ارشيف من :خاص
سياسيون تونسيون: لا يعرف أهمية انتصار آيار إلا من اكتوى بنار الاحتلال وقاومه
كان لانتصار أيار 2000، الذي تمكنت من خلاله المقاومة اللبنانية الباسلة من تحرير أراضي الجنوب ودحر العدو الصهيوني، وقع كبير في تونس، التي اعتاد شعبها وقواها الحية والفاعلة على مساندة حركات التحرر في العالم. فقد استقبلت تونس على أرضها مقاتلي جبهة التحرير الوطني الجزائرية التي كانت تحارب الاستعمار الفرنسي انطلاقا من الأراضي التونسية، واستقبلت منظمة التحرير الفلسطينية ومقاتليها بعد الاجتياح الصهيوني للبنان سنة 1982. كما قدمت الخضراء كل الدعم للزعيم الجنوب إفريقي نيلسون مانديلا في نضاله ضد نظام التمييز العنصري، وأشار منديلا إلى ذلك مطولا في مذكراته وإلى الترحاب الذي يلقاه من الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة والاستعداد دائما للدعم المالي والسياسي وحتى لتدريب المقاتلين.
لذلك تفاعل التونسيون كثيرا مع تحرير جنوب لبنان واعتبره البعض في ذلك الوقت استردادًا لكرامة الأمة بانتظار استكمال تحرير مزارع شبعا وتلال كفر شوبا. هذا بالإضافة إلى أن للبنان مكانة خاصة في قلوب التونسيين فهي مهد أجدادهم القرطاجيين القادمين من صور وغيرها من الحواضر الفينيقية وطبيعي أن يتفاعل أهل الخضراء مع ما يحصل في بلد الأرز ويأخذهم الحنين المستمر إلى الجذور.
توازنات جديدة
وفي هذا الإطار اعتبر القيادي في حزب المبادرة والنائب السابق في البرلمان التونسي هشام الحاجي في حديثه لـ"العهد" الإخباري أن "تحرير المقاومة اللبنانية لأراضيها المحتلة في أيار 2000 أعاد إلينا الشعور بالعزة والكرامة". كما أعاد، بحسب الحاجي، "الثقة بالنفس التي افتقدناها نتيجة للهزائم العربية المتكررة في الحروب التي خاضها ضد الكيان الصهيوني والتي تنتهي عادة، إما بالهزائم، أو يتم الالتفاف على الانتصارات وإفراغها من محتواها من خلال ضغوط غربية تمارس على ساسة عرب متخاذلين على غرار ما حصل في حرب أكتوبر 1973".
لقد أفرز هذا الانتصار للمقاومة توازنات جديدة في المنطقة وأصبح بالإمكان الحديث عن "توازن رعب" رادع للكيان الصهيوني الذي كان قبل هذا التاريخ يعتقد أنه قادر على اجتياح لبنان متى شاء وكيفما يشاء مدعوما بالقوى الغربية. لقد نسي الناس في مرحلة ما أن لبنان كبير بتاريخه وحضارته العريقة الضاربة في القدم وبتنوعه الثقافي والمذهبي وبشعبه المثقف والمبدع والمنتج على الدوام في هذا المجال، فجاء انتصار حزب الله ليؤكد أن لبنان كبير على الدوام لكن أيضا بمقاومته الباسلة التي حققت ما عجزت عنه أعتى جيوش العرب.
يوم التحرير في الجنوب
ويضيف محدثنا قائلا "لقد قاوم التونسيون الإستعمار الفرنسي طيلة عقود ودفعوا من دماء أبنائهم الزكية الكثير، وبعد الإستقلال واصلوا مقاومتهم بعد أن رغبت فرنسا في الإحتفاظ بمدينة بنزرت شمال البلاد فخاضوا معركة الجلاء التي دفع إليها الراحل الحبيب بورقيبة وحرروا مدينتهم بعد تضحيات كبيرة جعلت مصير بنزرت التونسية يختلف عن سبتة ومليلية المغربيتين اللتين مازالتا خاضعتين لاستعمار إسباني. لذلك يدرك التونسيون جيدا أهمية انتصار أيار 2000 وأهمية استرجاع الأراضي المحتلة لذلك يحظى حزب الله بشعبية واسعة في تونس ازدادت وتدعمت وترسخت بعد قيام الحزب باسترجاع رفات التونسيين الذين قضوا دفاعا عن فلسطين في إحدى عمليات تبادل الأسرى الناجحة التي أنجزها الحزب مع الكيان الصهيوني".
ويختم النائب التونسي السابق حديثه بالقول: "أهنئ المقاومة وكل الشعب اللبناني بانتصار أيار 2000 في ذكراه وأؤكد لهم أن الشعب التونسي على عهده دائما في دعم المقاومة اللبنانية والانتصار لها في كل المحطات ولن يخذلها أبدا. وأسمح لنفسي بالحديث باسم غالبية الشعب التونسي لأنني منه وأعرفه جيدًا بجميع شرائحه وأؤكد أن ما يجمع التونسيين بمقاومتهم في لبنان أكبر من أن تزعزعه بعض حملات التشويه الصادرة من هذه الدولة العربية أو تلك أو هذه المنظمة الإقليمية أو تلك".
اسقاط الهيمنة الصهيونية
من جهته اعتبر الناشط السياسي المنتمي إلى التيار الدستوري الوطني أيمن بدر الدين أن انتصار مايو/أيار 2000 يعتبر نقطة تحول ايجابية لصالح الامة العربية، اذ من خلال هذا الانتصار الكبير تمكنا من اسقاط الهيمنة الصهيونية على المنطقة والحاق هزيمة عسكرية بجيش الكيان الصهيوني الذي لا يقهر حسب نظر العدو وبذلك اقمنا قوة ردع في وجه الصهاينة غيرت الموازين والمعادلات... ويضيف قائلا: "من خلال انتصار مايو 2000 تمكنا من تحرير جنوب لبنان من الاحتلال الصهيوني وعملائه بقوة السلاح وبفضل ضربات المقاومة الباسلة ودون منة من أحد..".
ويعتبر الناشط السياسي التونسي أن هذا الانتصار أعطى شعبية عربية كبيرة لحزب الله اللبناني في أرجاء العالمين العربي والإسلامي. فقد اكتسب الحزب حاضنة شعبية واسعة في لبنان وخارجه وتدعمت هذه الحاضنة بعد انتصار حرب تموز 2006 التي أكد من خلالها الحزب جهوزيته وقدرته على الدفاع عن لبنان.
ولعل ما ساعد المقاومة اللبنانية على تحقيق هذه الانتصارات، بحسب محدثنا، هو أن هذه المقاومة مسؤولة وانضباطها عال وهي راقية في تعاملاتها. كما أن حزب الله، وهذا مهم جدا، لم يحاول استغلال هذا الانتصار العظيم لكسب مكاسب شخصية او مكاسب تتجاوز خدمة المقاومة وهو ما جعله بالإحترام في الداخل والخارج وينال ثقة عديد الأطياف السياسية.
ويختم محدثنا بالقول: "طبيعي أن نتفاعل في تونس مع انتصار حزب الله في أيار 2000 وتحريره لأراضي الجنوب فنحن شعب مقاوم للاستعمار، حرر أراضيه بسواعد أبنائه. فوالدي حمل السلاح ضد المستعمر الفرنسي وسُجن وعُذب في عهد الاستعمار وبعد الاستقلال وسمه الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة وقد أورثنا حب الوطن وبات الانتصار لحركات المقاومة والوقوف في صفها والتعصب لها شيئًا بديهيًّا بالنسبة لنا".