ارشيف من :آراء وتحليلات

حكومة التطرف تقود ’إسرائيل’ الى الحرب ام الى المأزق؟

حكومة التطرف تقود ’إسرائيل’ الى الحرب ام الى المأزق؟

  أحدث الاتفاق الذي تم بين تكتل الليكود وحزب "إسرائيل بيتنا" للمشاركة في الائتلاف الحكومي، خضة سياسية ، خاصة أن ما تشھده الساحة السياسية في” إسرائيل”  يتعدى بكثير حدود التغيير الحكومي أو توسيع التمثيل السياسي فيھا، وھو يدخل في مسار التحول الانقلابي في اتجاه اليمين القومي الذي ينتھجه نتنياھو منذ تشكيله حكومة اليمين الضيقة بعد فوزه في الانتخابات الأخيرة .

وبموجب هذا الاتفاق المتطرف سيتولى حزب "إسرائيل بيتنا" حقيبتين إحداھما حقيبة الدفاع التي سيحملھا أكثر رموز" إسرائيل" تطرفاً ودموية زعيم الحزب أفيغدور ليبرمان، بدلاً من وزير الدفاع الحالي موشيه يعالون. وبذلك ستعتمد الحكومة على قاعدة برلمانية من 67 نائباً لتكون ھذه أكثر الحكومات يمينية ، بوجود حزب المستوطنين المتطرف "البيت اليھودي" و"ليكود".

ويمكن اعتبار تعيين ليبرمان بالذات في منصب وزير الدفاع بداية مرحلة جديدة من السياسة المتشددة في التعامل مع الملفات الأمنية والسياسية المطروحة وفي طليعتھا الوضع في قطاع غزة، والھبّة الفلسطينية، وموضوع استئناف المفاوضات السياسية مع الفلسطينيين. حيث يُعرف ليبرمان بمواقفه المتشددة معهم، ودعواته الى تھجيرهم وطردهم. وھو الذي اقترح ذات مرة تدمير غزة وتحويلھا الى ملعب لكرة القدم. وعندما كان وزيراً للخارجية صرح بأنه يجب تدمير سد أسوان، الأمر الذي جعله شخصاً غير مرغوب به في مصر. وفي عام 2015 اضطر الى تقديم استقالته من الحكومة بسبب اتھامات له بالرشوة وإساءة الأمانة.

هذا المنحى المتطرف لحكومة نتنياهو أحدث انقساماً واختلافاً للآراء بين كبار المعلقين لمغزى تعيين ليبرمان، وأبعاد ھذا التعيين سياسياً وعسكرياً. فبينما رأى البعض أن ليبرمان داخل الحكومة سيكون "متزناً نسبيا" ، حذر آخرون من "الخطر الذي يشكله على الأمن القومي الإسرائيلي.

فاتفاق الشراكة الذي تم التوقيع عليه بين نتنياھو وليبرمان وانضمام "إسرائيل بيتنا" إلى الحكومة بوزيرين: أفيغدور ليبرمان وزيراً للدفاع وصوفا لاندبر وزيرة للھجرة. وصفته صحيفة "هآراتس" الإسرائيلية بقولها: "إن نتنياھو وجد نفسه في حالة صراع من أجل البقاء، فلجأ الى توسيع الائتلاف الحكومي وكان الضحية خلال "أسبوع جنوني" من الاتصالات زعيم المعارضة اسحق ھرتسوغ، بعد الاتفاق مع ليبرمان، وبالتالي فإن صراع نتنياھو من أجل البقاء حتى وإن كان على حساب "إسرائيل "التي يبدو أنھا تتجه نحو الھاوية"، مضيفة أن نتنياھو ليس لديه ما يخسره فيرمي بالجميع إلى الجحيم. وھو اختار طريقة "وقحة بلا أخلاق"، من خلال بدء الحديث عن مؤتمر إقليمي للسلام بالتعاون مع ھرتسوغ، ثم الانتھاء بتعيين ليبرمان "بطريقة بلطجية"، معتبرة أن عزل يعالون الذي لا يمثل تھديداً سياسياً حقيقياً لنتنياھو، يعد رسالة الى غيره من الوزراء تحمل تھديداً وتحدياً لحكم الرجل الواحد "نتنياھو".

وأما عن أسباب إقالة يعالون، فتردها مصادر سياسية إلى الاختلافات التي برزت في المدة الأخيرة بين الطاقم السياسي الحاكم والمؤسسة العسكرية. ومن أبرزھا معارضة اليمين الإسرائيلي سياسة يعالون في التعامل مع الھبّة الفلسطينية ومطالبته باستخدام مزيد من العنف ضد المھاجمين الفلسطينيين، بالإضافة الى التحفظ الكبير عليه لدعمه نائب رئيس الأركان الذي حذر من مغبة الظواھر الشوفينية . لذا يشكل استبعاد يعالون عن منصبه رسالة واضحة يوجھھا نتنياھو إلى قيادة الجيش بأنه ھو من يرسم الخط السياسي وأن عليھا التقيد به حرفياً.

