز امامنا جملة حقائق افرزها انتصار حزب الله التاريخي على الكيان الصهيوني الغاصب في ايار-مايو 2000.

الحقيقة الاولى: ان وجود الارادة الصلبة وتوفر النوايا الصادقة، يعد احد اهم عناصر ومقومات الانتصار في اية معركة بصرف النظر عن الحسابات والمعطيات الرقمية العددية، فحزب الله لم يكن يمتلك امكانيات عسكرية وفنية وتقنية اكثر مما يمتلكه الكيان الصهيوني، بيد انه نجح ايما نجاح في التفوق عليه، وحطم الى الابد اسطورة "الجيش الذي لايقهر".

    ولا شك ان المصداق القراني المتمثل بـ "كم فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن الله..."، قد تجلى بكل وضوح في المواجهة بين المقاومة الوطنية اللبنانية ومن يدعمها ويساندها من جهة، وبين الكيان الصهيوني ومن يقف وراءه من القوى الدولية والاقليمية بكل امكانياتها وقدراتها المختلفة.

   وثمة من لم يكن يتصور ابدا ان هناك من يستطيع كسر شوكة الكيان الصهيوني واذلاله، ومثل هذا التصور، وان اثبتت التجربة انه كان خاطئا، الا انه كان مستندا الى واقع عملي قائم على الارض، بلورته احداث وتفاعلات متواصلة ومتتابعة سبقت تأسيس ما يسمى بـ"دولة اسرائيل" في عام 1948، وامتدت لاكثر من خمسة عقود من الزمن، كان فيها الكيان الصهيوني يتوسع ويتمدد على حساب الواقع العربي والاسلامي، وبفضل الدعم الدولي الهائل، والخنوع العربي والاقليمي المتواصل.

الحقيقة الثانية: ان انتصار الخامس والعشرين من ايار/مايو 2000، مثَّل نقطة تحول وانعطافة من واقع الى آخر، اي بعبارة اخرى مثل خطا فاصلا بين مرحلتين. مرحلة كان فيها الانكسار والانهزام العسكري والنفسي والمعنوي امام الكيان الصهيوني هو العنوان الابرز والسمة الاوضح لعموم المشهد العربي العام، ومرحلة اخرى بات فيها الانتصار والشموخ والكبرياء والعزة والكرامة هي العنوان العربي الاسلامي الواسع والعريض، وهذا ترتيب عليه اعادة نظر وتقييم لموازين القوى على الارض.

   فلو اجرينا مراجعة سريعة لمرحلة ما قبل 25 ايار/مايو 2000 لوجدنا ان الكيان الصهيوني قضم اجزاء كبيرة ومهمة وعزيزة من الاراضي العربية في فلسطين ومصر ولبنان والاردن، وحقق اختراقات امنية واستخباراتية خطيرة في منظومة وجسد الكيان العربي، ونفذ الكثير من اجنداته ومخططاته، وفرض وجوده السياسي والدبلوماسي العلني في اكثر من عاصمة عربية واسلامية.

دلالات انتصار 25 ايار

يوم الفتح في لبنان ...

    في مقابل ذلك فان مراجعة سريعة اخرى مماثلة، لمرحلة ما بعد 25 ايار/مايو 2000 تكشف لنا هزائم وانكسارات صهيونية مذلة ومخزية، رافقها عجز دولي عن مساندتها فعليا، وكان ومازال حزب الله و محور وعنوان كل الانتصارات المتحققة على الكيان الصهيوني، سواء العسكرية والامنية منها، او السياسية والدبلوماسية المتعلقة بالتفاوض لاطلاق سراح الاسرى، او تبادل الجثث، او استعادة اجزاء من الاراضي المحتلة دون اللجوء الى السلاح.                       

الحقيقة الثالثة: كان انتصار حزب الله اللبناني على الكيان الصهيوني في عام 2000 احد عناصر تبلور وتفعيل محور المقاومة، او ما اطلق عليه "معسكر الممانعة"، فقد اعطى ذلك الانتصار زخما وحماسا كبيرين لحركات المقاومة الفلسطينية، ولعموم الحركات الوطنية في العالمين العربي والاسلامي، فضلا عن ذلك فإنه بقدر ما حظي بدعم واسناد الجمهورية الاسلامية الايرانية، فإنه قوي وعزز موقفها في اطار صراعها مع القوى الغربية الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الاميركية التي سعت بشتى الوسائل والاساليب وعلى مدى ربع قرن من الزمن الى محاصرتها واضعافها وبالتالي سلبها سيادتها واستقلالها.

   ومعسكر الممانعة، ساهم الى اقصى الحدود في كبح جماح نزعات التوسع والهيمنة والتسلط التي تتبناها وتقودها الولايات المتحدة الاميركية، وتحجيم ومحاصرة اصدقائها واتباعها وادواتها في المنطقة وفي مقدمتهم الكيان الصهيوني والمملكة العربية السعودية وقطر وتركيا. التي عملت على دعم وتمويل الارهاب التكفيري بكل أشكاله وصوره، من اجل تضييق الخناق على ايران، وتطويق المكون الشيعي واستنزافه بصراعات وحروب لا نهاية لها، كما هو حاصل اليوم في العراق وسوريا واليمن ومواقع  اخرى.

الحقيقة الرابعة: ان الدور الفاعل والمؤثر الذي يضطلع به حزب الله اليوم في المواجهة مع الارهاب التكفيري المتمثل بتنظيم داعش، هو في الواقع من معطيات الانتصارات المتحققة على الكيان الصهيوني، واهمها وابرزها انتصار الخامس والعشرين من ايار/مايو.

   فليس غريبا، ان من أذل الكيان الصهيوني وأرغمه على التقهقر وألحق به هزائم منكرة، يتصدى لتنظيم داعش بإرادة قوية صلبة، وايمان راسخ بإمكانية تحقيق النصر، لاسيما وان "داعش" هو في واقع الامر صناعة اميركية-صهيونية بالدرجة الاساس.

   ولا يمكن لأي كان ان ينكر البصمات الواضحة والملموسة لحزب الله فيما تحقق من انتصارات على داعش ومن يقف وراءه -وكل الجماعات الارهابية التكفيرية- في لبنان وسوريا والعراق واليمن.

   كل هذه الحقائق تؤكد بما لا يقبل الشك ولا يحتمل اللبس والغموض انه لن يكون بإمكان اية قوة مهما بلغت من التأثير ان تعيد عجلة الزمن الى ماقبل ايار/مايو 2000، لان كل شيء بات مختلفا، وكل شيء اصبح خاضعا ومحكوما بحسابات من نوع اخر.

2016-05-24