وعلى المستوى الدولي الرسمي، كان لافتاً الموقف الأميركي البارد كما عبرت عنه الخارجية الأميركية.  فمقابل محاولة نتنياھو الإيحاء بأن توسيع الحكومة لن يغير مسارھا وربما يفتح آفاقاً نحو التسوية، أعلن المتحدث بلسان الخارجية الأميركية أن تشكيلة الائتلاف الحكومي في إسرائيل تثير تساؤلات بشأن وجھتھا. وأضاف أن الولايات المتحدة ستفحص الحكومة الإسرائيلية الجديدة وفق أفعالھا لا أقوالھا. وأشار المتحدث إلى "أننا رأينا تقارير   تصف الائتلاف الجديد بأنه الأشد يمينية في تاريخ إسرائيل."

وبحسب معلقين إسرائيليين، فإن كلام الخارجية الأميركية يشھد على أن أميركا ليست مقتنعة برسائل التھدئة التي أطلقھا نتنياھو وليبرمان. ويرى ھؤلاء أن الرسالة الأميركية السلبية تجاه الحكومة الجديدة تتسم بأھمية فائقة في ضوء حقيقة أن الرباعية الدولية ستصدر تقريرھا بشأن الجمود السياسي بين إسرائيل والفلسطينيين والوضع في الأراضي المحتلة. ويعتقد أن التقرير سيحوي انتقادات حادة جداً لسياسة "إسرائيل"، خصوصاً في مجال المستوطنات ومصادرة إمكانيات تطور الفلسطينيين في المنطقة ج.

حكومة التطرف تقود ’إسرائيل’ الى الحرب ام الى المأزق؟

الى اين تقود الحكومة المتطرفة اسرائيل؟

من جھته، كشف المعلق العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت" أليكس فيشمان عن أن مصر أبدت تحفظات على تعيين ليبرمان وزيراً للدفاع في مكالمة أجراھا نتنياھو مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وكانت المكالمة قد تمت بمبادرة من نتنياھو بھدف طمأنة المصريين إلى استمرار رغبته في تسيير المبادرة السياسية التي وقف خلفھا رئيس الحكومة البريطانية السابق طوني بلير. ونقل المعلق عن مصادر مصرية قولھا إن نتنياھو كرر في المكالمة الالتزامات الإسرائيلية التي قطعت للرئيس المصري عشية كلمته العلنية في 17 أيار، والتي دعا فيھا "إسرائيل" والفلسطينيين إلى اللقاء في مؤتمر يبحث في التسوية السلمية، بل وتعھد بأنه فور أداء الوزراء الجدد في حكومته الموسعة اليمين القانونية سيعود ويصرح علناً عن تأييده للخطوة التي يقودھا السيسي.

أما في ما يتعلق بلبنان، فمن المستبعد أن يغيّر ليبرمان قواعد اللعبة السائدة على حدوده، وأن يكسر توازن الردع القائم مع حزب الله منذ حرب تموز 2006. ومن المتوقع أن يطلق تھديدات وتصريحات نارية وتحذيرية، لكنه لن يورط الجيش في مواجھة عسكرية جديدة مع حزب الله.

بالنسبة الى السياسة الإسرائيلية حيال الحرب السورية، من المنتظر أن يعزز وجود ليبرمان في وزارة الدفاع التنسيق الإسرائيلي مع الروس والتدخل الإسرائيلي في رسم المستقبل السياسي لسوريا.
فالضجة التي أحدثھا انضمام أفغيدور ليبرمان الى حكومة نتنياھو عكس قلق قسم من الإسرائيليين ودول العالم بما يمكن أن تؤول اليه السياسة الأمنية الإسرائيلية في ظل وجود ھذا الرجل في وزارة الدفاع خلال مرحلة حساسة وشديدة الخطورة، وھو المعروف بمواقفه المتشددة وسلوكه غير المتوقع، وعلاقاته المتوترة مع الآخرين حتى مع نتنياھو نفسه.

فليبرمان لا  يوحي بالاطمئنان حتى للإسرائيليين أنفسھم، الذين يدركون أن أي خطأ في التقدير أو في الحسابات يمكن أن يجر إسرائيل الى مواجھة وخيمة العواقب مع حركة "حماس" في غزة، أو مع حزب  الله على الحدود  اللبنانية، ويفتح الباب أمام حرب لا يرغب فيھا أي طرف في الوقت الحاضر.

 وبهكذا اتفاق مع ليبرمان يكون نتنياھو أيضاً قلب الطاولة وأربك المعارضة وخاصة "المعسكر الصھيوني" بزعامة اسحق ھرتسوغ، وأطاح بتدخلات خارجية نشطت من وراء الكواليس لتمھيد الطريق أمام انضمام "المعسكر الصھيوني" الى حكومة نتنياھو. وھذا ما قام به المبعوث السابق للجنة الرباعية الدولية طوني بلير بالتعاون مع ھرتسوغ ومع وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي شجع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على الإدلاء بتصريحه الأخير بشأن استعداده التوسط لإعادة استئناف العملية السلمية بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وھذا التدخل الدولي لم يسبق له مثيل في الوضع السياسي الداخلي في "إسرائيل".
الا ان عودة ليبرمان بحسب كثيرين ستؤدي إلى إحباط المساعي الدولية التي بُذلت من وراء الكواليس من أجل استئناف العملية السياسية ، كما وجهت ضربة للمبادرة الفرنسية  الساعية الى عقد مؤتمر للسلام في نھاية الصيف.

2016-06-01